غصت فى أغوار دراسة إسرائيلية أمريكية حديثة كنت قد اهتممت بها لنشرها فى صحيفة «الاتحاد» الصادرة فى الداخل الفلسطينى قبل أيام قليلة، تتحدث العديد من الأوراق البحثية فيها التى تم نشرها بواسطة معهد دراسات «الأمن القومى» التابع لجامعة «بار ايلان» فى تل أبيب ومعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى التابع للوبى الإسرائيلى عن مدى أهمية العمل الأمريكى الإسرائيلى المشترك لجهة دعم استمرارية وبقاء النظامين المصرى والأردنى إضافة إلى ضرورة دعم حلفاء أمريكا اللبنانيين والفلسطينيين. وفى هذا الخصوص فقد أشارت الورقة البحثية التى قام بإعدادها الخبير الإسرائيلى عوديد عيران إلى المخاطر الداخلية المتزايدة التى بدأت تتعرض لها الأنظمة العربية الحليفة لأمريكا والدولة العبرية، وعلى وجه الخصوص النظام المصرى والنظام الأردنى المرتبطين باتفاقيات سلام مع الدولة العبرية، إضافة إلى حلفاء أمريكا اللبنانيين وحركة التحرر الوطنى الفلسطينى «فتح». والمهم فى هذه الدراسة يتمثل فى محاولة الإجابة عن الإشكاليات الحرجة المتعلقة بكيفية الحفاظ على استمرار واستقرار هذه الأنظمة، ونوع الدعم المطلوب اللازم لتحقيق ذلك. والى جانب هذه الدراسة، تجدر بى الإشارة إلى أن حديثا سمعته قبل نحو شهرين فى أحد برامج الإذاعة الإسرائيلية التى ناقشت العملية الانتخابية فى مصر وتناولت الخلافات الكبيرة داخل صفوف النخبة، ما زال يعصف فى فكرى، فقد ذكر احد المحللين الإسرائيليين يعمل فى إحدى الصحف العبرية يدعى يوسى ميلمان المختص فى شئون الأمن والاستخبارات: «أن هناك خلافات عميقة تتفجر الآن فى صفوف النخبة فى مصر فثمة حديث عن أن نافعة قد ترك تنظيم البرادعى وانسحب منه نتيجة صراع على المناصب»، وبصرف النظر عن التشويه الإسرائيلى لحقيقة الأمر وعن «رأيى الشخصى المتواضع جدا بحكم سنى وموقعى البسيط» بشخصية الدكتور البرادعى غير أن ما دعانى للقلق هو هذا الترقب الإسرائيلى لتشرذم وضعف النخبة فى مصر. إن هذا القلق الإسرائيلى والأمريكى الذى كشفت عنه الدراسة الإسرائيلية الأمريكية الحديثة على حلفاء واشنطن وتل أبيب فى المنطقة ودراسة دعائم صمود النظامين فى القاهرة وعمان، ووضع خطط لعلاج أى مسبب لإضعافهما هو أمر يستوجب التوقف عنده باهتمام فأحد أهم وابرز عوامل ضعف النظامين العربيين بحسب الدراسة الإسرائيلية هو حراك النخبة وتأجيجها للرأى العام فى البلدين، وأضع بين القراء الكرام بعض ما أشار إليه معهد دراسات «الأمن القومى» فى تل أبيب الذى لفت إلى النقاط التالية: إن قراءة ما حدث فى الانتخابات العامة الأردنية والمصرية على ضوء تسريبات ويكيليكس يشير بوضوح إلى أن النظامين المصرى والأردنى قد أصبحا فى أمس الحاجة للمزيد من الدعم الذى يعزز قدرة النظامين على البقاء والاستمرار. لا بد من إعداد عملية سياسية تتيح ولو بشكل مؤقت تخفيض الضغوط الداخلية التى يتعرض لها النظامان المصرى والأردنى إضافة إلى قوى المعتدلين العرب الأخرى. كما أشارت الورقة البحثية إلى أن أمريكا هى نفسها لعبت دورا فى تصعيد هذه الضغوط وذلك عندما أطلقت مبادرة نشر الديمقراطية فى الشرق الأوسط وقامت بتفعيلها على أرض الواقع بما أدى إلى تزايد أنشطة العديد من منظمات المجتمع المدنى التى اهتمت بتوجيه الانتقادات ضد الأنظمة وتعبئة الرأى العام المحلى ضدها! وتشير المعطيات المبدئية الجارية والإحصاءات والبيانات الدقيقة إلى أن الأوضاع الداخلية المصرية والأردنية تتعرض حاليا أرقامها القياسية إلى حالة من التراجع ، بحيث لم تعد السلطات المصرية والأردنية بحسب الدراسة تتمتع بالسند الشعبى ودعم الرأى العام الداخلى، وفى هذا الخصوص اتضحت الصورة أكثر فأكثر من خلال الوقائع والأحداث التى رافقت عقد جولة الانتخابات العامة المصرية والأردنية الأخيرة، وفى هذا الخصوص تشير التطورات الجارية إلى الآتى: فى عمان تقوم المحكمة الملكية الأردنية حاليا بإلقاء نظرة فاحصة لجهة ضبط التوازنات داخل البرلمان الجديد بما يتيح للأردنيين الهاشميين وزنا نسبيا يضمن مساندة ثلثى عدد النواب فى مواجهة الأردنيين الفلسطينيين والذين يفترض النظام الملكى الأردنى بضرورة عدم تجاوز وزنهم النسبى ثلث المقاعد. أما فى