لم ينف «حسين» الشاب العراقى الذى يعمل بأحد المطاعم بالسادس من أكتوبر رغبته القوية فى اللجوء للولايات المتحدة معتبرا العيش فيها حلم حياته، كما يعتبرها أبوأمين الفرصة الذهبية لأبنائه من أجل العيش بسلام فى ظروف أفضل، فيما يعدها أبوليث «حلا اضطراريا» ويكمل حديثه: «أن تصبح الدولة التى قتلت أهلك وشردتك هى دولتك هذا هو الحل الوحيد أمامنا، نختار العيش هناك أو الموت بأى مكان آخر» «نعيش على أرضها ونلعنها طوال الوقت»، هكذا نقل إبراهيم العراقى كلمات سمعها عبر الهاتف من صديقه الذى هاجر للولايات المتحدة معلقا على أحواله هناك. قبل أعوام بدأ «توطين» العراقيين فى دول ثالثة غير التى اختاروها بعد تركهم بغداد سواء بناء على طلبهم أو بنصيحة من مفوضية اللاجئين لسوء أحوالهم فى الدول المضيفة كالأردن ومصر وسوريا، خاصة أن هذه الدول تعانى من مشكلات تتعلق بالبطالة وأن كلا من الأردن وسوريا لم توقعا على اتفاقية حماية اللاجئين التى أقرتها الأممالمتحدة عام 1951 فى حين وقعت مصر عليها وعلى اتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية التى تعنى أيضا باللاجئين. كان للولايات المتحدةالأمريكية نصيب الأسد إذ تلقت المفوضية ما يزيد على 60 ألف ملف من طالبى اللجوء للولايات المتحدة إلى جانب عدد من الملفات قيد الدراسة حتى يناير 2010، وجاءت من بعدها السويد التى استقبلت رقما قريبا من 50 ألف لاجئ عراقى، فى حين تم توطين نحو 1000 عراقى فى دول مثل كندا أو استراليا أو هولندا. وعلى الجانب الآخر عانى البعض من العودة القسرية للعراق حيث واجهتهم مشكلات عدة صحية ونفسية ومادية نظرا لإقامتهم فى مخيمات فى ظروف صعبة ودون المستوى وفق تقرير نشرته مؤسسة «ايرين» التابعة للأمم المتحدة، كما أفاد استطلاع رأى أجرته المؤسسة الإنسانية نفسها أن 61% من الذين عادوا للعراق نادمين على قرارهم. دار أيضا نقاش مهم حول العراقيين فى الولاياتالمتحدةالأمريكية على موقع «اللاجئين العراقيين» (وهو موقع يهتم بكل الأخبار والبيانات والمعلومات الخاصة بلاجئين كما يقدم خدمات نقل الخبرة من كل الدول التى لجأ إليها العراقييون). وقد وردت الفقرة التالية على الصفحات المخصصة للولايات المتحدة واعتبرها مسئول الصفحة رسالة واضحة لمن يعتقد أن الولاياتالمتحدة هى الجنة: «تقول منال التى وصلت عام 2008 للولايات المتحدة: لقد جئنا إلى هنا بحثا عن حياة أفضل ولكننا لم نجد فرصا للعمل أو حياة جيدة، فوفق القانون الأمريكى اللاجئ يستحق مساعدات حكومية من الولاية التى ينقل إليها لمدة ثمانية أشهر فقط، ومساعدة من الحكومة الفيدرالية مرة واحدة بقيمة 900 دولار، ويترتب عليه إعادة دفع تكاليف رحلته الجوية لأمريكا خلال أشهر معدودة من وصوله بعد حصوله على عمل خلال تلك المدة، لذا قبل الكثيرون العمل فى مهن لا توازى شهاداتهم العلمية، فالطبيبة تعمل موظفة استقبال والمهندس عاملا فى محطة لتعبئة الوقود ولكنهم وافقا ليستطيعا العيش». وعلى الصفحة ذاتها تجد بيانات تقدر اللاجئين بالولاياتالمتحدة بنحو 54 ألف عراقى. اعمل مع الأمريكان.. تسافر بسهولة الخروج من مصر له عدة طرق وكلها دولية إما من خلال وزارة الهجرة العالمية أو من خلال منظمة الأممالمتحدة التى تعمل عبر أذرع وشراكات مع هيئات أخرى كمركز المساعدة القانونية، جميعة كريتاس والمركز الكاثوليكى، وهى طرق معروفة للاجئ وغالبا يمر بها لو كان مجرد عراقى يبحث عن الأمان فى أى مكان فى العالم غير تلك البقعة التى كانت يوما وطنه، قد تطول هذه الطرق أو تقصر حسب ظروف كل شخص والجهة التى يتقدم لها. ولكن هناك طريقا مفتوحا لهؤلاء الذين عملوا مع الولاياتالمتحدة أثناء الحرب، فهم يقومون بالخطوات ذاتها ولكنهم حتما يسافرون بسهولة وبأقصى سرعة نظرا لتعرضهم للتهديدات