"الوطنية للانتخابات": نولي أهمية كبيرة لضمان مشاركة ذوي الهمم في انتخابات مجلس الشيوخ 2025    فيديو.. أسامة ربيع: إيرادات قناة السويس تراجعت بنحو 62% خلال ال6 أشهر الأولى من 2025    الوطنية للصلب تحصل على موافقة لإقامة مشروع لإنتاج البيليت بطاقة 1.5 مليون طن سنويا    روسيا تدعو الرئيس السوري لزيارة موسكو في أكتوبر المقبل    أطباء بلا حدود: التجويع الإسرائيلي يفاقم سوء التغذية بين أطفال غزة    وزير الخارجية اللبناني يبحث مع مسئولة أممية سبل تحقيق التهدئة في المنطقة    اقتصادي: المصريون لم يتذمروا يوما من دعم الشعب الفلسطيني رغم قسوة المعيشة    هويلوند: مستمر مع مانشستر يونايتد وجاهز للمنافسة مع أى لاعب    لامين يامال يفتتح سجله التهديفي بالقميص رقم 10 في اكتساح برشلونة لسيول بسباعية    مدير أمن بني سويف يعتمد حركة تنقلات ضباط المباحث    "القاصد" يصدر قرارات بتكليف وتجديد تكليف عمداء ببعض الكليات بجامعة المنوفية    مهرجان الجونة السينمائي يفتح باب التقديم للدورة الثانية من مسابقة «عيش» للأفلام القصيرة    "قريب من الزمالك إزاي؟".. شوبير يفجر مفاجأة حول وجهة عبدالقادر الجديدة    أشرف منصور: المتحف الكبير والعاصمة الإدارية والهوية البصرية رسائل للعالم    خالد الجندي: من يرحم زوجته أو زوجها في الحر الشديد له أجر عظيم عند الله    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية خلال 15 يوماً    انطلاق المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل من محافظة مطروح    عباس شراقي: زلزال روسيا الأعنف منذ 2011.. وفعالية الاستعدادات أنقذت الأرواح    أوكرانيا: روسيا أطلقت أكثر من 300 طائرة مسيرة    SN أوتوموتيف تطلق السيارة ڤويا Free الفاخرة الجديدة في مصر.. أسعار ومواصفات    محافظ المنوفية: تكريم الدفعة الرابعة لمتدربي "المرأة تقود في المحافظات المصرية"    البورصة: تغطية الطرح العام للشركة الوطنية للطباعة 23.60 مرة    القنوات الناقلة لمباراة آرسنال وتوتنهام الودية استعدادًا للموسم الجديد 2025-2026    ياسر ادريس: احتفال اساطير العاب الماء بدخول حسين المسلم قائمة العظماء فخر لكل عربي    "يحاول يبقى زيهم".. هشام يكن يعلق على ظهوره في إعلان صفقة الزمالك الجديدة    تعرف على مواجهات منتخب مصر للناشئين والناشئات بنصف نهائي بطولة العالم للإسكواش    محافظ المنيا: تشغيل عدد من المجمعات الحكومية بالقرى يوم السبت 2 أغسطس لصرف المعاشات من خلال مكاتب البريد    الأرصاد: انخفاض تدريجي في الحرارة اليوم الخميس 31 يوليو واضطراب بالملاحة البحرية    المشدد 3 سنوات ل سائق متهم بالاتجار في المواد المخدرة بالقاهرة    بدء الدورة ال17 من الملتقى الدولي للتعليم العالي"اديوجيت 2025" الأحد المقبل    17 برنامجًا.. دليل شامل لبرامج وكليات جامعة بني سويف الأهلية -صور    محسن جابر: الفن والثقافة المصرية شريك أساسي في مهرجان جرش خلال دوراته السابقة    منظمة التحرير الفلسطينية: استمرار سيطرة حماس على غزة يكرس الانقسام    صبا مبارك وحلم الأمومة الذي يواجه خطر الفقد في 220 يوم    تعرف على كليات جامعة المنيا الأهلية ومصروفاتها في العام الدراسي الجديد    وزير قطاع الأعمال العام ومحافظ الإسكندرية يبدأن جولة تفقدية بمنطقة المعمورة بلقاء عدد من نواب البرلمان    ترامب: إنهاء الأزمة الإنسانية في غزة يتمثل في استسلام