القاهرة فتقوم الأجهزة المصرية المعنية بالشأن الانتخابى بإعادة ضبط نتائج الانتخابات البرلمانية العامة الأخيرة بما يضمن للنظام المصرى أغلبية مطلقة تعزز قدرته على تجاوز معضلة الانتخابات الرئاسية القادمة، إضافة إلى الحصول على الإجماع الكامل لجهة القيام بقمع القوى السياسية وجماعة الاخوان المسلمين والنخبة المعارضة وتقول فرضية محور واشنطن تل أبيب بأن العملية السياسية الأمريكية الإسرائيلية المطلوبة لجهة حماية أنظمة المعتدلين العرب من خطر الانهيار يجب أن تركز على المعطيات الآتية: بناء تحالف واسع «غير معلن» بضم المانحين الدوليين الرئيسيين وعلى وجه الخصوص أمريكا كندااليابان وكوريا الجنوبية إضافة إلى دول الاتحاد الأوروبى والسعودية والخليج الفارسى. إعداد خطة عمل واقعية تهدف إلى مساعدة قوى المعتدلين العرب وعلى وجه الخصوص مصر والأردن لجهة التغلب على مشاكلها الداخلية، لا سيما فقدان شعبيتها الحقيقية،وقد اقترحت بعض الأوراق البحثية والدراسات ضرورة تجميع قوى المعتدلين العرب ضمن كيان مؤسسى إقليمى شرق أوسطى يأخذ صفة المنظمة الإقليمية المعنية بقضايا التعاون المشترك فى مجالات عديدة وذلك بما يتيح تحقيق المزايا الإيجابية التأثير على مخططات محور واشنطن تل أبيب الشرق أوسطية، وسوف يكون من أبرز هذه المزايا أن توحيد كيان المعتدلين العرب سوف يفسح المجال أمام ظهور كيان مؤسسى إقليمى عربى يقف فى مواجهة المتطرفين ومعسكر المعارضة العربى الشرق أوسطى؛ الرافض لوجود دولة إسرائيل، وتلخيص مجمل ما ذكرته الدراسة الإسرائيلية الأمريكية، وأن «مشاريع الديمقراطية» الأمريكية التى أحرجت أنظمة «الاعتدال» العربية، والتى باتت تهدّد المصالح الأمريكية والإسرائيلية، قد أنشأت صوتا معارضا ومناهضا للسياسات الأمريكية والإسرائيلية على حد سواء. ●●● وما أردت التعبير عنه بعد ما عرضته آنفا من أوراق الدراسة الإسرائيلية الأمريكية هو أن وعى ونشاط النخبة المصرية من مفكرين وأكاديميين ومثقفين تثير قلق الإسرائيليين إلى حد كبير، ولا استبعد إطلاقا أن قلق المؤسسة الإسرائيلية من الصوت المعارض فى مصر وفى أى بلد عربى يدعوها إلى برمجة هدمه وإضعافه، فجهاز الاستخبارات العسكرية «أمان» الذى خصصت عمله الدولة العبرية على اختراق المؤسسات العسكرية فى الدول المجاورة «لإسرائيل» تجاوز حدود عمله ويسعى لاختراق معظم مؤسسات «دول الجوار» وما بعد دول الجوار، والموساد الذى يخترق كل العواصم العربية والإسلامية، ومراكز الدراسات الإكاديمية الإسرائيلية التى تنشرها الدولة العبرية فى بعض الدول التى تربطها بها اتفاقيات سلام، وللأسف فإن فى جمهورية مصر العربية مركزا طالما تغنى رئيسه المنتهى عمره البروفيسور يوسف جينات بانجازاته الاستخباراتية «والتطبيعية الثقافية»، كل هذه الأجهزة الأمنية تعمل على ضرب مواطن ومواقع مناهضة الولاياتالمتحدة والدولة العبرية بأساليب متعددة، ولعل من أبرزها تنشيط عملية التطبيع مع مؤسسات الدولة العبرية التى ترفضها وتحاربها النخبة المصرية الحرة... ولا تخامرنى نأْمة ريب مهما تفهت بأن النخبة فى مصر والغيورين على تاريخ جمهورية مصر العربية المجيد، وعلى مستقبلها ومستقبل شعبها محط أنظار أعداء مصر والوطن العربى عموما، وأرجوكم أن تتذكروا وإن اختلفتم وذكرّوا أعداء شعبكم وان اختلفتم بأنكم قادمون من رحم إرادة التغيير العميق، وعليكم أن تذهبوا بها إلى غايات التغيير العريضة والرحبة بغير قنوط إلى أهداف فى الكفاية والعدل إلى ديمقراطية اجتماعية وسياسية إلى آفاق يستطيع فيها الإنسان المصرى بل العربى أن يكون شرفا للحياة، وتستطيع فيها الحياة أن تكون شرفا للإنسان المصرى فالعربى، إلى آفاق تسّر الصديق وتكيد العدى، ورغم وجعى ووجع كل أحرار مصر على ما تتعرض له النخبة من أخطاء وتجاوزات نرجو تجاوزها سريعا، فإنى أنا الفتاة الفلسطينية العادية المتشرّفة بهيبة وكبرياء وعظمة مصر متفائلة لأن عبقرية الكبير محمد حسنين هيكل بشّرتنى أثناء لقائى به رؤية التغيير فى مصر بحيث قال لى الأستاذ أطال الله فى عمره: «سترين التغيير فى مصر»، وما أجملها من بشرى يا أستاذ، كذلك فإن الرسول الأكرم أوصانا بالتفاؤل وقال عليه الصلاة والسلام: «تفاءلوا بالخير تجدوه».