على عكس ما تنبأ به المحللون الاقتصاديون بأن يكون 2010 «عام التعافى من الأزمة المالية»، توالت المفاجآت السيئة على الاقتصاد العالمى لتجعل المستقبل فى 2011 أكثر غموضا. فعلى مستوى القارة الأوروبية، عايش اقتصاد اليورو أزمتين لمديونية الدولة فى اليونان وأيرلندا، فى ظل هشاشة اقتصاد البلدين أمام تداعيات الأزمة المالية العالمية، وبالرغم من صغر حجم الاقتصادين قياسا بالقارة، إلا أن انتماءهما للاتحاد الأوروبى فرض على باقى الدول التدخل لمساندتهما ماليا، بخطة إنقاذ تكلفت 110 مليارات يورو لليونان، و85 مليار يورو لأيرلندا، الأمر الذى فرض أعباء جديدة على اقتصادات اليورو المنهكة من الأصل بمعدلات العجز المرتفعة فى موازنتها، وأثيرت مخاوف من انهيار الاتحاد الأوروبى مع بزوغ أزمات جديدة فى اقتصادات تنبئ أوضاعها المالية بإمكانية سقوطها فى أزمات مديونية مماثلة. وتشير التوقعات إلى البرتغال لتكون هى الدولة الأقرب للسقوط فى سلسلة أزمات المديونية، حيث خفضت مؤسسة «فيتش» للتصنيف الائتمانى فى تقرير لها نهاية العام تصنيف البرتغال فى الأجل الطويل درجة واحدة، معتبرة أنها أصبحت فى قلب عاصفة أزمة الديون الأوروبية. ولم يضع توجيه خطط الإنقاذ المالى للدول المديونة نهاية للمخاطر المستقبلية فى هذا الاقتصاديات، حيث إن توفير هذه الموارد كان مشروطا بخطط تقشف اعقب الإعلان عنها حالة من السخط الاجتماعى، فبينما تطمح اليونان إلى توفير 30 مليار يورو فى ثلاث سنوات، ستقتطع نسبة منها من رواتب الموظفين، شهدت البلاد سلسلة من التظاهرات أثارت المخاوف حول قدرة الحكومة على الاستمرار فى تطبيق خطتها. وتتطلع ايرلندا أيضا إلى توفير 15 مليار يورو حتى 2014. ولا تقتصر أزمات السخط الاجتماعى على اقتصادات أوروبا الصغيرة، فبريطانيا تشهد أشد موجة من الاحتجاجات الاجتماعية منذ أكثر من عشرين عاما، وفقا لبعض الخبراء، وذلك اعتراضا على خطط التقشف البريطانية التى ستتسبب فى فقدان مئات الآلاف من العاملين بالقطاع العام وظائفهم وخفض منح البطالة والطفولة والإسكان أو وضع حد أقصى لها، هذا إلى جانب رفع رسوم الدراسات الجامعية ورفع ضريبة المبيعات على سلع كثيرة. كما اضطرت الحكومة الفرنسية لتمرير تشريع لرفع سن التقاعد من 60 إلى 65 بعد أن استشعرت بأن نظامها التأمينى السابق يواجه عجزا فى توفير النفقات اللازمة لتمويله تهدد استدامته، وهو التشريع الذى ووجه أيضا بسلسلة من الاحتجاجات الاجتماعية. وعلى صعيد الحكومات كان هناك صراع أعنف، حيث شهد عام 2010 نشوب ما سمى بحرب العملات بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والصين، فبينما تطالب الولاياتالمتحدة الصين برفع قيمة حتى تعطى فرصة أفضل لصناعتها المحلية للمنافسة مع الواردات الصينية، تنتقد الصين اتجاه امريكا لشراء سندات ب600 مليار دولار لمساندة اقتصاد بلادها وهو ما خفض من سعر العملة الأمريكية. وتخفى حرب العملات صراعا أكبر بين الاقتصادين الكبيرين على توفير سبل المعيشة الكريمة لمواطنيهما فى ظل موجة الركود التى أعقبت الأزمة المالية، ومثل هذه الممارسات التى دعت تقرير للأونكتاد للإشارة إلى الاقتصاديات العالمية باتت تسرق النمو الاقتصادى من بعضها. ويزداد مستقبل الاقتصاد العالمى غموضا مع تصريحات بن برنانكى، محافظ المركزى الأمريكى، عن إمكانية اتجاه الولاياتالمتحدة لشراء المزيد من السندات، بينما تشهد الصين تزايدا فى الضغوط التضخمية مع ارتفاع معدل التضخم، إلى أعلى مستوى فى 28 شهرا عند 5.1% فى نوفمبر الماضى، مما جعل مستويات معيشة مواطنيها أكثر عسرا.