الفصائل وإطلاق سراح المحتجزين    عميد طب قصر العيني يوافق على استحداث عيادات متخصصة للأمراض الجلدية والكبد    4 تحذيرات جديدة من أدوية مغشوشة.. بينها "أوبلكس" و"بيتادين"    رودريجو يدخل دائرة اهتمامات مانشستر سيتي    يديعوت أحرونوت: نتنياهو وعد بن غفير بتهجير الفلسطينيين من غزة في حال عدم التوصل لصفقة مع الفصائل الفلسطينية    غدا.. قصور الثقافة تطلق الموسم الخامس من مهرجان "صيف بلدنا" في دمياط    محافظ الجيزة يكرم 13 متفوقًا من أوائل الثانوية والدبلومات.. لاب توب وشهادات تقدير    بالأسماء إصابة 8 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة بصحراوى المنيا    حرام أم حلال؟.. ما حكم شراء شقة ب التمويل العقاري؟    الأمن يضبط قضايا اتجار بالعملة بقيمة 8 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    الشيخ أحمد خليل: من اتُّهم زورا فليبشر فالله يدافع عنه    حبس الأب المتهم بالتعدي على ابنته بالضرب حتى الموت بالشرقية    مستشفيات جامعة القاهرة: استحداث عيادات جديدة وقسم متكامل للطب الرياضي    البابا تواضروس يشارك في ندوة ملتقى لوجوس الخامس لشباب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    النتيجة ليست نهاية المطاف.. 5 نصائح للطلاب من وزارة الأوقاف    في ذكرى تأميم «قناة السويس».. احتفالية كبرى وافتتاح مشروعات قومية بالإسماعيلية    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    الأحكام والحدود وتفاعلها سياسيًا (2)    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    توقعات الأبراج وحظك اليوم الخميس.. طاقة إيجابية في انتظار هذا البرج    فوضى في العرض الخاص لفيلم "روكي الغلابة".. والمنظم يتجاهل الصحفيين ويختار المواقع حسب أهوائه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصر والأردن.. انتخابات تعددية نعم.. لكن دون جوهر ديمقراطى أو تبعات إصلاحية
نشر في الشروق الجديد يوم 12 - 12 - 2010


عمرو حمزاوى ومروان المعشر
بات إجراء انتخابات تشريعية تعددية ظاهرة اعتيادية تتكرر بانتظام فى العديد من المجتعات العربية. بيد أن بعض الانتخابات العربية، وعلى الرغم مما تشهده من تنافس بين أحزاب وحركات وشخصيات مختلفة، تظل من جهة معلومة النتائج سلفا ومن جهة أخرى محدودة الأثر فى ما خص دفع الحياة السياسية نحو إصلاح جاد يضمن السلم الأهلى ويمهد للتأسيس لحكم القانون ولتداول ديمقراطى وسلمى للسلطة ولإدماج كل القوى المجتمعية الفاعلة فى إطار من مواطنة الحقوق المتساوية بغض النظر عن فوارق العرق والدين والنوع والانتماء الأيديولوجى.
وواقع الأمر أن وقائع ونتائج الانتخابات البرلمانية التى نظمت مؤخرا فى مصر، فى 28 نوفمبر 2010، ونظيرتها الأردنية التى أجريت قبلها ببضعة أسابيع، فى 9 نوفمبر 2010، قد قدمتا نموذجين راهنين لمثل هذه الانتخابات العربية معلومة النتائج سلفا ومحدودة الأثر الإصلاحى ودللتا بجلاء شديد على تداعياتها الخطيرة على الحياة السياسية وعموم المشهد المجتمعى. أديرت انتخابات مصر والأردن، قانونيا وسياسيا وعملياتيا، على نحو يضمن استمرار همينة مؤسسة الحكم على العمل التشريعى ويحول دون منازعة تفردها بالسلطة التنفيذية ويكرس ضعف المعارضة وتفتتها ويختزل التنافس بين الحكم والمعارضة إلى محض واجهة تعددية خالية من المضمون ويجرد الانتخابات من ثم من جوهرها الديمقراطى والإصلاحى.
