رئيس حزب الشعب الجمهورى : تشكيل لجنة قانونية من الأحزاب المشاركة بالقائمة الوطنية    جمال رائف: بيان 3 يوليو أنقذ الدولة وأعاد لمصر هويتها الوطنية    بعد السيطرة على أزمة السكر.. وزير التموين ل"أهل مصر": مصنع أبو قرقاص يعمل بكامل طاقته منذ مارس الماضي    بوتين يؤكد لترامب ضرورة حل نزاعات الشرق الأوسط دبلوماسيا    خلافات داخل "فتح" تعرقل جمع السلاح الفلسطيني من المخيمات اللبنانية    رسالة مؤثرة من أرني سلوت للاعب ليفربول الراحل جوتا    المصري البورسعيدي يتعاقد مع الجزائري منذر طمين    البنك الأهلى يتعاقد مع يسري وحيد قادما من طلائع الجيش    مصرع وإصابة 4 أشخاص فى تصادم سيارتين ملاكى بالعلمين الدولى بالبحيرة    مصرع طفل غرقًا داخل ترعة بقنا    نقيب الموسيقيين: عزاء أحمد عامر يوم الأحد بمسجد الحامدية الشاذلية    سعر الدولار اليوم الخميس 3‐7‐2025 بعد ارتفاعه عالميًا    صندوق النقد: دمج المراجعتين الخامسة والسادسة البالغتين 8 مليارات من برنامج دعم مصر    تعديلات قانون التعليم كاملة.. قيمة بدل المعلم والاعتماد وعدد مواد الثانوية العامة (مستند)    لوجانو السويسري ليلا كورة: إبراهيم عادل لاعب ذو جودة عالية.. ولكن    تقارير: ريال مدريد يوافق على بيع رودريجو.. وأرسنال الأقرب لضمه    «الزمالك مكنش عايزك».. خالد الغندور يوجه رسالة ل محمد شريف بعد انضمامه للأهلي (فيديو)    الأهلي يُجمد حسم الصفقة المنتظرة بعد غضب نجم الفريق (تفاصيل)    إطلاق الطرح الثانى بمدينة الجلود فى الروبيكى    دبلوماسي فلسطيني سابق: إسرائيل تُصعّد المجازر قبل الهدنة المحتملة لفرض الدمار    مصرع طفل غرقًا داخل ترعة في قنا    ريال مدريد يقف دقيقة حدادا على ديوجو جوتا وشقيقه قبل انطلاق التدريبات    انطلاق النسخة الثالثة مهرجان العلمين الجديدة الأكبر من نوعه في مصر والشرق الأوسط يوليو الجاري بتنظيم شركة تذكرتي    إقبال جماهيرى على معرض الفيوم للكتاب    القاهرة الإخبارية تكشف تفاصيل اغتيال عنصر تابع للحرس الثورى الإيرانى قرب بيروت    خالد الجندي: صيام عاشوراء سُنة مؤكدة حتى لو وافق يوم سبت    مدير التأمين الصحي بالقليوبية تتفقد مستشفيات النيل وبنها لضمان جاهزية الخدمات    للمؤثرين على مواقع التواصل| رحلات ترويجية للسياحة بالقناطر    مساعدات عاجلة لأسرة كل متوفي ومصاب في حادث انفجار مصنع الأدوات الصحية بالدقهلية    تساؤلات المواطنين تتزايد: هل ارتفعت أسعار شرائح الكهرباء؟    مصرع 6 أشخاص على الأقل وفقدان العشرات بعد غرق عبارة بإندونيسيا    محافظة شمال سيناء تحذر المصطافين من نزول البحر بسبب الدوامات البحرية وتغير الطقس    بقدرة 650 ميجاوات.. استمرار العمل بمشروع الوحدة الثالثة ب محطة كهرباء الوليدية في أسيوط    من يتحمل تكلفة الشحن عند إرجاع المنتج؟.. الإفتاء المصرية توضح الحكم الشرعي    القبض على مالك شركة للنصب على المواطنين بالسفر للخارج    بيومي فؤاد يفتح قلبه في "فضفضت أوي": أعتذار لكل من أسأت إليه دون قصد    نقيب المحامين: الامتناع عن الحضور أمام المحاكم والنيابات يومي 7 و8 يوليو    فريق طبي بمستشفى بنى سويف التخصصى يعيد الحياة لركبة مريضة خمسينية    بالشراكة مع «الجهات الوطنية».. وزير الثقافة يعلن انطلاق مبادرة «مصر تتحدث عن نفسها»    ابتدينا.. أم أكملنا؟ قراءة رقمية في تكرار الأسماء وراء صوت عمرو دياب بأحدث ألبوماته الغنائية    خالد تاج الدين يدافع عن شيرين عبدالوهاب: «حافظوا عليها» (فيديو)    برلماني: فرض إسرائيل سيادتها على الضفة انتهاك صارخ يُشعل الشرق الأوسط    وفاة وإصابة 11 شخصًا في انفجار خزان ضغط هواء في الدقهلية    تواصل أعمال البحث عن 4 مفقودين في حادث غرق حفار جبل الزيت    برواتب تصل ل11 ألف.. توافر 1787 فرصة عمل بمشروع محطة الضبعة (رابط التقديم)    حزب الجبهة الوطنية ينضم رسميا للقائمة الوطنية في انتخابات مجلس الشيوخ    جيش الاحتلال يعتقل 21 فلسطينيا في الضفة الغربية بينهم طلاب ثانوية    ليفربول ناعيا جوتا: صدمة مروعة ورحيل لا يُصدق    إخلاء قرى في غرب تركيا مع توسع الحرائق بفعل الرياح    أمين الفتوى: التدخين حرام شرعًا لثبوت ضرره بالقطع من الأطباء    مجدي الجلاد ينتقد تعليقات التشفي بعد وفاة المطرب أحمد عامر: هل شققتم عن قلبه؟    مطروح تحتفل بالذكرى ال12 لثورة 30 يونيو المجيدة.. صور    تكريما لشهداء كفر السنابسة.. محافظ المنوفية يخصص أرضا لمركز شباب بالقرية ويعلن نصبا تذكاريا بأسمائهم    نائب وزير الصحة يتفقد مستشفى حلوان العام ومركز أطلس ويوجه بإجراءات عاجلة    افتتاح جناحي إقامة وVIP و24 سرير رعاية مركزة ب "قصر العيني الفرنساوي"    "نقلة جديدة".. أسوان تنضم رسميًا لمنظومة التأمين الصحي الشامل    وزارة الأوقاف توضح القيم المشتركة بين الهجرة النبوية وثورة 30 يونيو    توقعات بإعلان توفير 115 ألف وظيفة جديدة في أمريكا خلال يونيو الماضي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وهل لمثله ندامة؟
نشر في الشروق الجديد يوم 20 - 01 - 2011

كسر قلبى البشرى بهوانه وانكساره كبشر، فرجعت إلى عقلى لأرمم القلب، ولم أجد ما يدعم الترميم إلا صفحة من كتاب الحشرات!
لقد بدا شديد الانكسار وهو يلقى خطابه الأخير الذى تناقلته فضائيات العالم. لم تستطع صبغة الشعر فاحمة السواد، ولا هالة السلطة، ولا المنصة الرئاسية، أن تخفى وهن جسمه المُسن المريض داخل ثيابه الأنيقة الفخمة، وخلف «مكياج» الإطلال عبر الشاشات.. كلها عجزت عن مداراة مهانة استجدائه أن يظل فى الحكم سنتين أخيرتين، سنتين فقط، وقد أوشك وهو يستجدى البقاء أن يقسم بأنه «فهم»، فهل كان يعنى أنه فهم رسالة ملايين الثائرين فى الشوارع ضد صفعة شرطية وضيعة مستقوية بانتمائها لسلطته القامعة على وجه مواطن بسيط؟
مواطن حر، لم يستطع رد الإهانة ولا احتمالها، فأشعل النار فى نفسه، وألهبت نيران احتراقه غضب الملايين الكامن والمتراكم عبر ثلاثة وعشرين عاما حكم فيها البلاد بقبضة من الحديد والنار والأكاذيب والفساد والرصاص.
