تذكرت الإنفلونزا الإسبانية التى داهمت العالم عام 1918 وراح ضحيتها ما يقرب من 40 مليون شخص، منهم ثمانية ملايين فى إسبانيا وحدها، فأطلق عليها الإنفلونزا الإسبانية، ترحما أو تقديرا لضحايا المرض. حيث لم يزد مثلا عددهم فى الولاياتالمتحدة على 675 ألفا. تذكرت الإنفلونزا الإسبانية حين سمعت لأول مرة بخبر إنفلونزا الخنازير وما صاحبها من ذعر عالمى.. ولست من مؤيدى الخنازير ولا مقالب القمامة طبعا، لكننى فى 48 ساعة ضربتنى خمس مفاجآت، كل منها لها دلالة مهمة: المفاجأة الأولى: إنها ليست إنفلونزا خنازير، فلم تثبت إصابة خنزير واحد فى العالم بالمرض. والمفاجأة الثانية: إن ذبح الخنازير والقضاء عليها لا مبرر له.. والمفاجأة الثالثة: وصل خبراء إلى «المريض زيرو»، أول من أصيب بالمرض، وهو الطفل إدجار إنريك هرناندز وعمره خمس سنوات ويعيش فى قرية لاجلوريا المكسيكية، ويقول الأطباء إن المرض ربما انتقل إليه من كاليفورنيا.. والمفاجأة الرابعة: أن تلك الأقنعة التى توضع على الأنف لا تقى الإنسان من العدوى.. والمفاجأة الخامس: إن البشرية كلها مهددة بالوباء، وأننا لا نملك فى الوقت الراهن إجابات، لكننا سوف نصل إليها.. ترى هل ننتظر مفاجآت أخرى؟! كان يوم من أيامنا الطويلة التى تبدأ من الصباح الباكر عندما توجهت إلى محطة سى. إن. إن لأتابع برنامجها عن التوصل إلى المريض الأول، وهو الطفل المكسيكى الصغير، وكيف أنه بصحة جيدة حاليا.. وإن كانت بعض الآراء تقول إن المرض منبعه كاليفورنيا وليس المكسيك. ثم تابعت برنامج فى ال بى. بى. سى، وقال أحد مسئولى منظمة الصحة العالمية: إن ذبح الخنازير، أو إعدامها لا تبرير له، وهو خطأ، لأنه لم تثبت إصابة خنزير واحد بالمرض، وكرر نفس المعنى جوزيف دومينيتش كبير الأطباء البيطريين فى منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة، بقوله: «إن القرار الذى اتخذته مصر بذبح الخنازير هو خطأ جسيم.. لأنها ليست إنفلونزا فى الخنازير ولكنها إنفلونزا بشرية، لا تنتقل من خنزير إلى إنسان ولكنها تنتقل من إنسان إلى إنسان! بجانب أن أخطار الذبح البيئية كبيرة! وأخيرا قال أطباء إن الأقنعة لاتحمى تماما من الإصابة من المرض، ووجدت العالم حولى كله «مكمم» ثم قرأت أن المصانع التى تنتج تلك الأقنعة فى مصر قررت مضاعفة الإنتاج من 30 مليون قناع إلى مائة مليون..! والسؤال الآن: هل ذبح الخنازير كان قرارا سليما أم خاطئا؟ فمنظمة الصحة العالمية تقول إنه خطأ، ونحن نقول إنه الصواب..؟ لكننى اكتشفت أن الذبح فى أثناء هوجة المرض الذى يقترب من الوباء، يعد حلا لمشكلة عويصة، عجزت الدولة عن حلها سنوات، وهى نقل مزارع الخنازير من وسط المدن ومن قلوبها. وكنت مثل غيرى متحمسا جدا للذبح والإعدام، فهو تجربة من التجارب التى اشتقت إليها لاختبار هيبة الدولة، خاصة بعد مظاهرات الغضب التى قوبلت بها محاولات الإعدام والذبح فى بعض المناطق.. لكننى الآن أبحث عن الصواب: ياترى نذبحهم.. لا نذبحهم.. أم فات الأوان.. ذبحناهم؟! أعرف صديقا سارع حين ظهرت إنفلونزا الطيور باغتيال أكثر من مائة زوج من الحمام الزاجل الذى يشارك فى سباقات، وتجرى له تدريبات جدية، تفوق ما يؤديها لاعب المنتخب الوطنى. وكان قراره هذا بناء على فتاوى ضيوف البرامج التليفزيونية الذين أفتوا بإعدام كل الطيور، وحين سئل أحدهم: حتى الحمام، أجاب بثقة يحسد عليها: حتى الحمام. ثم ثبت فيما بعد أن الحمام برىء من إنفلونزا الطيور ثم قيل إنه يحمل المرض ثم قيل إنه لايحمله، وبين «القيل والقال»، لا أعرف حتى اليوم ما هو خطر تربية الحمام، كما لا أعرف ماهو خطر تربية الخنازير؟! لكم أن تتخيلوا ما معنى هذا؟! ولمزيد من الخيال سألت مذيعة تليفزيونية مسئولا بحديقة الحيوان بالجيزة عن الفارق بين النسر وبين الصقر، فقال: النسر أكبر من الصقر، وكلاهما يأكل اللحم. وسرد الشخص المسئول كل ما هو معروف ومشهود عن الفارق بين النسر وبين الصقر. بينما لو سألنا حارسا فى حديقة حيوان لندن عن الفارق بين النسر وبين الصقر فسوف يتحدث لمدة ساعتين عن الفروق، ومنها ما يتعلق بالنسور التى كانت على وشك الانقراض، وكيف أنقذت، ومنها ما يتعلق بالنسر الأفريقى والنسر الأمريكى. ومنها يتعلق بعمر النسر وعمر الصقر، ومنها ما يتعلق بأنواع الصقور وأغلاها وأسرعها، مثل الشاهين الذى ينقض على فريسته بسرعة هبوط مكوك الفضاء، وكيف تتحمل رئتيه هذا الضغط؟! من قال لا أعلم فقد أفتى.. لكننا فى مثل تلك الأزمات الخطيرة والصعبة فى أشد الحاجة لمن يفتى وهو يعلم.. وإلى أصحاب قرار علمى بعيدا عن بطء اللجان والدراسات، ففى أوقات لاتنتظر الكوارث هؤلاء الذين يتثاءبون؟!