قبل يومين كتبت فى هذا المكان منتقدا رؤية بعض الذين يطالبون بمد الفترة الانتقالية لتسليم السلطة من الجيش إلى حكومة منتخبة من ستة أشهر إلى عام أو عامين. كتبت بوضوح أن بعض أصحاب هذه الرؤية أبرياء ويعبرون عن وجهة نظر يرونها صحيحة، لكن بعضا آخر من المعادين للثورة ينادى بهذه الفكرة من أجل إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. عقب النشر فوجئت بكثير ممن ينطبق عليهم الأبرياء والذين ناصروا الثورة بوضوح يناقشوننى فى أهمية التأجيل ومنطقهم فى ذلك أن إجراء الانتخابات خصوصا البرلمانية بعد أقل من ستة شهور من الآن لن يعنى إلا أننا سنقدم البرلمان مرة أخرى وبصورة شرعية إلى الحزب الوطنى والإخوان المسلمين وسنحرم شباب الثورة من تنظيم أنفسهم لكى نضمن لهم تمثيلا فى البرلمان. من بين الذين اختلفوا مع طرحى أصدقاء وأساتذة كثيرون لا أشك فى صدق نواياهم، من بينهم بلدياتى الأستاذ جمال أسعد عبدالملاك الذى اتصل ليناقشنى فى الامر.. ثم كتب الدكتور البرادعى مقالا مهما يتضمن المطالبة بأن تطول الفترة الانتقالية إلى عام حتى يمكن تهيئة المجتمع لانتقال حقيقى. لا أعرف هل أخطأت أم أصبت فيما كتبت.. لكن وجهة نظرى هى أن مدة الفترة الانتقالية لن تكون هى الفيصل الحاكم فى الأمر.. بمعنى أننا لو أجرينا الانتخابات غدا أو بعد ستة أشهر أو حتى ربما ست سنوات فربما سيأتى نفس المرشحين التقليديين لأن التربة الحزبية غير ممهدة. ولذلك فالقضية الأكثر أهمية التى ينبغى أن نركز عليها هى الإصلاحات الدستورية وإنشاء نظام سياسى سليم. وهنا تأتى أهمية الأفكار التى طرحها البرادعى فى مقاله المنشور ب«الشروق» أمس حيث طالب بدستور مؤقت وتقييد سلطات الحكومة الانتقالية ثم تكوين مجلس رئاسى من ثلاث شخصيات أحدهم عسكرى وحكومة مؤقتة مستقلة تشرف على العملية الانتقالية وإجراء انتخابات نزيهة وضمان تفكيك النظام القديم. لو انتظرنا عاما وأجرينا انتخابات برلمانية فربما سنجد نفس الشخصيات التقليدية لكن بأشكال مختلفة، لكن فى هذه الحالة لن نندم، لأننا سنكون واثقين من قدرتنا على تغييرهم أو تغيير كل المجلس. النقطة الأخرى التى يخشى البعض حدوثها هى المخاوف من سيطرة الإخوان المسلمين. رغم خلاف الكثيرين مع أطروحات الإخوان السياسية إلا أن إيماننا بالديمقراطية، يحتم علينا ألا نهدر حقهم فى الترشيح والفوز، ولو حصدوا الأغلبية فما المانع أن يحكموا إذا كانت هذه إرادة الغالبية. المجتمع المصرى حتى فى ظل الثورة لن ينقلب لمجتمع ملائكى فورا. سيأخذ وقتا انتقاليا طويلا حتى تتغير القيم والعلاقات والبنى. المهم أن ننشئ نظاما سليما يقوم على دستور عصرى. إذا حدث ذلك وأجريت انتخابات نزيهة، ووصل الإخوان إلى السلطة وأجادوا كما فعل حزب العدالة والتنمية فى تركيا علينا أن نرفع لهم القبعة ونحييهم.. وإذا «قلبوها» دينية واكتفوا بكسر بضع زجاجات هينكين أو «بلاك ليبل» فى نهر النيل.. وركزوا فقط على تطويل اللحية وقص الشارب.. فى هذه الحالة فميدان التحرير طريقه معروف. نستطيع أن نذهب ونغير من لا يعجبنا. يا أيها المصريون.. الدنيا اختلفت بعد 25 يناير. المستحيل تحقق.. الفزاعات سقطت، والحزب الوطنى احترق، وأمن العادلى انهار وانسحب.. وهناك مؤسسة وطنية اسمها القوات المسلحة تضمن الانتقال.. فلماذا نخاف؟!.