أثارت التعديلات الدستورية الأخيرة جدلا بين القضاة وخلافا حول مدى تجاوبها مع مطالب الانفتاح الديمقراطى وثورة 25 يناير، وكذلك حول قطعية صياغتها ودلالاتها. كما أن اللجنة المشرفة على التعديلات الدستورية لم تتعرض للسلطات المطلقة لرئيس الجمهورية، وهى سلطات بقاؤها فى الفترة التى تسبق الدستور الدائم أمر خطير. قال المستشار محمد حامد الجمل، رئيس مجلس الدولة الأسبق، إن اللجنة لا تمثل جميع أطياف الشعب فهى مجرد تشكيل من قضاة سابقين أو حاليين ومحامٍ وأساتذة قانون دستورى، وهو ما لا يمكن الزعم معه أن اللجنة تمثل الشعب أو تحل محله، وأن ما اقترحته هذه اللجنة لا يعدو كونه مجرد مجموعة اقتراحات، تحتاج لإجابة واضحة عن سؤال مهم هو: هل ستضاف هذه التعديلات للدستور المعطل ويعمل به خلال الستة أشهر القادمة وفترة ما قبل وضع دستور دائم جديد، أم أن الدستور سيظل معطلا ويتم العمل فقط وفقا لهذه المواد وهى لا تكفى لإدارة البلد فى الفترة المقبلة؟. وأضاف الجمل أن الوضع القائم كان يتطلب وضع دستور مؤقت به عدد معين من المواد تقرر بالدرجة الأولى الحريات العامة للمواطنين، وتوصف صيغة الحكم فى الفترة الحالية بشكل صحيح، وكيفية تشكيل وزارة، لكن الوضع الذى نحن فيه به دستور معطل وليست توجد بدائل فى السير على أساسها فى الفترة المقبلة. ويرى الجمل أن مقترح تعديل المادة 76 وضع قيودا لا يمكن توافرها فى الوقت الراهن لأن الأحزاب ضعيفة بعدما عانت من القمع فى فترة حكم الرئيس مبارك، كما أن ثوار 25 يناير ليس لهم تنظيم أو حزب يمكن أن يطرحوا مرشحهم من خلاله، وأيضا كيف يمكن للمستقلين أن يحصلوا على تفويض من 30 ألف ناخب كى يترشح للانتخابات. واستطرد: ليس مفهوما ألا يجوز لأعضاء مجلس الشعب تأييد أكثر من مرشح، فلابد أن يتاح للعضو تأييد أكثر من مرشح حتى تتحقق المنافسة بمفهومها الحقيقى بين جميع المرشحين. وهذا يتعارض مع مبدأ المنافسة، أما مسألة تشكيل لجنة من رئاسة رئيس المحكمة الدستورية للإشراف على الانتخابات الرئاسية ليست ملائمة ويدعوه للتنحى عن نظر الطعون المقدمة على نتيجة الانتخابات الرئاسية، ومن الأفضل أن يكون رئيس اللجنة من قضاة محكمة النقض، كما أن مسألة عرض مشروع القانون الخاص على المحكمة الدستورية قبل العمل به، لا يتفق مع طبيعة العمل البعدية وليست القبلية، لأن هذا سيحرم المواطنين من الطعن على دستورية قانون الانتخابات الرئاسية. وأوضح الجمل أنه ليس منطقيا ولا مبررا أن تختص المحكمة الدستورية بالفصل فى الطعون الانتخابية الخاصة بالانتخابات البرلمانية، لأن الأجدر فى القيام بذلك قضاة محكمة النقض من حيث العدد والخبرة فى الفصل فى هذه الطعون، موضحا أن عدم أخذ مجلس الشعب بقرارات محكمة النقض فى هذه المسألة سابقا معتمدا على قاعدة (المجلس سيد قراره) لا يقلل من قدرة وخبرة قضاة النقض فى الفصل فى هذه الطعون. كما أن المادة 139 الخاصة بتعيين الرئيس نائبا أو أكثر له يجب أن تنص على وجوب تحديد اختصاصات كل نائب لعدم خلق تعارض بين الاثنين ويكون ذلك بقرار جمهورى ينشر فى الجريدة الرسمية، كما أنه يجب أن يتوافر فى هؤلاء النواب الشروط الواجب توافرها فى الرئيس من حيث الجنسية. وانتقد الجمل اقتراح أن يكون إعلان حالة الطوارئ بعد الرجوع إلى الشعب، موضحا أن هذا لايتفق مع طبيعة الطوارئ، ولكن يجب أن تكون محددة بأن تعلن فى حالة التهديد بالحرب أو فى حالة الحرب أو فى حالة وجود كارثة طبيعية أو فى وجود وباء، وألا تقر الطوارئ لقمع الحريات والحقوق العامة للمواطنين، كما أن صياغة المقترحات كانت تحتاج إلى دقة فى الصياغة بحيث تكون قاطعة الدلالة ولا تحتمل الالتفاف عليها. من جهته قال المستشار عادل فرغلى، الرئيس السابق لمحاكم القضاء الإدارى، إن هذه اللجنة أدت واجبها فى حدود وظيفتها، لكنها أخطأت فى صياغة المقترحات، وقد يكون ذلك بحسن نية، لكنها أخطأت فى إعطاء المحكمة الدستورية العليا التى تفتقد إلى ضمانات تمكنها من الانحياز للشفافية والنزاهة لأن رئيسها يعين من قبل رئيس الجمهورية.