دعا مؤتمر "الوحدة الوطنية في الأدب المصري"، الذي عقده اتحاد كتاب مصر برئاسة الكاتب محمد سلماوي، إلى سرعة إصدار قانون بناء دور العبادة الموحد وحل مشكلات الأخوة المسيحيين في مصر . والعمل على ضرورة تجديد الخطاب الدينى لدى رجال الدين المسلمين والمسيحيين ، وعقد عدة ندوات يستضاف فيها رجال الدين من الجانبين لبث روح المحبة والألفة ونبذ التفرقة والفكر المتشدد . جاء ذلك في ختام مؤتمر "الوحدة الوطنية في الأدب المصري"، الذي عقد ليوم واحد واختتمت فعالياته مساء أمس الأربعاء، ودعا المشاركون في المؤتمر إلى ضرورة تشكيل وفد من الكتاب لزيارة بعض الكنائس وتقديم واجب العزاء للبابا شنودة الثالث، واعتبار عام 2011 عاما للوحدة الوطنية مع التعبير عن ذلك بكافة الطرق والوسائل. كما دعا الاتحاد، إلى عقد اجتماع عاجل يضم عددا من الكتاب الأقباط والمسلمين لمناقشة قضايا الاحتقان الطائفي، وبحث سبل القضاء عليها، وتشكيل لجان حول كيفية تواصل المثقف المصري مع الشارع المصري . وشدد الاتحاد على ضرورة التنسيق مع وزارة التربية والتعليم للعمل على تطوير منهج الكتاب المدرسي المقدم للطلاب في مراحل التعليم المختلفة، وإدراج عدد من الأعمال الأدبية التي تحث على روح الوحدة الوطنية مثل أعمال نجيب محفوظ وبهاء طاهر، وعدد من أعمال الكتاب الآخرين. من جانبه وصف رئيس اتحاد كتاب مصر وأمين عام اتحاد الكتاب العرب الكاتب محمد سلماوي الانتقادات التي يوجهها البعض إلى غالبية مثقفي ومبدعي مصر تتهمهم بالتراخي عن ممارسة أدوارهم الحقيقية في التصدي للإرهاب بأنها "هراء".. قائلا: إن المثقف والأديب المصري كان ومازال يلعب دورا قويا للنهوض بهذا المجتمع ومعالجة مشكلاته. وأضاف: أن الأحداث التي شهدتها محافظة الإسكندرية أدمت قلوبنا جميعا، مؤكدا أن الاتحاد حرص على إقامة هذا المؤتمر ليس للبكاء والعويل على الضحايا ولكن ليثبت أن الطريق الوحيد للخلاص مما نحن فيه هو الفكر والإبداع. وأوضح سلماوي أن قضية الوحدة الوطنية بمثابة وجدان أمة لا يمكن التعامل معها بمنظور سياسي أو أمنى فقط، مشيرا إلى أن حالة التآخي والمساواة التي عرفها الشعب المصري منذ قديم الأزل لا تحتاج لأدلة أو براهين، مستشهدا في ذلك بالكلمات التي رددها المتظاهرون في شبرا من مسلمين وأقباط عقب الحادث بيوم واحد، وجاء فيها: "إحنا شعب واحد مش شعبين.. أنا جرجس ودة أخويا حسين". وطالب سلماوي بضرورة مراجعة كافة النظم التعليمية للوقوف على مدى توافقها أو انحرافها عن سمات الحضارة المصرية الإنسانية، كما دعا جموع المثقفين والمبدعين بتفعيل دورهم الريادي حتى يتمكنوا من التصدي لمثل تلك الأفكار الرجعية مؤكدا في نهاية كلمته أن كافة الدول العربية تشعر بالحزن والأسى لما حدث في مصر. وفي مداخلة للروائي بهاء طاهر عبر عن مدى تأثره وحزنه بسبب ما حدث.. موضحا أنه يشعر بالألم أكثر بعدما ازدادت موجة الغضب والعنف بين المسلمين والأقباط في الإسكندرية عقب الحادث، خاصة أنه كان يظن أن البعض سيعمل على تهدئة الموقف، وأن نحاول جميعا أن نتدارك الأزمة ونتجه بالأمر نحو بداية جديدة أفضل. وأشار طاهر إلى أن المجتمع المصري شهد حالة من التراجع الفكري في فترة السبعينيات بعدما زادت التيارات الإسلامية المتشددة