أصبح التعدى على رموز الفن فى مصر أمرا يدعو للدهشة لأن الأمر لم يقف عند اختفاء أعمالهم من العرض على القنوات المصرية، بل امتد إلى تعدى البعض عليهم والسخرية منهم. آخرها ما حدث قبل أيام فى ندوة فيلم «ميكروفون» عندما أكد مخرجه أن إهانة ام كلثوم شىء عادى لانها ليست مقدسات، وفى واقع الأمر أن هذا التطاول أصبح شيئا فى عصرنا هذا ليس فقط على كوكب الشرق ولكن على كل رموز الفن والغناء فى مصر. «الشروق» تبحث عن سبب تعدى البعض على رموزنا فى مصر، رغم أن نفس هذه الرموز تلقى كل التقدير والاحترام فى البلدان العربية، وتعرف كيف تحميها وتحافظ على ما قدمته من إنجازات ليس فقط لمصر، وإنما للعالم العربى أجمع. فى البداية يؤكد الشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى أن إهانة الرموز ظاهرة مصرية معاصرة وأصبحت حالة عامة، وهى لا تقتصر على مجال الفن فقط وإنما تمتد إلى باقى ومختلف المجالات فى مصر. ويقول الأبنودى إن التجريح فيمن لا نستطيع أن نستوعبهم، أو الظروف التى أنجبتهم وصنعت منهم رموزا أمرا هينا، وبدلا من البحث عن كيف وصلت هذه الرموز إلى هذه المكانة، قلب الجميع الصفحة. «لأن الأمور اليوم أصبحت فى أيدى الصغار، ولا يوجد من يحمى الكبار، بل إن سلوك الدولة تجاههم ليس ببعيد ويدعو للتساؤل، فالإعلام استبعد مطربينا الكبار بدعوة أنهم «موضة قديمة» وأننا فى عصر الإيقاع السريع، وأصبحت وسائل الإعلام المصرية مجرد فاترينات لعرض البضاعة الاستهلاكية لشركات لا يشغلها سوى الربح». فاليوم إذا أردنا أن نشاهد أم كلثوم فعلينا أن نشاهدها فى الفضائيات العربية، وبهذه الطريقة اختفى عبدالحليم حافظ ونجاة ووردة وشادية ونجاح سلام وصباح وسعاد محمد ومحمد قنديل ومحمد عبدالمطلب ومحمد رشدى وعشرات من رموز تراثنا الفنى الغنائى. وعلى نفس الطريقة اختفت أيضا مسرحيات الستينيات، ولم يعد التعامل متاحا إلا مع مسرح لا يختلف عن الأغانى. ولأن الأجيال الجديدة لا تسمع سوى نفسها، ولا تتعامل إلا مع بعضها البعض، ومقطوعة الصلة تماما عن الأجيال السابقة، بل تعتبر نفسها ثورة على من سبقها وليس امتدادا لهم وهذا بالتأكيد عبث أصبح من الطبيعى جدا أن تهان الرموز من الأجيال الجديدة، وليس من الشباب فقط لأن هناك من أجيال الكبار تلعب نفس اللعبة وتهين نفسها، فنحن فى مرحلة لا كبير لها، «واللى يعرف أبوه يروح يجول له». «وأشعر أن الإعلام بسياسته الحالية يحاول قطع صلة الأجيال الجديدة بكل ما تم انجازه خلال زمن الرئيسين الراحلين جمال عبدالناصر، وأنور السادات، ويتعاملون معها على أنها أشياء خارج التاريخ» كما يقول الشاعر الكبير. ويضيف الأبنودى أنه لهذا السبب استحدثت أصوات وأفراد ولغة جديدة، حتى إن الأغنية العاطفية أصبحت تضم كما هائلا من الشتائم. فنحن لم يعد لنا مكان كمستمعين ومشاهدين وإن كانت هناك بعض المجالات الجادة من شباب يرغبون فى التغيير فى شكل الأغنية والمسرح بإمكانات هزيلة، ولا يقدمون فنونهم إلا فى «المنافى» كساقية الصاوى وبعض الجهات الثقافية. فالأمر يحتاج إلى وقفة وطنية لتخليص الرموز من براثن الصغار. بدأ الموسيقار حلمى بكر حديثه مؤكدا نحن فى عصر يسب القبيح الباشا وهذه كارثة، فالأجيال الجديدة تعلمت فى مدرسة التطاول تحت شعار الديمقراطية، وأصبح كل «من هب ودب» يتعدى على الكبار. «طبيعى أن يتم التطاول على أم كلثوم، ولا أحد يستطيع أن يحميها فى مصر، ولكن العالم العربى لا يزال يعرف قيمتها ويقدسها، وهذا يشعرنى بالخجل الشديد، لأن الدول العربية لا تزال حتى الآن تحيى ذكرى الكبار محمد عبدالوهاب وأم كلثوم وعبدالحليم، أما نحن فلا نستطيع أن نحمى مصر حتى نحافظ على رموزنا» بحسب حلمى بكر. وأشار بكر إلى أن الفرصة تؤخذ بالقيمة وليس بالفرض، وليس من الطبيعى أن تمنح الفرصة لموسيقى مسروقة ومنقولة عن فيروسات أمريكية وعالمية، وإنما تمنح للمبدعين، وأم كلثوم نفسها لم تأخذ فرصة، وإنما فرضت نفسها. ويقول منير الوسيمى نقيب الموسيقيين إن الرموز تحمى نفسها وليست فى حاجة لأحد يدافع عنها، فهى لم تصل إلى مكانتها إلا لأنها نقشت وحفرت فى وجدان الناس، بعد أن قدمت فنا نجح وعبر عن الشعب، ومثلت عصرا من العصور العظيمة ليس فقط فى مصر وإنما على مستوى العالم العربى وأفريقيا والعالم. أما الموسيقار محمد على سليمان فيقول: من ليس له تاريخ لن يكون له مستقبل، فإذا لم نحافظ على رموزنا وتراثنا وإحيائه دائما لن يكون هناك مستقبل للأغنية فى مصر. ويرى سليمان أن اهانة الرموز فى مصر هى ضمن المخطط الصهيونى لهدم الفن فى مصر، من خلال الزج بأنواع موسيقيه غريبة على المجتمع المصرى، «والمثير أن هناك من يطالب بأن تحل هذه الموسيقى الشيطانية مكان الموسيقى الطاهرة للكبار، أم كلثوم وعبد الحليم ونجاة إلى آخره».