ثلاث وعشرون سنة سمح فيه لدويدات من حثالة البشر أن تحيط به، وتتشارك معه، وتنهب فى ظله، أو تنهب له، ففاق الفساد حدود التصور، زوجة متسلطة تفرض نفوذها على أمة وتملأ خزائن ثروتها وثروة أهلها من جيوب هذه الأمة، وأصهار وحاشية وأتباع ومنتفعون أعماهم الاستقواء بسلطته أنيقة المظهر متوحشة الحقيقة، فعاثوا فى البلاد جرادا عجيبا أتى على خضرة البلد الأخضر فأقحلها بقتل الأراضى الزراعية وتحويلها إلى منتجعات تدر ربحا أسرع وأفحش مما تدره زراعة الأرض.
دويدات بشرية صارت بمعيته يساريع متوحشة، وكان لابد من بقائه لتدوم لهم السطوة الفجَّة والثروة المنهوبة، فشرعوا فى حملات الترويج لاستمراره رئيسا، أو امتداده توريثا، ولو عبر زوجة لها ظاهر امرأة وباطن وحش، أو صهر مدجج بالنفوذ والفلوس، فلم يكن له من الأبناء من يمكن وضعه فى سُدَّة الحكم.
كانت استباحة البلاد فاضحة، والقهر كثيف التراكم، والسخط ينتظر الشرارة، وعندما أخرج الوهج ملايين الساخطين من صمتهم ودفع بهم إلى الشوارع بادرتهم هراوات زبانيته وركلات أحذيتهم الثقيلة وقنابل الغاز والرصاص الرصاص الرصاص، عشرات الشهداء لم تنجُ حتى جنازات تشييعهم من قنص الرصاص، فبلغت الروح الحلقوم، وصار الموت جادة الحياة، فهل كانت هذه هى الرسالة التى أومأ فى خطابه بأنه فهمها وهو يستجدى البقاء؟ وهل كان صادقا وهو يوحى بأنه فى مهلة بقائه سيصلح ما أفسده النهب والقهر؟
أعترف أننى عاطفى لدرجة لا معقولة غالبا، وكثيرا ما ينخدع قلبى، لهذا يسارع عقلى بالهمس: احترس، وقد سمعت هذا العقل إبان مشاهدتى لخطاب توسل الطاغية المكسور يعاود تنبيهى بالاحتراس، ويذكرنى بأمثولة حشرة، نعم حشرة!
فمع نمو معظم الحشرات يحدث لها تغيُّر يُسمَّى التحول أو الانسلاخ أو المَسخ Metamorphosis، ويكون التحول أو الانسلاخ أو المَسخ تاما فى دورة حياة بعض الحشرات ومنها الفراشات البيضاء الكبيرة ودبابير النمس التى ستعطينا الآن العظة، فكلاهما تبيض ومن البيض تخرج يرقات دودية أو يساريع كتلك التى نسميها دود الحرير، ولا وظيفة لها جميعا إلا أن تأكل بشراهة مما تتطفل عليه لتنمو بسرعة، ثم تدخل فى أوج نموها حوافظ أو شرانق وتكمن فيها، تسكن وتجمد فى طور يسمَّى «الخادرة» فتبدو كما المومياوات، وداخل جلود أشباه المومياوات هذه يحدث التحول التام، فيتفكك جسمها ويُعاد تركيبه لتصير فراشات أو دبابير، تبعا لنوعها.