ففى مصر، اتسمت انتخابات مجلس الشعب 2010 بنواقص قانونية وسياسية وعملياتية عدة ضمنت، إن بشأن النتائج المعلومة سلفا أو لجهة غياب الجوهر الديمقراطى، عدم اختلافها عن مجمل ما أجرى فى مصر من انتخابات برلمانية منذ النصف الثانى من السبعينيات. فالإطار الدستورى والقانونى الناظم للعملية الانتخابية، خاصة بعد إلغاء شرط الإشراف القضائى الكامل على الانتخابات (وهو ما ضمنته تعديلات 2007 الدستورية) والقيود الكثيرة التى فرضت على الرقابة الداخلية والرفض الحكومى القاطع للرقابة الدولية، لم يقدم الحد الأدنى من ضمانات نزاهة وحيادية وتنافسية الانتخابات.
كذلك استمرت تدخلات الحزب الوطنى الديمقراطى الحاكم فى سير العملية الانتخابية وتلاعبه المنظم بنتائجها مستغلا فى ذلك شبكة الولاء الزبائنى لمؤسسات الدولة والقدرات القمعية لأجهزتها الأمنية والمال الانتخابى لبعض أعضائه النافذين من كبار رجال الأعمال ونفوذ العوائل الريفية الكبيرة المنتمية له. كما أن القيود القانونية والأمنية التى دوما ما واجهتها أحزاب وحركات المعارضة فى سياق مشاركتها فى الانتخابات وحالت دون تنشيط المعارضة لأطرها التنظيمية والتواصل مع قواعدها الناخبة والرأى العام وعقد المؤتمرات الجماهيرية أو ضمان حصول قياداتها ومرشحيها على تغطية إعلامية توازى أو على الأقل تقترب مما يحصل عليه الحزب الوطنى، استمرت على حالها ولم تتراجع ولو قليلا فى 2010 مقارنة بالانتخابات السابقة.
بل إن سلسلة القيود والإجراءات القمعية التى استهدفت بها مؤسسة الحكم قبل انتخابات 2010 التنظيم المعارِض الأكبر فى مصر، أى جماعة الإخوان المسلمين، أثارت العديد من الشكوك حول نزاهة الانتخابات البرلمانية وتنافسيّتها الفعلية.
نعم سمح قانون الانتخابات المستند إلى قاعدة الترشح الفردى للجماعة المحظورة قانونا بالمشاركة فى الانتخابات عبر بوابة المرشحين المستقلين. بيد أن الإخوان الذين تمكنوا فى عام 2005 من إدارة حملتهم الانتخابية بصورة علنية مستخدمين شعار «الإسلام هو الحل» ونافسوا آنذاك على ثلثَى مقاعد مجلس الشعب تقريبا، واجهوا فى 2010، وعلى الرغم من إعلانهم نيتهم المنافسة فقط على ربع مقاعد المجلس الجديد، استبعاد اللجنة العليا للانتخابات لعدد معتبر من مرشحيهم للانتخابات والتضييق المستمر على حملاتهم الانتخابية بعد اعتماد الحظر القانونى لشعار «الإسلام هو الحل» واعتقال العديد من أنصارهم قبيل الانتخابات ومورس شىء من العنف ضد المرشحين المسجلين قبيل الانتخابات وضد ناخبيهم يوم الانتخاب. وقد لعبت هذه السلسلة من القيود والإجراءات القمعية الدور الأكبر فى إخفاق مرشحى الإخوان فى الفوز بأى مقعد فى الجولة الأولى للانتخابات البرلمانية ودفعت الجماعة إلى إعلان انسحابها من الانتخابات قبل جولة الإعادة، وبعد أن كان لها 88 نائبا فى مجلس الشعب المنتهية ولايته.
وتواكب مع كل ذلك، أى مع نواقص الإطار الدستورى والقانونى وتوظيف أجهزة الدولة لحسم الانتخابات لمصلحة الحزب الحاكم والإجراءات القمعية والعنيفة ضد المعارضة والتى أودت بحرية العمل التنظيمى والسياسى، مجموعة من القيود التى فرضتها مؤسسة الحكم قبيل الانتخابات على الحريات الإعلامية والصحفية وحرية التعبير المنظم عن الرأى. وقد كان أبرز القيود هنا هو إجبار المحطات التليفزيونية الفضائية على الحصول على إذن رسمى قبل بث تقارير إخبارية مباشرة من أىّ مكان فى مصر، وكذلك إجبار مزوِّدى الهواتف الخلوية على الحصول على إذن مماثل لإرسال رسائل نصيّة موحَّدة إلى المستخدمين، وهى تقنية لجأت إليها المعارضة قبيل الانتخابات أكثر فأكثر لتعبئة الأنصار والتواصل مع الرأى العام.
