ظل اللافت فى حوادث التحرش الأخيرة بالمدارس أن أبطالها من المعلمين سبق أن اتهموا فى وقائع مشابهة داخل المدارس، ومع هذا بقى «المعلم» فى نفس وظيفته، ليزداد عدد ضحاياه واحدة بعد الأخرى فى صمت غالبا خوفا من الفضيحة، إلى أن يقرر أحد الضحايا الصراخ بصوت أعلى من الجميع. ليبقى السؤال حول مسئولية من يشارك فى بقاء هؤلاء المتحرشين فى أماكنهم بين الأطفال الذين لا حول لهم ولا قوة؟. قال عمر مرسى مدرس الفلسفة بمدرسة السيدة نفيسة الإلكترونية بنات إنه من الناحية النظرية يفترض أن يخضع المعلمون لاختبارات نفسية وسلوكية قبل أن يتولوا أمر الطلاب، للتأكد من كونهم يصلحون للتعامل مع الاطفال فى المراحل العمرية المختلفة، لكن الواقع يؤكد أن هذا لا يحدث وأن بعض الإجراءات التى تتخذ فى هذا الشأن تكون «شكلية» أكثر من كونها حقيقية، يفترض أن تجرى على أيدى أطباء نفسيين متخصصين فى ذلك. مؤكدا أن المعلم الذى يتحرش بطالبة فى الابتدائى لا يمكن أن يكون طبيعيا بل هو مريض نفسى، و يجب ألا يستمر مثل هذا المعلم فى مهنة التدريس إلا إذا خضع لعلاج نفسى، وأوصى الطبيب بعده أنه أصبح طبيعيا، أو يبقى فى عمل إدارى بعيدا عن الطلاب. فى حين أرجع عبدالتواب عبدالرجال، مدرس اللغة العربية بمدرسة عمرو بن العاص الابتدائية بحلوان، سبب ازدياد اشكال العنف المدرسى ومنها العنف الجنسى إلى إلغاء تكليف خريجى كليات التربية والسماح لخريجى الكليات الأخرى للعمل بالتدريس، قائلا: «أى حد معندوش شغلانة بيروح يشتغل مدرس فى التربية والتعليم حتى لو كان غير مؤهل»، باعتبار أن طالب كلية التربية يخضع لاختبارات لغوية ونفسية وصحية قبل التحاقه بالكلية، للتأكد من قابليته نفسيا وأخلاقيا للتعامل مع الطلاب. واقترح سعد عبدالنور مدرس اللغة العربية بمدرسة المهندسين الإعدادية ضرورة إجراء اختبار نفسى لكل الموظفين بالدولة لأنهم يتعاملون مع المواطنين كبارا وصغارا، وخاصة المعلمين لأنهم يتعاملون مع الفئة الاضعف فى المجتمع والتى لا يمكنها الدفاع عن نفسها فى أغلب الأحوال، مشيرا إلى أن هذه الممارسات تحدث داخل العديد من مؤسسات الدولة وليس داخل مؤسسة التعليم فقط. «تقييم المعلم سلوكيا ونفسيا أهم من تقييمه من الناحية العلمية»، هذا ما أكدته إكرام أحمد موجهة اللغة الإنجليزية بمديرية التعليم بالجيزة، موضحة أن معايير تقييم أداء المعلم التى تجرى دوريا للمعلمين تتضمن معيار «سلوك المعلم» سواء مع زملائه أو مع الطلاب، لكن المقيم غالبا لا يعير هذا المؤشر اهتماما إلا إذا وصلت الشكاوى من المعلم إلى مايثبت التحرش بالفعل، فى حين أن المفروض أن يكون هذا المعيار لحماية الطلاب قبل وقوع أى اعتداء من خلال طرق علمية معينة لقياس استعداده لهذه السلوكيات تتضمن أسئلة للطلاب أيضا، لكن بشكل غير مباشر حتى لا يستغلها الطلاب كذريعة ضد المعلم دون وجه حق. فى حين حمّل د. شبل بدران عميد كلية التربية بجامعة الإسكندرية نقابة المعلمين مسئولية تنظيم برامج للتنمية المهنية والضمير المهنى والمسئولية الاجتماعية والقوانين الأخلاقية، موضحا أن هذه البرامج تزرع داخل المعلم قدسية المدرسة، تجعلها بمثابة المسجد والكنيسة لديه (حسب تعبيره)، متهما النقابة بالتقصير فى هذا الدور، بعد أن اقتصر دورها الآن على صرف المعاشات حسب رأيه، لافتا إلى أن الادارات والمديريات التعليمية تسهم فى تدنى المستوى المطلوب للمعلم لسماحها بعمل المعلمين بنظام الحصة أو العقود المؤقتة دون أن تؤهلهم للعمل ببرامج قبلية للمسئولية الاخلاقية والتنمية المهنية. بينما ركز د. محمد السكران أستاذ أصول التربية بجامعة الفيوم على أهمية دور الأسرة وتعاونها مع المدرسة لمواجهة أى سلوكيات تتنافى مع القيم والأخلاق من خلال إبلاغ المسئولين بالمدرسة، وعدم الخوف من الفضيحة، لأن التكتم على مثل هذه الممارسات هو الذى يفاقمها. على الجانب الآخر، لفت عبدالحفيظ طايل، مدير المركز المصرى للحق فى التعليم، إلى أن المناخ المدرسى يساعد على ظهور مثل هذه الممارسات التى يمكن ألا تظهر فى مناخ آخر، معتبرا أن الفصول المكدسة تساعد على تحرش الطلاب ببعضهم البعض أو على تحرش المدرس بالتلاميذ، وأن هذا النوع من العنف هو جزء من عنف أكبر يمارسه الطلاب ضد بعضهم البعض، كما يمارس بين المعلمين والطلاب نتيجة للعنف الذى تمارسه الوزارة ضدهم بحسب رأيه، ويتمثل فى القرارات التى وصفها بالتعسفية ضد المعلمين، وبتأخر وصول الكتب المدرسية للطلاب، وأن يحتوى الفصل الدراسى على أكثر من 60 طالبا، وأن يكون راتب بعض المعلمين 100 جنيه والإدارى 150 جنيها، مقترحا وضع نصوص رادعة فى قانون التعليم تنظم العلاقة بين الطالب والمعلم لمحاسبة من يتجاوز فى حق الآخر للحد من ظاهرة العنف المدرسى، بالإضافة إلى تنظيم حملات توعية ثقافية بالمجتمع تحذر من العنف.