صار ميدان التحرير مزارا سياحيا.. وربما يتم إدراجه فى الأماكن التى يطلب السياح الأجانب زيارتها مثلما يفعلون مع بقايا سور برلين الذى كان يفصل بين ألمانياالشرقية والغربية وانهار عام 1989مما أدى إلى انهيار الاتحاد السوفييتى والكتلة الشرقية. ما يحدث فى الميدان ليلا هذه الأيام يفوق الوصف.. المتظاهرون فضوا اعتصامهم وعادوا إلى بيوتهم بعد نجاح ثورتهم، الحياة العادية عادت إلى طبيعتها فى الميدان، لكن عندما تغيب الشمس ويبدأ الليل يتحول المكان إلى كرنفال. ويبدو أن كل أسرة فى القاهرة صارت تحرص على اصطحاب أولادها للطواف والتبرك بهذا المكان الطاهر. الجميع يبتسم، علامات السعادة «تنط» من وجوههم.. يحرصون على التقاط صور تذكارية فى الميدان خصوصا على الدبابات مع الجنود والضباط فى أفضل تعبير ممكن عن توحد الجيش والشعب معا. الكل يحرص أن يكون فى ألبومه الخاص صورة فى ميدان التحرير.. اعرف مصريين عادوا من الخارج.. من بلدان هاجروا إليها أو يعملون بها كى لا تفوتهم المشاركة الحية كى يقولوا لأنفسهم وربما لأولادهم «لقد كنا هنا». زميلة عادت من لندن خصيصا وتم حصارها هى ومعظم اسرتها أثناء «موقعة الجمل»، وزميلة أخرى عادت من مدريد فقط كى تشهد هذه اللحظة التاريخية، وزميل ثالث عاد من دبى لمدة 16 ساعة فقط.. وصل القاهرة فى الرابعة مساء.. قضى الليلة فى الميدان مع المعتصمين وعاد فى العاشرة صباح اليوم التالى إلى الإمارات. الملفت أن الأولاد الصغار وربما الشباب يحرصون على حمل علم مصر.. بعضهم يرسمه على وجهه.. وتلك هى المرة الأولى التى يفعل فيها المصريون ذلك بعيدا عن مباريات الكرة مثلما كان يحدث عندما فزنا ببطولة الأمم الأفريقية. كل ذلك يندرج تحت باب أفراح ما بعد الانتصار.. والمؤكد أنها سوف تستمر لأيام وربما لأسابيع وشهور.. وهو شىء جميل أن ينشغل المصريون بجميع اطيافهم بشىء إيجابى يمثل إعلاء لقيمة الانتماء وحب الوطن، وهو الشىء الذى كنا نشكو ليل نهار من غيابه. سوف تنتهى الاحتفالات بانتصار الثورة قريبا وسنكون مطالبين جميعا بالإجابة عن السؤال الصعب وهو: ماذا بعد الفرح.. كيف يمكن ترجمة أهداف ومبادئ ومطالب الثورة على أرض الواقع؟!. الانتصار كان صعبا ويشبه المعجزة، لكنه تم وحدث وأصبح واقعا.. تنحى مبارك ومات التوريث، واحترق الحزب الوطنى، وبعض رموز الفساد والإفساد قيد التحقيق وبقيتهم فى الطريق. لكن كل ذلك قد يمهد التربة لعصر جديد، إلا أنه لا يكفى وحده للبناء. نحتاج إلى دولة جديدة بمفاهيم جديدة وبشر يعملون بعقلية جديدة. عندما تنتصر الثورات فإنها تحتاج تضحيات فى البداية وجنى الثمار يكون لاحقا.. البعض يعتقد خطأ انه طالما انتصرت الثورة فإن الدولة مطالبة بأن تعينهم فى وظائف وتزيد رواتبهم وتوزع عليهم كوبونات وهدايا وربما أغذية فورا. سيحدث ذلك لاحقا عندما تجرى انتخابات ديمقراطية عادلة وتكون هناك حكومة ورئيس يعبران عن الشعب، ونستطيع محاسبتهما. الآن نحن مطالبون جميعا بالبحث عن صيغ مبدعة وخلافة لكيفية بناء مجتمع جديد نظيف ومتحرر وديمقراطى، يرفض الرشوة والمحسوبية، ويقيم نظاما يعلى فيه من حرية وكرامة الإنسان وحقه فى حياة كريمة. كيف نفعل ذلك.. تلك هى المشكلة.