مثل هذه الإدارة، أو لنقل الهندسة القانونية والسياسية والعملياتية للانتخابات البرلمانية المصرية، من قبل مؤسسة الحكم أفرغتها من الجوهر الديمقراطى والتداعيات الإصلاحية. فقد وثق المراقبون المحليون، بل وبعض القضاة المشرفين على الانتخابات، الكثير من التجاوزات والخروقات التى شابت الانتخابات كالتدخل المنظم للأجهزة الأمنية لصالح مرشحى الحزب الحاكم ومنع العديد من المراقبين المحليين من الدخول إلى مراكز الاقتراع أو البقاء بها مدة تكفى لتقييم سير العملية الانتخابية ووقوع بعض أعمال عنف أمام مراكز الاقتراع.
أودت هذه القائمة المحبطة من التجاوزات والخروقات بنزاهة وشفافية وتنافسية للانتخابات ونزعت الصدقية عن وعد مؤسسة الحكم بإجراء انتخابات حرة وتعددية تفخر بها مصر. والحصيلة المباشرة هى مجلس شعب مشكوك فى شرعيته، يسيطر الحزب الحاكم على ما يقرب من 85 بالمائة من مقاعده ويقزم به تمثيل المعارضة الحزبية وغير الحزبية إلى بضعة مقاعد غير مؤثرة.
أما الحصيلة السياسية الأكبر والأخطر فتتمثل فى كون رهان المدى الطويل للمعارضة الديمقراطية، ولدعاة السلام والإصلاح ولإدماج كل القوى المجتمعية فى إطار المواطنية، على تحول مصر التدرجى نحو الديمقراطية من بوابة الانتخابات التنافسية والبرلمانات التعددية وصولا إلى تداول السلطة وحكم القانون أثبت فشله الذريع. فمنذ 1976، أى منذ بداية تجربة التعددية الحزبية، وإلى اليوم لم تتغير حياة مصر السياسية جذريا، لا فى ما خص استمرار غياب تداول السلطة وهيمنة مؤسسة الحكم وحزبها ولا لجهة الإدارة السلطوية للعلاقة بين النخبة والمعارضة وبين النخبة وعموم المواطنين أو بالنظر إلى حضور الأدوات القمعية وقدرة النخبة على استخدامها فى أى وقت وظرف.
أما فى الأردن، فيشوب عملية الإصلاح السياسى المتعثرة تشوه هيكلى يرتبه قانون الانتخاب الذى صمم، عن قصد، بهدف استمرار إفراز مجالس تشريعية يغلب عليها الطابع الخدماتى وتفتقر إلى حضور تكتلات أو أحزاب سياسية ذات فاعلية على المستوى الوطنى ولها برامج واضحة تمكنها من ممارسة دور تشريعى ورقابى حقيقى.
فقانون الصوت الواحد المجزأ (صوت واحد لكل مواطن ضمن دائرة متعددة المقاعد)، والذى عدل قبل الانتخابات الأخيرة دون إجراء حوار وطنى حقيقى حوله، وكذلك التقسيم المعمول به للدوائر الانتخابية حالا دون الحد من سيطرة النواب الخدماتيين على مجلس النواب ورتبا من ثم، ونظرا لاعتماد هذه المجموعة من النواب فى معظم الأحيان على الدولة وأجهزة السلطة التنفيذية لإيصال الخدمات لمناطقهم وافتقادهم الاستقلالية المطلوبة للاضطلاع بمهام محاسبة ومساءلة الدولة، استمرار ضعف القدرات الرقابية للمجلس.
بل إن انتخابات نوفمبر الماضى أضافت إلى هذا الواقع السلبى، وفى تشابه بين مع الحالة المصرية، ملمحا جديدا تمثل فى غياب المعارضة الجادة عنه بعد أن قاطعت جبهة العمل الإسلامى، وهى الحركة السياسية الأكبر فى البلاد، الانتخابات لقناعتها بعدم جدواها فى دفع عملية الإصلاح قدما.