اليساريع الخارجة من بيضات الفراشة البيضاء تتطفل بشراهة على أوراق النباتات لتنمو بسرعة ثم تتوارى فى مأمن وتتشرنق وتدخل فى طور الخادرة، لكن يحدث قبل تشرنقها أن تهبط على بعضها إناث دبابير عجيبة تُسمَّى دبابير النمس، تخرج من مؤخرة كل دبورة قناة طويلة تُسمَّى قناة البيض، تشبه حفَّار المثقاب، وهى قوية إلى درجة قدرتها على اختراق لحاء الشجر للوصول إلى اليساريع المتوارية خلفه. تخترق قنوات بيض دبابير النمس جسم يساريع الفراشة البيضاء الكبيرة، وعبر قنوات البيض الخارقة الثاقبة تزرع الدبورة حوالى عشرين بيضة فى أحشاء كل يسروع ثم تنسحب.
داخل جسم اليسروع تفقس بيضات الدبابير، وتخرج منها يرقات طفيلية شديدة الشراهة، تلتهم الأعضاء الداخلية لليسروع ولا تُبقى منها إلا القليل من الأنسجة التى تكفى لتأجيل موته بعض الوقت، فاستمراره على قيد الحياة مطلوب لها ولو شبه ميت. فهى بعد أن تشبع من أحشائه تشق جدار جسمه المفرغ وتغادره لتغزل حول نفسها شرانق متجمعة فى عنقود يتدلى من ورقة النبات الذى يحتملها ويحتمل اليساريع، وداخل عنقود الشرانق المعلقة تتحول يرقات الدبابير إلى خادرات.
وبدلا من أن ينتقم اليسروع الميت الحى من آكلى أحشائه وقد صاروا أمامه خادرات، أو حتى يجافيهم، يندفع بآخر ما تبقى لديه من حياة، ويغزل شبكة حريرية واقية حول عنقود شرانقهم، يثبتها على ورقة النبات التى يتدلى منها العنقود حتى لا يسقط، ويظل جاثما لحراستهم بآخر ما تبقى فى جسمه من قدرة على الحركة، فيُبعد عن يرقات الماضى ودبابير نموس المستقبل أى حشرة غريبة طامعة فى التهامهم. يحميهم حتى وهو يحتضر!
سلوك غاية فى الغرابة لم أجد له تفسيرا، إلا أن يكون اليسروع الذى هو متطفل أصلا، قد تسمم بالتآلف مع تطفل تلك الدويدات التى عششت فى جوفه وأكلت أحشاءه، فما بالنا بمثل صاحبنا، الذى لم تهاجمه الطفيليات البشرية المنافقة الكاذبة الناهبة النهمة بأية مثاقب، ولا بذرت فى جوفه بالغصب دويداتها، بل هو الذى سمح لها بالتقرُّب منه والإحاطة به، ليكوِّن من زمرتهم حاشية وبطانة وجوقة وتابعين. تساهل مع شراهتم فى الفساد والكذب والخداع ليكونوا مقامع يقهر بها كل من يهدد كرسيه، خاصة وقد كان هؤلاء لا يأكلون أحشاءه هو، بل أحشاء أمة وقلوب شعب.
هل كان لمثله أن يسلك سلوكا مختلفا عما انتهت إليه تلك اليساريع لو أنه نال فسحة من الوقت يحتفظ خلالها بمكانه فى سدة الحكم؟ هل كان صادق الندامة وعازما على التغيير والإصلاح كما ادَّعى لو أنه مُنح الفُرصة الأخيرة التى ترجَّاها فى خطاب انكساره؟
إن صفحة من كتاب الحشرات رمَّمت انكسار قلبى البشرى على انكساره وهوانه كبشر، وفى ضوء هذه الصفحة لاحت لى الإجابة عن أول وآخر الأسئلة، فهل لاحت لكم؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.