أنجز مركز العقد الاجتماعى التابع لمركز معلومات مجلس الوزراء تقريرا بعنوان «ما بين الفساد والحكم الرشيد»، عاد فيه لتعريف الفساد والبحث فى آثاره السلبية والقضاء على تكافؤ الفرص وغياب العدالة، دون التورط فى بحث أشكال الفساد وممارساتها فى مصر إلا بعدة جمل قليلة تفيد بما يحدث داخليا، ورغم ذلك فيبدو من التقرير نفسه أن معظم الأفكار التى وردت بها تشتبك مع الواقع. التقرير قال إن الفساد أشد فتكا بالفقراء؛ لأن الفئات المحرومة فى الأساس هى أكثر الفئات التى تعانى من الفساد للحصول على حقوقهم المفقودة. حيث يشكل الفساد الإدارى، بما فى ذلك دفع الرشاوى والإكراميات للحصول على الخدمات والسلع، عبئا إضافيا على الفقراء، كما أن الموظف الذى اعتاد الحصول على رشوة لأداء خدمة من صميم عمله، لن يقوم بخدمة من لا يدفع الرشوة، أو يعقد الإجراءات عليه، وبالتالى يحرم المواطن من حقوقه الأساسية، ويتم التمييز بين الأفراد وفقا لوضعهم المادى. كما أن الفساد السياسى الكبير يؤثر سلبا على جودة الخدمات العامة التى تقدمها الدولة، مما يدفع الأغنياء للحصول على الخدمات المختلفة من القطاع الخاص، مقابل دفع مبالغ كبيرة، أو الرشاوى للحصول على الخدمات العامة بجودة أعلى أو لتسريع إجراءات خدمة معينة أو للإعفاء من الضرائب أو الجمارك، وهو ما يشجع التمييز وعدم المساواة لصالح الأغنياء. وذكر التقرير، الذى أعدته الباحثات منى سالم ومى الجمال ونرمين والى، أن الفساد يفقد المواطنين الثقة فى نزاهة المؤسسات العامة، وبالتالى إحجامهم عن المشاركة فى الحياة العامة بشكل عام، مما يؤدى إلى انتشار السلبية والفردية واللامبالاة فى المجتمع. كما أوضح التقرير أن الفساد يعوق النمو الاقتصادى من خلال جوانب عديدة، أهمها طغيان المشروعات الإنشائية الكبرى على المشروعات الخدمية الصغيرة، لسهولة الغش والتلاعب فى ميزانياتها، وتسرب الكفاءات لغياب الحافز، وتناقص الاستثمارات المحلية والأجنبية، ويجعل الدولة أكثر عرضة للأزمات الاقتصادية وأقل كفاءة فى حلها، لضعف برامج الأمان الاجتماعى والاقتصادى فى الدولة وتغلغل أوجه الفساد. فى دراسة صادرة عن صندوق النقد الدولى، وجد أن زيادة قدرها 0.78% فقط فى معدل الفساد تقلل من نمو الدخل السنوى بنسبة 7.8%، وذلك لدى الخمس الأكثر فقرا من المواطنين. وقدرت البنوك الدولية العاملة فى مجال التنمية ما تم نهبه من الدول الأفريقية وحدها بنحو 400 مليار دولار، مودعة فى حسابات مصرفية فى بنوك خارج القارة منها 140 مليار دولار من نيجيريا وحدها. كما أكد الاتحاد الأفريقى أن ما قيمته 148 مليار دولار يتم تسريبها سنويا خارج البلاد بسبب الفساد، وأن من 80 إلى 90% من هذه الأموال لا تعاد إلى القارة أبدا. ووضع التقرير الأهداف الإنمائية للألفية ركيزة لطرح أشكال الفساد والمشكلات التى تحول دون تحقيق الأهداف فى ظل تنامى ظاهرة الفساد، ففى قطاع الصحة يحرم الفساد ملايين الفقراء من الوصول إلى العلاج والخدمات الطبية، ويحول ميزانيات هذه الخدمات لحساب غير الشرفاء من المسئولين القائمين عليها. وفى مصر لا تتعدى نسبة الإنفاق الحكومى على قطاع الصحة 1.7% وهى أقل من مثيلاتها فى دول العالم التى تقدر ب8% على الأقل، وحتى هذه النسبة الضئيلة لا تجد دائما طريقها إلى مستحقيها من المرضى، حيث يذهب جزء كبير منها فى طرق غير مشروعة. وفى مجال التعليم الأساسى يظهر الفساد فى الرسوم غير القانونية المفروضة على الأطفال المتقدمين للدراسة، وتمييز بعض الفئات على فئات أخرى، كما يظهر فى إجبار التلاميذ على الالتحاق بمجموعات أو دروس خارج نطاق المدرسة، وتغيب المدرسين المستمر مع ضمان حصولهم على رواتبهم، فضلا عن اختلاس مخصصات مواد التدريس والمبانى المدرسية وإرساء عروض الشراء على من يدفع أكثر بدون النظر إلى الجودة والأحقية.