ظهر الأربعاء التالى للجولة الأولى للانتخابات، حضر الستة الكبار إلى مقر الحزب الوطنى على كورنيش النيل ليحتفلوا بعدة «إنجازات» غير مسبوقة حققها الحزب الحاكم فى «نصف انتخابات». الاجتماع ضم صفوت الشريف وزكريا عزمى ومفيد شهاب وعلى الدين هلال وجمال مبارك وأحمد عز، ولابد أنه اتخذ طابعا احتفاليا. فالوطنى حسم عددا غير مسبوق فى تاريخه من المقاعد من الجولة الأولى وأجهز على الإخوان المسلمين ودهس فى معركته مع الجماعة أحزاب المعارضة ليزيح عن نفسه تهمة «الصفقات» التى التصقت به منذ بداية العام. 1- كان احتفالا بالحصاد حصاد خمس سنوات «من الجهد ومن قراءة أخطاء الماضى»، هكذا يعتقد رجال الوطنى وهم يتحدثون عن عام «انتخابى»، تحت شعارين «من أجلك أنت.. وعلشان تطمن على مستقبل ولادك». عام خرجوا منه مسيطرين على البرلمان بغرفتيه فى الصيف ثم فى الخريف. «هذه أكبر انتخابات خاضها الحزب على مدار عمره عبر 32 سنة وهذا أكبر تحرك تنظيمى فى تاريخ الحزب»، يقول أمين العضوية ماجد الشربينى وهو يتحدث بفخر عن «التجربة الأولى لترسيخ ثقافة المشاركة فى صناعة القرار». قيادى الوطنى كما قيادات أخرى يشيرون هنا إلى طريقة المجمعات الانتخابية والانتخابات الداخلية لاختيار مرشحى الحزب. «كان زمان صانع القرار شخص واحد. الجديد فى 2010 فصل عملية صناعة القرار عن اتخاذ القرار ومشاركة ما يقرب من 2 مليون عضو فيها فى 6800 وحدة حزبية». وأمام «هيمنة رئيس الحزب على اتخاذ القرار»، كما يراها الباحث السياسى عمرو هاشم ربيع، يروج الوطنى أن عبر تجربته هذا العام «شعر» أعضاؤه بأهمية دورهم فى الحزب وبأنهم «مشاركون» فى الاختيار رغم حديث هؤلاء الأعضاء عن آلية على الورق لم تر النور وعن مرشحين هبطوا «بالباراشوت» على الدوائر وعن اختيارات محددة سلفا. يعترف قيادى آخر بالوطنى بوجود «سلبيات» أو «تجاوزات» لكنه يعتقد فى النهاية أن التجربة أسفرت عن «حركة غير مسبوقة» فى الحزب وأنها تجربة «تستحق الدراسة». تجاوزات، ترى فيها المعارضة «خطايا» ولا تتردد فى وصف ما حدث فى مايو ثم فى ديسمبر بأنها «انتخابات عز» التى أنجبت «برلمان جمال». فى عبارة واحدة يرد قياديو الوطنى أن هدفهم الأهم كان الحصول على الأغلبية دون النظر للطرف الآخر ونجحوا فى تحقيقها «والصندوق لا يكذب»، بتعبير صفوت الشريف. 2- هو أيضا عام انتصار التنظيم أستاذ العلوم السياسية وعضو الوطنى جهاد عودة يقول إن 2010 شهد التخلص من «هاجس المنشقين» عن الوطنى. فلأول مرة ينجح الحزب الحاكم فى حسم الأغلبية دون الحاجة إلى ضم الخارجين عن صفوفه والمترشحين خارج قوائمه بعد إعلان النتيجة. ففى الشورى ومن بعدها الشعب سجل الوطنى أغلبية تقترب من 84%. الوطنى كسر أيضا «متلازمة أعراض خسارة الوطنى أمام الإخوان فى الجولة الأولى»، كما يقول عودة، أحد أشد المدافعين عن سياساته. وخرجت جماعة الإخوان خالية الوفاض من العام الانتخابى دون أن ينجح أحد من أعضائها فى حجز مقع وحيد فى البرلمان القابع فى شارعى قصر العينى ومجلس الشعب. انتصار التنظيم جاء على حساب الجماعة التى يرى الوطنى أنها تحاول «هدم معالم التنوير والوسطية فى الدولة المدنية». «إذا لم يتصد لهم أكبر حزب سياسى فمن سيفعل؟» يتساءل الشربينى وهو يتحدث عن مهمة أخذها حزبه على عاتقه وهى «نقل المواجهة مع الإخوان من صالونات النخبة إلى الشارع». وهكذا اتخذ مايسترو الانتخابات أحمد عز عبارة «كيف أسقط الوطنى التنظيم غير الشرعى»، عنوانا لجهوده ومستندا إلى طريقته المفضلة من استطلاعات للرأى ونسب وخانات بالألوان تمتلئ بها ملفات