الأمنية من جهات عدة وفق ما نشر على موقع منظمة الهجرة العالمية. سانت أندروز.. سرى للغاية أم مصطفى سيدة عراقية خمسينية، تعمل بمركز المساعدة القانونية الذى يقع بغرفة ملحقة بكنيسة «سانت اندروز» بوسط القاهرة. تجلس على مقعد خشبى فى صدارة الغرفة التى هى فى الحقيقة غرفتان ضيقتان ملحقتان بالكنيسة ملاذ الكثير من اللاجئين العراقيين والأفارقة. لا تتقاضى أم مصطفى مقابلا عن عملها ولكنها متطوعة لمساعدة اللاجئين، تحدثت عن المركز مؤكدة أنه لا يقدم مساعدات مالية أو سكنا بل المساعدة القانونية لملتمسى اللجوء من العراقيين والصوماليين للدول الأوروبية وأمريكا، وأن المركز يساعد الذين يعملون مع الأمريكان بشكل أكبر، من خلال مجموعة من المحامين الأجانب ومديرة المركز الأمريكية الجنسية. جلست أم مصطفى تستقبل أسرة عراقية مكونة من زوجة وزوجها يحملان جوازات سفر عراقية وبضع ورقات طبعت من الإنترنت. نادى المترجم العراقى على المديرة الأمريكية فخرجت من غرفتها وتبادلت معه حديثا قصيرا، وقالت بعربية مكسرة: «بس الجنسية والمراسلات»، لاحظت ازدحام الغرفة فصرخت فى الجميع فجأة: «اخرجوا الآن، هذه خدمات سرية» معتبرة ما تفعله خدمة شخصية وخاصة جدا. أم مصطفى التى هرولت للخارج فزعة من ثورة المديرة، لا تعرف الهيئة التى يتبعها المركز برغم عملها معهم منذ أكثر من عامين، ولكنها تعرف أن جميع المحامين والمديرة أمريكان. عملت قبلها بعامين مع الفنان العراقى نصير شمة فى مساندة الطلاب العراقيين للحصول على مساعدات مالية وشنط رمضان وتسهيل إقامتهم فى مصر قبل أن ينتقل هذا الملف بالكامل لجامعة الدول العربية، ثم انتقلت بعدها للمركز لمواصلة الطريق. منظمة الهجرة.. خدمات علنية الحصول على معاملة خاصة للعراقيين الذين عملوا مع القوات الأمريكية فى العراق قد تبدو فكرة غامضة ومكررة فى آن، فالجميع يعرفون أن هناك طريقة أسهل للهجرة للولايات المتحدة، ولكن هذه المعلومة تبدو سرية وعلنية فى الوقت ذاته وهو ما يثير الدهشة، فبينما رأت مديرة مركز المساعدة القانونية بكنيسة «سانت أندروز» أنها تقدم خدمة سرية، أعلنتها منظمة الهجرة الدولية بالقاهرةعلى موقعها بكل صراحة بل فردت لها مساحة مهمة بتعليمات خاصة وواضحة.. فعلى موقع المنظمة يوجد قسم مخصص للعاملين مع الأمريكان: «برنامج التوطين للاجئين العراقيين فى الأردن ومصر والعراق الذين لديهم روابط توظيف وثيقة بالقوات الأمريكية».. تحت هذا العنوان كتبت التعليمات والنصائح. المنظمة تنصح بالسفر من مصر أو الأردن وليس من العراق، كما تسمح للموظف وعائلته بالاستفادة من علاقته بالولاياتالمتحدةالأمريكية وتسهل له كل الوسائل للهجرة فور التأكد من العلاقة التى تربطه بالولاياتالمتحدة. حددت المنظمة كذلك المستفيدين فى فئات هى «الأفراد العراقيون الذين عملوا على أساس دوام كامل كمترجمين فوريين أو تحريريين لصالح الحكومة الأمريكية أو القوات المتعددة الجنسيات، الأفراد العراقيون الذين عملوا كموظفين محليين لدى الحكومة الأمريكية فى العراق، الأفراد العراقيون الذين عملوا على أساس التوظيف المباشر لدى منظمة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالبعثة الأمريكية بالعراق أو التى تلقت تمويلا من الحكومة الامريكية من خلال عقد رسمى وموثق أو استحقاق أو منحة أو اتفاقية تعاون، الأفراد العراقيون الذين عملوا فى العراق لدى منظمة إعلامية أو منظمة غير حكومية مقرها الرئيسى فى الولاياتالمتحدة». بنهاية الورقة كتبت مجموعة من الجمل التوضيحية منها أن برنامج إعادة توطين اللاجئين خال من الرسوم، ليس هناك حاجة للاتصال بجهة ثالثة كمحام أو منظمة للدعوة بخصوص الدخول فى البرنامج، كما يرجى تقديم طلب الدخول فى البرنامج مباشرة لمنظمة الهجرة الدولية وليس لجهة ثالثة.