وحقيقة الأمر أن الحياة السياسية الأردنية مازالت تعانى من هيمنة طبقة محافظة عليها، تديرها قانونيا وإجرائيا وعملياتيا على نحو يحول دون إدخال إصلاحات فعلية، حتى وإن كانت تدريجية. وقد نصبت هذه الطبقة نفسها، وبصورة بالغة الإقصائية، مدافعة عن مصالح الدولة وحدها دون غيرها وسيطرت على الأجهزة التنفيذية المختلفة. ودوما ما عارضت الدعوة إلى تغيير حقيقى فى قانون الانتخاب ومطالب الإصلاحيين بتقوية تمثيل التكتلات والأحزاب السياسية بمجلس النواب متذرعة بحجة عدم إتاحة الفرصة للإسلاميين بالاستحواذ على أغلبية داخل المجلس. بيد أن النتيجة العملية لهذه التفضيلات وسياسات هذه الطبقة المحافظة كانت ازدياد نفوذ المعارضة الدينية داخل الشارع الأردنى والتراجع المستمر لبقية التيارات السياسية التى لا تملك الحضور المجتمعى المؤثر للإسلاميين ولم يفسح لها المجال للوجود داخل المجلس التشريعى.
ومع إدراك الطبقة المحافظة المهيمنة على الحياة السياسية فى الأردن والأجهزة التنفيذية التابعة لها لحقيقة أن مجلس النواب سيبقى حكما ضعيفا ما لم يغير قانون الانتخاب والتقسيم المعمول به للدوائر الانتخابية، ومع تكرر نداءات الملك عبدالله الثانى لإصلاح العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية بتعظيم دور وفاعلية مجلس النواب، لجأت فى الانتخابات الأخيرة إلى التركيز على الإجراءات التقنية لضمان نزاهة الانتخابات وشفافيتها والسماح بالرقابة الدولية على مجمل العملية الانتخابية. وقد هدف ذلك إلى تحويل الأنظار عن جوهر المعضلة الأردنية، وهو كيفية الوصول إلى مجلس نواب قوى يمارس العمل التشريعى والرقابى بجدية وسبل تطوير نظام ناجع للنزاهة والشفافية يتجاوز الأمور الإجرائية المتعلقة بالعملية الانتخابية.
وعلى الرغم من أن جل استطلاعات الرأى التى أجريت خلال الأعوام الماضية قد أظهرت بما لا يدع مجالا للشك أن المجلس التشريعى وبغض النظر عن درجة نزاهة العملية الانتخابية التى أفرزته (وتلك تفاوتت بشدة فى الحقبة الأخيرة وفقا لاعتراف الحكومة الأردنية نفسها) سيبقى مفتقدا للحد الأدنى من الرضاء الشعبى ومن الفاعلية ما لم يغير قانون الصوت الواحد المجزأ.
أما الأصوات الإصلاحية، التى نادت ومازالت بتغيير القانون بهدف إفساح المجال أمام التكتلات والأحزاب الفاعلة على المستوى الوطنى لدخول مجلس النواب، ومن ثم إعادة الهبية لدوره وتوسيع قاعدة صنع القرار العام من خلال مؤسسة تشريعية قوية تكون ضمانة حقيقية للاستقرار والازدهار، فقد أقصيت أو تم تهميشها فى أحسن الأحوال.
تختلف الانتخابات المصرية عن نظيرتها الأردنية فى تفاصيل إداراتها القانونية والسياسية والعملياتية وتتفاوت كذلك خصائص قوانين الانتخاب المعمول بها فى البلدين، بيد أنهما يشتركان من جهة فى كونهما باتا محدودى الصلة بالجوهر الديمقراطى للانتخابات، ومن جهة أخرى فى كونهما يمثلان فى وقائعهما ونتائجهما ترجمة عملية لمجمل اختلالات الحياة السياسية وغياب إرادة مؤسسات الحكم الإصلاحية. والحصيلة المؤلمة هى مجالس تشريعية ضعيفة، تغيب عنها المعارضة الحقيقية ويتهاوى دورها فى الرقابة على السلطة التنفيذية إلى مهابط غير مسبوقة وتواجه أزمة مصداقية وشرعية متنامية بين المواطنين. فهل لنا أن نصف انتخابات هذه وقائعها وتلك نتائجها «بالعرس الديمقراطى»؟ نشك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.