أمانته. وتحمل عز كل اللعنات التى طالت حزبه وقبل طوعا أن يكون كبش فداء أمام هجوم المعارضة على طريقة إدارة الوطنى للعملية الانتخابية. بل وحمل على عاتقه كل ما كيل من انتقادات داخلية ضد الاكتساح الذى سجله الوطنى. فى منتصف العام قبل رجل الحديد أيضا أن يحل مكان جمال مبارك فى مناظرة أرادتها محطة سى إن إن الأمريكية بينه وبين محمد البرادعى. حضر أمين التنظيم مكان أمين السياسات ضيفا على كريستيان أمانبور مهاجما الرجل العائد من النمسا ومدافعا عن النظام الحاكم بعد «مذاكرة» استمرت ثلاثة أيام عبر الفيديو كونفرانس مع السفارة المصرية فى واشنطن. واستحق عز بذلك لقب رجل العام بعد أن نجح فى ترسيخ أقدامه فى منطقة وسط داخل الحزب. منطقة آمنه سمحت له بالحفاظ على العلاقة العضوية التى تربطه بجمال مبارك ورجال السياسات وعلى مد جسور لعلاقة أخرى استراتيجية مع الأمين العام ومجموعته. القيادة التى انقسمت فى 2005 حول الأهداف والوسائل بين تيارين قديم وجديد، أصبحت فى 2010 «محض دماء جديدة» فى تقدير أمين شباب الوطنى ونائبه فى الشورى محمد هيبة. هيبة يتحدث هنا عن حزب «يجرى فى شرايينه شباب أعطوا له الحيوية وعن أمانة سياسات تتحرك مع الحكومة». لكن الرجل لا يغفل أن يشير إلى السياسى «المحنك» صفوت الشريف. فلا مجال عند رجال الوطنى للحديث علانية عن تيارين داخل الحزب. الحرس القديم والجيل الجديد لا وجود لهما إلا فى «أذهان» من هم خارج الوطنى، هكذا يقول رجاله رغم ما صدر عن وزير الإسكان أحمد المغربى ونقلته وثائق ويكيليكس. الوزير القريب جدا من جمال مبارك نُقل عنه قوله لمسئولين أمريكيين قبل سنوات، «لا أظن أن الحرس القديم سيظل معنا أكثر من هذا»، فى إشارة إلى الشريف والشاذلى. لم تصدق نبوءة المغربى بعد 5 سنوات من تسجيلها فى الوثائق الأمريكية، قلمت أظافر الحرس القديم بعد غياب والى ورحيل الشاذلى لكن نجح الشريف لعام آخر فى أن يبرهن أنه رجل لكل العصور، أنه «الداهية السياسية» الذى لا يستقيم حال النظام بدونه، وإن ظل الصراع المكتوم بين «الصقور والشباب» مفتوحا للعام العاشر على التوالى. صحيح انه لم يصل إلى الذروة كما حدث فى 2007 لكنه سجل صعود وهبوط ارتبط بشكل كبير بارتفاع نجم جمال مبارك وسيطرته على واجهة الحزب حتى منتصف العام. 3- والعام شهد أكثر الفصول تشويقا فى قصة التوريث بدأت 2010 بصمت من الحزب الحاكم ورفض قاطع بالخوض فى قضية مستقبل رئاسة الجمهورية وتعددت تصريحات وكلمات قادة الحزب الكبار لتقول إن اسم مرشح الحزب للرئاسة لن يعلن قبل مايو أو يونيو من العام المقبل. باختصار رفض الحزب الحاكم على الأقل فى بداية الأمر السير على إيقاع ظهور داعية التغيير محمد البرادعى، وعودته إلى القاهرة بعد نهاية عمله فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ذلك اليوم فى نهاية شهر فبراير غاب الوطنى عن مشهد كانت مصر تتابعه فى المطار وكان يفكر ربما فى سيناريوهات لمواجهة فتيل حركة قد تكون شعبية قادمة من العاصمة النمساوية. تصريحات أعضاء الوطنى وأصوات رجاله فى الإعلام الحكومى لم تخل من ارتباك وارتجال سرعان ما تحول إلى هجوم رماه بأنه صاحب «الجنسية المزدوجة» و«رجل أمريكا» و«عميل إيران» وما إلى ذلك من عبارات للطعن فى شرعية الرجل. سريعا أيضا غير الوطنى من لغته أمام مد موجة البرادعى وخرج قياديو الحزب يتحدثون عنه بصفته «عالما له قيمته وثقله فى تخصصه»، لكن باعتباره «لا يصلح للرئاسة» و«تنقصه خبرة العمل السياسى والحزبى». اللغة الجديدة صاحبتها حملة «شعبية» أهديت للحزب الحاكم من خارجه، هى