في الأسابيع القليلة الماضية، اجتاحت العالم العربي موجة هائلة من الاحتجاجات التي هزت تونس بفعل الفساد والديكتاتورية والإخفاقات الاقتصادية، بينما أشعل الهجوم الانتحاري على كنيسة في الإسكندرية المخاوف المتزايدة بشأن العلاقات بين مسلمي ومسيحيي مصر. وتزايدت في الأردن حدة المصادمات والعنف بين الشعب وقوات الأمن في مدينة معان الجنوبية، فيما لا تزال السياسة الكويتية متأججة بفعل تداعيات هجوم 8 ديسمبر الذي نفذته قوات الأمن ضد عبيد الوسيمي، أستاذ القانون، ومجموعة من النواب والأكاديميين. وقالت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، إنه سيكون من الجيد أن تمثل تلك الحوادث الأربعة نداء يقظة للأنظمة العربية، غير أنها توقعت أنها لن تكون كذلك، مضيفة أن متطلبات التشبث بالسلطة من المرجح أن تظل عائقا في طريق انخراط الحكام في الإصلاحات الإستراتيجية اللازمة لتحقيق استقرار على المدى الطويل. وأضافت المجلة أن الطاقة واليأس بين جموع الشباب المحرومين من المحتمل أن يتحولا إلى قوى متزايدة، ربما لن تتجلى في انتخابات وسياسات منظمة، لكن في صورة اندلاع للاحتجاجات الاجتماعية في تونس والعنف الاجتماعي في مصر والأردن. وتابعت أن الفترة المقبلة سوف توضح ما إذا كانت طاقة هؤلاء الشباب سوف تتجه إلى اندماج مثمر في الحياة السياسية أو إلى عنف اجتماعي، وأن ذلك سيصبح من المتغيرات الخطيرة التي ستشكل السياسات العربية، مشيرة إلى أن من الواضح أن التوجهات الحالية لا تنطلق إلى مساراتها الصحيحة. وأضافت المجلة أن الحوادث الأربعة تبدو غير مترابطة، غير أنها لفتت -خلال الشهر الماضي- الانتباه إلى الاضمحلال المتصاعد في الأسس المؤسساتية، والشجار بين النسيج الاجتماعي في أنظمة عربية عدة موالية للغرب، وهنا أشارت إلى أن ما يربط تلك الحوادث -على الرغم من الاختلافات الواضحة- هو خليط من الاستبداد والوعود الاقتصادية المعلقة، وتزايد الطائفية على المستوى الشعبي، والغضب العميق بين جيل صاعد بارع في استخدام التكنولوجيا. وأشارت "فورين بوليسي" إلى أن قوات الأمن الداخلي في تلك الدول لا تزال قوية، وليس من المرجح أن أي من تلك الأنظمة سوف تسقط قريبا (على الرغم من أن بعض المحللين يبدون أكثر تحمسا بشأن فرص التغيير في تونس)، لكن حتى وإن تمكن الديكتاتوريون من الاحتفاظ بالسلطة، ثمة شعور واضح بأن تلك الحوادث تمثل الحافة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الصاعدة، والتي تعجز مؤسساتهم المتهالكة عن معالجتها. وأكدت المجلة أن الركود السياسي والنظام السلطوي يؤديان دورا في ذلك الاضمحلال المؤسسي، في الوقت الذي أثبتت النخب الراسخة فيه مهارة في التلاعب بالانتخابات، بهدف الحفاظ على قبضتهم على السلطة، بينما فشلت حركات المعارضة فشلا ذريعا في الوصول إلى طرق فعالة لتنظيم التحديات الخطيرة وصونها التي تواجهها. وأضافت المجلة أنه يبدو أن تلك الأحداث تبلور شعورا يزداد تناميا بأن تلك الأنظمة فشلت في تقديم معالجة مجدية لتلك الموجة من الاضطرابات، حيث ظل المحللون العرب والغربيون ونشطاء سياسيون عدة ينبهون إلى حاجة الشعوب الملحة لإصلاح المشاكل المحيطة بها.