ترغب المملكة العربية السعودية في أن تظهر لحلفائها أنه لن يكون هناك فراغ في السلطة في أكبر مصدر للبترول في العالم، وذلك في وقت يعاني فيه العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، وولي العهد الأمير سلطان بن عبد العزيز من مشكلات صحية. ويتوجه الملك عبد الله اليوم إلى نيويورك لعلاج تجمع دموي وانزلاق غضروفي، في حين عاد الأمير سلطان إلى السعودية، أمس الأحد، بعد أن قضى شهرين في المغرب في أعقاب مشكلات صحية ألمت به منذ نحو عامين ولم تتحدد طبيعتها. وتتناقض سلسلة البيانات الرسمية على مدى الأسبوع المنصرم حول صحة الملك عبد الله مع الصمت الذي كان يحدث غالبا في مثل هذه الحالات، مما يظهر الرغبة في طمأنة الحلفاء على أن الأسرة الحاكمة تمسك بمقاليد الأمور حتى في أوقات الشدة. وقال الصحفي السعودي البارز جمال خاشقجي المقرب إلى الأمراء "على الجميع أن يعلم أننا لدينا نظام قائم لحل كل المواقف غير المتوقعة، نعلم أن الأمير سلطان كان مريضا ونعلم الآن أن الملك مريض". ومضى يقول "لن يكون هناك فراغ لأن هيئة البيعة حددت كل شيء، هناك نظام" في إشارة إلى مجلس الأمراء الذي شكله الملك عبد الله لضمان توافق الآراء حول القرارات المتعلقة باختيار ولي العهد. وتمثل المملكة أهمية كبرى في جهود محاربة التشدد، وتريد حليفتها الولاياتالمتحدة منها مواصلة إصلاحات اجتماعية واقتصادية يشجعها الملك عبد الله وينظر لها على أنها ضرورية، خاصة بعد هجمات 11 سبتمبر عام 2001 والتي كان أغلب منفذيها من السعوديين. لكن ما زال هناك غموض يكتنف الحالة الصحية لكل من الملك وولي عهده وما الذي ستؤول إليه سياسات العاهل السعودي. وعندما قالت وكالة الأنباء السعودية في الأسبوع الماضي إن الأمير متعب نجل الملك عبد الله سيتولى مسؤولية الحرس الوطني الذي يتعامل مع شؤون الأمن الداخلي، لم تذكر الوكالة صراحة أن الملك تخلى عن السيطرة على هذه القوة. وقالت مي يماني المحللة السعودية المقيمة في لندن "مكانة السعودية الآن مهمة للغاية في ظل ما يحدث في اليمن والعراق وإيران وأفغانستان، واشنطن وكل الغرب يحتاجون فعلا لاستقرار في السعودية". وساعد تحذير قدمته المخابرات السعودية على منع وصول طردين ناسفين أرسلا من اليمن إلى الولاياتالمتحدة في الشهر الماضي، وتعتزم الرياض شراء أسلحة تصل قيمتها إلى 60 مليار دولار من الولاياتالمتحدة، فيما يعتبره محللون جهودا أمريكية سعودية لمواجهة نفوذ إيران المتصاعد. وعين الملك عبد الله -الذي يعتقد أنه يبلغ من العمر 86 عاما ويكبر الأمير سلطان بسنوات قليلة- وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز البالغ من العمر 76 عاما تقريبا في منصب النائب الثاني لرئيس الوزراء العام الماضي. لكن هذا الوضع لا يضمن 100% أن يصبح الأمير نايف ملكا يوما ما بعد أن أحجم الملك عبد الله عن تعيين نائب لولي العهد عندما تولى السلطة في 2005 فيما اعتبر حيلة تستهدف الأمير نايف الذي كان ينفي بشدة أن سعوديين وراء هجمات 11 سبتمبر. كان نايف قد مدد نفوذه لما وراء قضايا الأمن وكان يدلي ببيانات عامة عن مسائل اقتصادية وكانت بعض المكاتب الحكومية ومواقع الإنترنت تضع صورته إلى جانب صورتي الملك وولي العهد. وينظر إلى الأمير نايف على أنه أحد الصقور الذين يبدون فتورا إزاء الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي يشجعها الملك، بما في ذلك مساعي الحد من تأثير المؤسسة الدينية المتشددة. وبعد أن ولى الملك عبد الله نجله الأمير متعب مسؤولية الحرس الوطني، مدد أمس الأحد تعيين عدد من أنصار سياساته الإصلاحية، ومنهم المفتي العام للمملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ والسفير السعودي في واشنطن عادل الجبير. وقال تيودور كاراسيك، وهو محلل لشؤون الدفاع والأمن مقيم في دبي، إن هناك عناصر في السياسة الخارجية ستتأثر في حالة تولي الأمير نايف الحكم يوما ما، مضيفا "أفترض أن نايف أكثر تشددا فيما يتعلق بإيران لذا ربما تكون هناك تغييرات في السياسة الخارجية". وليس من الواضح إلى أي مدى سيكون الأمير سلطان قادرا على الإمساك بزمام الأمور في ظل غياب الملك عبد الله، ويقول مسؤولون إنه يعمل بشكل عادي لكن دبلوماسيين يقولون إن مشاركته في الشؤون العامة أصبحت أقل كثيرا منذ علاجه مما قالوا إنه مرض السرطان. وكان الملك عبد الله هو الحاكم الفعلي للبلاد لسنوات بعد أن أصيب سلفه الملك فهد بجلطة حالت دون إدارته شؤون الحكم، وقال خالد الدخيل أستاذ العلوم السياسية السعودي "ليست هذه المرة الأولى التي يحدث فيها هذا النوع من التحركات".