نظام مبارك لم يسقط مرة واحدة، حسبما يرى السفير محمد فتحى رفاعة الطهطاوى، المتحدث الرسمى السابق باسم الأزهر الشريف، والذى استقال من عمله لينضم إلى المعتصمين فى ميدان التحرير الذين يطالبون بسقوط نظام مبارك؛ بل سقط ثلاث مرات، الأولى لحظة خروج الملايين يهتفون ضده، والثانية لحظة الانفلات الأمنى، واختفاء جهاز الشرطة بكامله فى لحظة واحدة، وأخيرا عندما اقتحم بلطجية ميدان التحرير وقتلوا وأصابوا مئات المعتصمين هناك.. والحوار مع الطهطاوى لا تأتى أهميته من كونه حفيد العلامة رفاعة رافع الطهطاوى، رائد النهضة فى مصر الحديثة، ولكن لأهمية وظيفته كممثل للمؤسسة الدينية الأشهر فى العالم، ولأنه كان سفيرا لمصر فى إيران وليبيا، ودبلوماسيا فى العديد من دول العالم مثل بلجيكا وسويسرا والأردن. ● نود أولا أن نعرف لماذا تقدمت بالاستقالة من الأزهر الشريف؟ حتى لا أضع مؤسسة الأزهر وشيخها الفاضل الإمام الأكبر أحمد الطيب فى حرج، خاصة بعد أن قررت أن أشارك فى الثورة، وأن أظل مرابطا فى ميدان التحرير حتى تتحقق مطالب الثورة جميعها. ● شيخ الأزهر رفض استقالتك وطلب منك مراجعة موقفك مرة أخرى.. ماذا حدث بعدها؟ أولا أود أن أؤكد احترامى الشديد لفضيلة الإمام أحمد الطيب، وأعبر عن امتنانى الشديد له وتمسكه ببقائى بمشيخة الأزهر كمتحدث رسمى، وقد قال فضيلته لى بعد أن عرف سبب استقالتى، أنا لا أقل عنك دينا ولا وطنية ولا رجولة، فأجبته: «بل أنت أكثر منى دينا ووطنية، لكننى لدى اجتهاد مختلف»، وأنا لا أريد أن أحمل الأزهر تبعة مواقفى، وأنا مسئول عن نفسى، بينما الإمام الأكبر مسئول عن مؤسسته العريقة وعليه أن يحافظ على هذه المؤسسة. ● هل توترت علاقتك بشيخ الأزهر بعد قرار الاستقالة؟ اطلاقا فالاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية، وأنا أؤكد أننى أكن كل الاحترام لمؤسسة الأزهر وإمامها وأنا فى خدمة الأزهر بمنصب أو بدون منصب. ● متى تحديدا قررت المشاركة فى الثورة، وهل كنت تتوقع أن تحدث ثورة 25 يناير هذا التغيير؟ لم أكن لأتوقع يوم الاثنين 24 يناير أن يتحقق شىء أو أن شيئا يحدث، ولكنى فوجئت مثل معظم الناس بنجاح تنظيم هذه الثورة العظيمة، وقد قررت المشاركة تحديدا بعد الأحداث الدامية ليوم جمعة الغضب، وظللت موجودا فى الميدان مساندا، وسأظل مرابطا حتى تتحقق مطالب الثورة. ● إذن فقد قررت أن تشارك بعد أن مصادمات الشرطة وسقوط شهداء؟ لقد تأثرت كثيرا بما رأيت من سقوط الشهداء ومعظمهم من الشباب، وأؤكد أن الدماء كانت وقود الثورة، والنظم التى تريق دماء شعبها فى الشوارع والميادين تسقط، وانظر معى إلى النظام القيصرى فى روسيا، وكان سقوطه الحقيقى عندما توجهت الجماهير الروسية إلى القيصر وكان فى تصورها أنها تشكو لأبيها القيصر الأوضاع فى البلاد، فقابلها الحرس القيصرى بالرصاص، وهنا سقطت شرعية النظام، وكذلك نظام الشاه فى إيران سقط أيضا يوم الجمعة الدامى، يوم قتل الجيش 2500 متظاهر. ●وماذا عن شرعية نظام مبارك؟ شرعية نظام مبارك سقطت يوم الجمعة يوم 28 يناير أو كما أطلق عليها «جمعة الغضب»، وقد سقطت شرعيته ثلاث مرات أولها بسبب قتل الأبرياء من شباب مصر، والمرة الثانية حينما سحب قوات الشرطة من المدن والقرى ليروع الناس، أما المرة الثالثة فحينما استعمل يوم خطابه الأخير يوم الأربعاء، أساليب العنف والبلطجة لمواجهة المعارضين له فى ميدان التحرير. ولما علمت بالهجوم، سارعت إلى ميدان التحرير وكان ابنى هناك، وكان فى الصفوف الأمامية لحظة المواجهة مع البلطجية الذين بادروا بالهجوم عليهم، وأصيب ابنى فى وجهه وكان الدم يغطى ملابسه حين وصلت إليه، فبقيت بالميدان أشارك بالدعم المعنوى، لأنى من الناحية البدنية لم أكن لأستطيع المواجهة، وكنت أقف وراء المدافعين، ورأيت الجرحى يسقطون والشهداء محمولين على الأكتاف، وقد زادنى هذا المشهد إصرارا وقلت إنى مع الثورة لآخر مدى. ● هل تتوقع أن يستجيب النظام ويرحل أم أنه سيستمر؟ أتوقع أن تكون المواجهة مع النظام الحالى مواجهة حادة وشرسة، وهو نظام جذوره عميقة فى الفساد والاستبداد والقمع، ومازال مصرا على الامساك بكل مقاليد السلطة، ومازال مستندا إلى جهاز أمنى وقمعى هائل، كما أنه مستند للدعم الخارجى خاصة من إسرائيل، ومن السذاجة التصور أن هذا النظام سيسقط أو يتنازل عن السلطة بعد أيام أو أسبوع، والمعركة هنا معركة النفس الطويل، وهى إصرار وصراع إرادات، وما أؤكده وألمسه فى الجماهير أنها مصرة على الاستمرار فى هذه الثورة حتى النصر أو الشهادة. ● ما رأيك فى الحوارات التى تجرى مع قوى المعارضة السياسية والنظام الآن وهل لها تأثير على الثورة؟ من الواضح أن النظام المصرى لم يتحرك خطوة للاستجابة لمطالب الجماهير، وكل التنازلات التى قدمت من يوم 25 يناير إلى الآن تنازلات شكلية أو وعود مؤجلة، ومعظم المشاركين فى الحوار لا يملكون أى تأثير على المعتصمين بميدان التحرير، ربما باستثناء الإخوان الذين لهم تأثير على 5 أو 10% من المعتصمين لا أكثر، وكل هذه الحوارات لن ترضى جموع المعتصمين بالميدان لأن مطالبهم محددة وواضحة. ●ما تعليقك على تصريحات مبارك الأخيرة بأن رحيله فى الوقت الحالى سيؤدى لفوضى بالبلاد؟ كلام غير منطقى وغير صحيح بالمرة، الحل بعد رحيله يكمن فى أن تشكل حكومة انتقالية تضم مجموعة من الناس الشرفاء الذين يحظون بقبول وطنى، وترفع حالة الطوارئ وأؤكد أنه فى هذه الحالة ستشهد مصر حالة من الاطمئنان لم تشهدها فى الأعوام السابقة، خاصة أن تشكيل حكومة انتقالية أمر لا يأخذ أكثر من يومين. ● هل كان لخطاب مبارك الأخير تأثير على المعارضين له خاصة بعد أن تراجع البعض منهم عن المطالبة برحيله الفورى والانتظار حتى نهاية مدة رئاسته فى سبتمبر القادم، وهل تحققت بعض المطالب كما أشار؟ الخطاب الأخير كان مصوغا بطريقة ممتازة، وحاول فيه إظهار درجة من المرونة وتقديم بعض التنازلات التى ليس لها أى تأثير، لكن فعليا لم يحقق أى مطالب للثورة، فكلها تنازلات وهمية دون مضمون، ووعود مؤجلة لا تطمئن لها الجماهير، والنظام نجح فقط فى الالتفاف حول الضغط الشعبى ومطالبه، وفى حالة استمرار هذا النظام سيعود لسائر أساليبه القديمة وسيقمع الناس بكل قسوة، وكما قال الأستاذ محمد حسنين هيكل سيكون النظام وحشا جريحا يريد الانتقام من الناس.