وحاولت جاهدة أن تقضى تماماً في خطابها الديني على كافة الأفكار المستنيرة التي أرساها رفاعة الطهطاوي وعادت بنا لمرحلة الفرز الطائفي حتى تقوقعت كل طائفة على نفسها. وأكد طاهر أنه فخور جدا بروايته "خالتي صفية والدير" والتي جسدت حالة المسلمين والأقباط في المجتمع المصري، مطالبا بتحويل النصوص الأدبية التي عالجت هذا الأمر إلى نصوص مسموعة ومرئية حتى نضمن وصولها إلى أكبر عدد من المواطنين، كما دعا لضرورة وجود تخطيط شامل من شأنه تغيير هذه الثقافة المريضة. وقال الروائي إبراهيم عبد المجيد إنه كتب أكثر من مائة مقال منذ سنوات لينبه لخطورة الموقف، ولكن للأسف لم يستجب له أحد . أما الكاتب يعقوب الشارونى فطالب بضرورة التصدي لأفكار الشباب المتشدد قائلا: إنه مثلما هناك متشددون مسلمون هناك أيضا متشددون مسيحيون قائلا إن الأقباط لو نفذوا تعاليم السيد المسيح عليه السلام في قوله "إن قريبى من فعل معي الخير وليس من اتفق معي في العقيدة" ولو أدرك المسلمون ذلك أيضا ما حدث كل هذا. من جانبها رفضت الكاتبة إقبال بركة أن يتم إلقاء اللوم على عاتق الأجهزة الأمنية وحدها واتهامها بالتراخي قائلة: إن المثقفين مسئولون أيضا عما حدث ومشاركون فيه بسبب صمتهم في التصدي للإرهاب. قال الناقد الدكتور عبد المنعم تليمة، إن مصر هي الدولة الوحيدة التي لم تشهد على مدار تاريخها الحضاري أية حركات انفصالية أو حروب أهلية، مضيفا أنها لم تغب عن التاريخ يوما على الرغم مما يحدث لها من مراحل صعود وهبوط متباينة، ولهذا ستبقى في رباط ليوم الدين. وأشار تليمة، إلى أن مصر شهدت نهضة حقيقية قبل مجيء الحملة الفرنسية إليها، مضيفا أن ما يروجه البعض بأن مدافع نابليون هي سر الحداثة والنهوض في مصر "أكذوبة"، وذلك لأن مصر عرفت التنوير والحداثة من خلال أفكار وحرف وصناعات أهلها في تلك الحقبة. وأوضح تليمة أن مصر تعيش حالة من التنوع الديني منذ آلاف السنين، لافتا إلى أن مثقفي مصر ومبدعيها عبروا في أعمالهم عن غايات النهضة الأربع وهى "تحرير الوطن وتحديث المتجمع المصري وتفعيل الفكر، وأخيرا توحيد الأمة". من جانبه قال الناقد أحمد عبد الرازق، إنه على الرغم من أن هناك أعمالا مسرحية كثيرة تتناول علاقة الأقباط بالمسلمين في مصر وتجسد حالتهم، إلا أنها لم تحدث الأثر المطلوب، مشيرا إلى أن كل ما يسمى بالمسرح الإسلامي أو الكنسي عبارة عن نشاط مسرحي يعمل في الخفاء وخارج إطار الوحدة الوطنية، مضيفا أن الأدب لن يتصدى للإرهاب إلا إذا توافرت مجموعة شروط، وهى أولا أن نتخلص من الكلام المنمق الذى يبعدنا عن القضية الحقيقية، وثانيا أن نعمق فكرة الديمقراطية والتعددية الفكرية والدينية. ورأى الناقد الدكتور حسام عقل أن ما حدث في الإسكندرية لا يمكن أن يكون صناعة مصرية، وذلك لأن المواطن المصري مسالم بطبيعته لا يقوى على ارتكاب جريمة كهذه. وتحدث عقل عن صورة الأقباط والمسلمين في أعمال نجيب محفوظ، قائلا إنها جاءت لتبين مدى الترابط والتلاحم بين الطرفين، مشيرا إلى مقولة محفوظ في الثلاثية "الأقباط يلتمسون الأمان وأخشى ألا يظفرون به". ودعا عقل إلى فتح الحوار المتبادل بين المثقفين والتيارات المتشددة حتى يردوهم إلى عقولهم وإلى حياة الوسطية والاعتدال التي عرفتها مصر قديما.