اتهمت منظمة العفو الدولية (أمنستى) الاتحاد الأوروبى بالفشل فى محاسبة الدول الأعضاء التى تورطت فى ما عُرف ب«السجون السرية»، التى أقامتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سى آى أيه) فى بعض دول أوروبا لأشخاص اشتبهت بأنهم «إرهابيون» أو شاركت فى عمليات ترحيل غير قانونية، حيث قال مسئول فى المنظمة إنها تسعى لاستصدار قانون يمنع حدوث مثل هذه الانتهاكات مستقبلا. هذه الاتهامات جاءت فى تقرير أصدرته «أمنستى» بعنوان «السر المكشوف: أدلة متزايدة على تورط أوروبا فى عمليات الاعتقال والترحيل السرية»، وهو تقرير اعتبر المسئول عن متابعة الشئون الأوروبية فى المنظمة نيكولاس برجر فى تصريحات ل«الشروق» أن صدوره «فى هذا التوقيت بالتحديد يرجع إلى ظهور العديد والعديد من الأدلة منذ صدور آخر تقرير تناول هذا الملف فى عام 2008». وأوضح برجر أن من بين ما ظهر مؤخرا «أدلة جدية تكشف للمرة الأولى عن بعض أسماء من تم ترحيلهم (فى إطار برنامج الترحيل غير القانونى) ومتى جرى ذلك». ورغم أنه كشف عن أن «أمنستى» أجرت اتصالات مع بعض الضحايا، فإنه أشار إلى أن منظمته «ليس لديها أى تقدير لعدد هؤلاء الأشخاص»، ملقيا باللوم على الولاياتالمتحدة، التى قال إنها «ترفض توفير أى معلومات». وقال المسئول الحقوقى الدولى إن المنظمة لديها اتصالات مع السلطات الأمريكية سواء من خلال ممثلى المنظمة فى الولاياتالمتحدة أو عبر مقرها بلندن، داعيا واشنطن، التى اعترف مسئولوها مؤخرا باستخدام أساليب تعذيب مثل الإيهام بالإغراق، إلى «متابعة هذا الملف». وشدد برجر على أن المنظمة تأمل فى أن تتمكن عبر آليات ومؤسسات الاتحاد الأوروبى من تحقيق تقدم على صعيد «الامتثال لأحكام القانون الدولى فيما يتعلق بعمليات الترحيل التى قامت بها واشنطن بمساعدة حكومات أوروبية». وأرجع ذلك إلى أن منظمته تعتقد أن فى أوروبا أرضية ملائمة بشكل ما تمكننا من المضى على الطريق السليم لوضع حد لمسألة الإفلات من العقاب وتحقيق العدالة للناس. وفيما أشار إلى أن التقرير الأخير صدر فى توقيت «شديد الأهمية بالنسبة للمنظمة»، ألمح مراقبون إلى أن اختيار هذا التوقيت استهدف دفع القادة الأوروبيين إلى ممارسة ضغوط على الرئيس الأمريكى باراك أوباما خلال القمة الأمريكية الأوروبية المقررة السبت المقبل فى البرتغال، وذلك لفتح تحقيق فى عمليات الترحيل غير القانونية. وسبق أن أعرب أوباما عن تمسكه بالإبقاء على هذه العمليات، معتبرا أنها تشكل «خيارا فى الحرب ضد الإرهاب»، رغم ما تثيره من انتقادات من قبل المنظمات المعنية بحقوق الإنسان. لكن برجر قال ل«الشروق» إن عمليات الترحيل الأمريكية «أعادت ممارسات التعذيب من جديد إلى أوروبا»، مشيرا إلى أن «العفو الدولية» دعت العديد من المؤسسات الأوروبية للتعامل بجدية مع هذا الأمر، وأن تقوم بإجراء ما حياله، إذ إننا نحتاج لاعتراف تلك المؤسسات بأن مثل هذه الانتهاكات قد وقعت، وأن ثمة حاجة لتوضيح ملابساتها. وبحسب برجر فإن ذلك ليس إلا «الحد الأدنى الذى يتعين على هذه المؤسسات القيام به» قائلا إن «أمنستى» ترغب فى أن تقوم تلك المؤسسات «بما هو أكثر، وذلك عبر سن قانون يمنع حدوث ذلك بهدف الحيلولة دون تكرار مثل هذه الانتهاكات فى المستقبل». وفيما يتعلق بالتحقيقات الجارية حول سجون ال «سى آى أيه» السرية فى أوروبا وسماح عدد من دول القارة باستخدام مطاراتها فى عمليات الترحيل، قال المسئول الحقوقى إن هناك بعض الدول الأوروبية مثل مقدونيا ورومانيا أنكرت تماما اقترافها لأى انتهاكات من هذا القبيل، وبالتحديد بوخارست، التى نفت أن تكون قد غضت الطرف عن أى أعمال جرت خارج إطار القانون. ولكنه كشف النقاب فى الوقت ذاته عن أن «بولندا أقرت للمرة الأولى بوقوع انتهاكات، كما أن هناك تحقيقات تجرى بشأن وقائع مماثلة فى ليتوانيا»، مشيرا إلى أن منظمته حصلت على «بيانات ومعلومات جديدة تظهر أن دولا مثل فنلندا ربما لم تكن بعيدة تماما عن المشهد». واعتبر برجر أنه كلما ظهرت معلومات جديدة أصبحت الحكومات الأوروبية مضطرة للتحرك، معربا عن ثقته بأن الحقيقة ستظهر للعيان، وقد يحدث ذلك الآن أو خلال عام أو ربما عشرة أعوام، ولكننا لن نتخلى عن هذا الملف. وستتحقق العدالة فى نهاية المطاف. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، أقر عدد من الدول الأوروبية بأن (سى آى أيه) استخدمت أراضيها لنقل أو احتجاز «من يشتبه فى أنهم إرهابيون»، وذلك منذ وقوع هجمات 11 سبتمبر 2001 على نيويوركوواشنطن. لكن منظمة العفو الدولية اعتبرت أن هذه الدول لم تقم حتى الآن بما يكفى لكشف حقيقة ما حدث خلال سنوات تعاونها مع الولاياتالمتحدة فى إطار ما سمته واشنطن «الحرب ضد الإرهاب».