لليوم الرابع على التوالى، تواصل أمس الاستفتاء على حق تقرير مصير جنوب السودان، وفيما تدفق الناخبون فى الجنوب على مراكز الاقتراع مصوتين لصالح الانفصال، خيم الصمت والحزن على الكثيرين فى الولايات الشمالية من الذين يعتبرون الانفصال، الذى بات «وشيكا»، أمرا مأساويا، لاسيما مع الإعلان عن اكتمال نصاب الاستفتاء. وبينما تحدث مسئول أمريكى عن احتمال رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، دعا مسئول فى حكومة جنوب السودان إلى نشر قوات دولية على الحدود بين الشمال والجنوب. فمنذ الصباح الباكر اصطف ناخبون فى الجنوب، لاسيما فى عاصمته جوبا، أمام مراكز الاقتراع؛ لتفادى الازدحام الشديد فى منتصف اليوم. وفى مشاهد متكررة منذ بداية الاستفتاء الأحد الماضى، عبر الكثيرون فى الجنوب عن مشاعر البهجة وواصلوا الاحتفالات استعدادا للاستقلال. وخلال الأحد والاثنين الماضيين شهدت مراكز الاقتراع فى الجنوب إقبالا كثيفا تراجع أمس وأمس الأول. وأعلنت الحركة الشعبية لتحرير السودان، المتمردة سابقا والحاكمة حاليا فى الجنوب، أمس أن نسبة المشاركة فى الاستفتاء تخطت ال60% اللازمة لاعتماد نتيجته. وهو ما لم يؤكده مصدر آخر. وإذا لم يكتمل النصاب تتم إعادة الاستفتاء خلال ستين يوما من إعلان النتيجة النهائية. ومن المقرر إعلان نتيجة الاستفتاء الأولية فى السابع من الشهر المقبل، على أن تعلن النتيجة النهائية بعد المدة المخصصة لتقديم الطعون، وهى ثلاثة أيام، والفصل فيها، بإعلان النتيجة النهائية على ألا يتعدى الأمر الثلاثين يوما من انتهاء الاستفتاء. فى المقابل، خيمت حالة من الصمت فى الشمال، حيث يعتبر الكثيرون الانفصال مأساة للسودان، أكبر دولة أفريقية من حيث المساحة. ويلوم الغاضبون حزب المؤتمر الوطنى الحاكم، بزعامة الرئيس عمر البشير، معتبرين أنه لم يفعل الكثير منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل بين الشمال والجنوب عام 2005 لجعل استمرار الوحدة خيارا جاذبا. على صعيد ما بعد الاستفتاء، قال كبير المفاوضين بشأن السودان برنستون ليمان لوكالة الأنباء الفرنسية: «فى حال جرى الاستفتاء بشكل جيد، وفى حال اعترفت الحكومة (السودانية) بنتائجه، فإن الرئيس (باراك) أوباما سيعلن عن نيته البدء بعملية سحب» السودان من اللائحة السوداء. وللخروج من هذه اللائحة، التى تضم أيضا كلا من إيران وسوريا وكوبا، يجب أن يمتنع السودان كذلك عن تقديم أية مساعدة «مباشرة أو غير مباشرة» للحركات الإرهابية، وفقا لمساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشئون الأفريقية جونى كارسون. وشدد مع ذلك على أنه حتى ولو سحبت الخرطوم من اللائحة، فإن واشنطن ستدعو دائما الرئيس السودانى عمر البشير إلى التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، التى أصدرت مذكرة توقيف بحقه؛ بتهمة ارتكاب إبادة جماعية فى إقليم دارفور غربى السودان. وفى جوبا، طالب وزير الشئون الداخلية فى تصريحات لقناة «الجزيرة» القطرية بنشر قوات دولية على طول الحدود بين الشمال والجنوب، وذلك بعد الاشتباكات الأخيرة التى شهدتها منطقة أبيى الحدودية الغنية بالنفط بين قبيلة «المسيرية» (عربية) و«الدينكا نقوك» (أفريقية)، وأسقطت 36 قتيلا. وقد أعلن مسئولون بالأمم المتحدة أن بعثة حفظ السلام فى السودان التابعة للمنظمة الدولية نقلت جوا يوم الجمعة الماضى حاكم ولاية جنوب كردفان أحمد هارون، المتهم من قبل المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب، إلى أبيى لحضور اجتماع لإحلال السلام فى المنطقة المشتعلة. الخروج الأخير لأگبر معمرة فى الجنوب فى تصرف يحمل دلالات رمزية كثيرة، خرجت أكبر معمرة فى جنوب السودان، وتدعى ربيكا موكانى (115 عاما)، أمس لتدلى بصوتها فى رابع أيام استفتاء حق تقرير المصير، مرتدية ثوب زفاف أبيض، فيما اعتبرته حفيدتها «الخمسينية» خروجها الأخير من المنزل. سنوات عمر «ربيكا» تفيد بأنها عاصرت تاريخ السودان منذ أواخر عهد الدولة المهدية وحتى يوم التصويت على استفتاء حق تقرير مصير الجنوب. الابنة، وتدعى سارة، استقبلت «الشروق» بترحاب فى منزلها المعلق بداخله صورة لبابا الفاتيكان، وقالت: «نعتبر هذا اليوم (الذى نحدد فيه مصيرنا) يوم عيد بالنسبة لنا، لهذا تلبس جدتى ربيكا فستان زفاف، بينما يلبس أطفال الأسرة ملابس جديدة». سارة، التى تجيد اللغتين العربية والإنجليزية بطلاقة، مضت قائلة: «يبدو أن هذا آخر خروج لها من المنزل». متحدثة ل«الشروق»، قالت عضو برلمان جنوب السودان (كوتة المرأة)، مارى وانى، إن «ربيكا سيدة متدينة لذا تعتبر الخروج للإدلاء بصوتها فى الاستفتاء تنفيذا لأوامر الرب فى الإنجيل بأن الناس يجب أن يعيشوا فى سلام». وكاشفة عن الخير الذى اختارته «ربيكا» للجنوب، تابعت مارى: «بدون هذا الاستفتاء سيظل الشمال والجنوب فى حالة حرب». ويرجح مراقبون أن 50% من الناخبين المسيحيين المسجلين فى الجنوب للمشاركة فى الاستفتاء قد أدلوا بالفعل بأصواتهم، لاسيما فى اليومين الأولين الذين شهدا إقبالا كثيفا جدا تراجع فى اليومين الأخيرين من الاستفتاء المتواصل حتى السبت المقبل، والمرجح أن ينتهى بميلاد دولة جديدة.