حملة دعم لنجل الرئيس، وهو ينهى عامه العاشر على دخوله على إلى صفوف القيادة الأمامية. «الائتلاف الشعبى لدعم جمال مبارك»، يقوده ناشط مجهول فى حركة كفاية وعضو سابق فى حزب التجمع ويدعوه لخوض انتخابات الرئاسة حتى وإن تطلب الأمر منافسة والده على المنصب. ظهرت الحملة فجأة بعد فترة قليلة من عملية جراحية خضع لها الرئيس مبارك فى ألمانيا لاستئصال المرارة. ودعت الرئيس للتنحى وعدم الترشح لولاية رئاسية جديدة حتى يتيح الفرصة لنجله جمال. انتشرت الملصقات لصور مبارك الابن وخرج أعضاء «الائتلاف» لجمع توقيعات فى المحافظات على توكيلات تدعم جمال على غرار حملة التغيير التى قادها البرادعى وانتقدها الوطنى فى بدايتها واعتبرها «بلا قيمة» و«غير دستورية». تبرأ الوطنى من المروجين للابن، سياسيا وماليا. ونشر بضعة سطور على موقعه الرسمى لينفى تمويل الحملة من قبل إبراهيم كامل رجل الأعمال وعضو أمانة السياسات وأحد أشد المتحمسين لترشح الابن. وقال جمال نفسه إنه لا يدرى شيئا عن الحملات التى تدعمه. لكن ظلت التساؤلات مثارة عن الذين يقفون وراء الحملة، وبالتوازى طفت على السطح تصريحات جديدة للقيادات تقول إن «جمال تنطبق عليه الشروط» أو إن الرئيس مبارك هو مرشح الحزب «إلا إذا قرر غير ذلك». عبارات رجحت كفة جمال مبارك فى خلافة والده فى كرسى الحكم. وشهد 2010 لأول مرة، فى اعتقاد جهاد عودة، تحرر جمال بشكل «جزئى» من صورة الوريث. «شاهدنا صعود جمال كمرشح للرئاسة ليس ضمن ملف التوريث وإنما فى إطار إنجاز السياسات العامة». هذا ما تراه بعض «الأجنحة» داخل الحزب الحاكم، يضيف الرجل. وفجأة أيضا، وفى ظل موسم سياسى ساخن، توارت حملات تأييد الابن واختفت عبارة «إلا إذا» وتراجع حديث التوريث، وأفل نجم نجل الرئيس. تقدم الرئيس خطوة للأمام، مع تحسن صحته، وخرج فى أكثر من مناسبة يثبت فيها انه يسيطر على مقاليد الحكم ويعطى تكليفات باستحقاقات تمتد إلى ما بعد 2011 وما تحمله من إشارات لا لبس فيها عن نيته المنافسة على منصبه قبل انتهاء العام الجديد. «الرئيس مبارك هو الخيار المطروح ولا أحد آخر.. هو خيار الحاضر والمستقبل»، هكذا حسم صفوت الشريف الأمر وتخلى قصرا عن خطه السابق بأن «الوقت مازال مبكرا للإعلان عن مرشح الرئاسة» وسط تكهنات عن وجود صراع على المنصب الأعلى داخل البيت الرئاسى. لم يكتف الشريف بالنفى الرسمى لسيناريو التوريث بل انتقد حملات دعمه «قلنا إننا قبل أن نرفض نهج هؤلاء الذين يدعون للبرادعى بهذه الطريقة فنحن نرفض أيضا نهج من يدعون لجمال مبارك»، هكذا قال واصفا الأمر «بالعبث السياسى». قيادى بارز بالحزب الوطنى، فضل عدم الإفصاح عن هويته، يقول ل«الشروق» إن ما يستمر هو الملف الذى يحصل على «الدعم المؤسسى» من الحزب. «وما دون ذلك، فهى أفكار تعبر عن ميول أو أمنيات خاصة عند البعض، وبالتالى تعلو وتخفت حسب قوة هذا الحلم». قبل أيام، وفى القاعة الضيقة جدا بحزب الجبهة الديمقراطية احتفلت حملة دعم البرادعى بعام على إنشائها. ومر الاحتفال دون أن يتوقف أمامه الوطنى، مما قد يعنى أن مخاوفه من بزوغ نجم داعية التغيير من جديد قد تلاشت فى اللحظة التى فقد معها كل الفرص «الرسمية» للتشويش على سيناريوهات الحزب القادمة. وقبل إسدال ستار 2010 أصبح ملف جمال مبارك محاطا بالغموض و«عدم وضوح الرؤيا»، حتى داخل الحزب الوطنى نفسه. لا أحد فى المبنى المطل على النيل يتوقع مسارا محددا لحملة البرادعى فى العام الجديد ولا أحد هناك أيضا لديه إجابة عن سؤال مستقبل جمال وكرسى الرئاسة. قالوا عن الرئاسة وجمال والتغيير الصعب