لم يقتصر تأثير الوثائق التى كشف عنها موقع «ويكيليكس»، مؤخرا على إثارة قضية انتهاك حقوق الانسان فى العراق، وما تعرض له المعتقلون من أعمال تعذيب فى المعتقلات، ولكنها أثارت قضية أخرى، قد يكون لها أقوى تأثير على مستقبل بلاد الرافدين، قضية «النفوذ الإيرانى فى العراق». فبعض هذه الوثائق، أكد دور الحرس الثورى الإيرانى فى عمليات الاغتيال والتفجيرات فى العراق. وتشير الوثائق أيضا إلى اعترافات معتقلين تلقوا تدريبا فى إيران وإلى أسلحة عثرت عليها القوات الأمريكية مصدرها إيران. كما ذكرت الوثائق دور فيلق القدس فى الحرس الثورى الإيرانى فى دعم وتسليح الميليشيات العراقية. وفى هذا السياق، صدرت حديثا دراسة عن معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى كتبها مايكل نايتس، تشير إلى أن العراق تحول إلى «مرتع للنفوذ الإيرانى»، سياسيا واقتصاديا، وبأن العراق أصبح بالنسبة لإيران مثلما كان لبنان بالنسبة لسوريا. ويتساءل نايتس فى الدراسة عن الأسباب التى مكنت إيران من بسط نفوذها فى العراق، وهل القضاء على نظام صدام حسين هو الذى فتح الباب لهذا النفوذ؟ ويرى عبدالحليم محجوب، كاتب ومحلل سياسى متخصص فى الشأن العراقى، فى اتصال هاتفى مع «الشروق»، وجود نفوذ إيرانى فى العراق، والسبب هو «الاحتلال الأمريكى الذى فتح تصفية الحسابات مع السنة تحت شعار رد المظالم والتى بالطبع ستكون رد المظالم للشيعة». وأضاف «الاحتلال جاء بالتقسيمات والطائفية، وأصل النظام الفيدرالى الذى أصبح يصعب التخلص منه، وكل هذا أصل النفوذ الإيرانى». من جانبه، قال حسين راوى ران، محلل سياسى إيرانى، فى تصريحات ل«الشروق» إن النفوذ الإيرانى فى العراق «لم يأت بتخطيط مسبق ولكن نتيجة ظروف سياسية، فهو نفوذ طبيعى وليس مكتسبا». وتابع: «المعارضة التى هاجرت إلى إيران أيام حكم صدام حسين تأثرت بنموذج الثورة الإسلامية وعندما عادت إلى العراق أصبحت فى الحكومة العراقية، وهكذا حدث النفوذ الإيرانى فى العراق». وتقول الدراسة بأن إيران فى سبيل ترسيخ نفوذها تسعى إلى أن تحول دون استعادة العراق لمكانته كتهديد عسكرى لها، أو تحوله لقاعدة انطلاق لهجوم أمريكى. ولكن راوى ران لا يرى فى القوة العسكرية العراقية أى تهديد على إيران، مدللا على ذلك بتصريح الرئيس الإيرانى محمود أحمدى نجاد بأن تسليح أمريكا للجيش العراقى هو سبب الفوضى الأمنية فى العراق، واقتراحه أن تقوم إيران بتسليح الجيش العراقى. فى حين يستبعد محجوب حاجة أمريكا للعراق لأن أمريكا لديها قواعدها العسكرية فى الخليج، متحفظا على وجود نية أمريكية بتوجيه ضربة عسكرية لإيران، لأنها لو أرادت ذلك لوجهت ضربتها منذ مدة، مؤمنا أن الأمر سيحل بصفقة دبلوماسية بين أمريكا وإيران. ويوضح نايتس أن النفوذ الإيرانى تجاوز الحدود السياسية إلى شبه السيطرة على الاقتصاد العراقى والتحكم فى كثير من مدخلاته، وأنه منذ 2003 شجعت إيران أقاليم شرق العراق للاعتماد على المنتجات الإيرانية والوقود الإيرانى للأغراض المدنية مثل غاز الطهى وغاز التدفئة ووقود السيارات، كما تدعم طهران شبكة توليد الكهرباء العراقية. ولكن محجوب يعارض ذلك معتبرا أنه لا توجد سيطرة إيرانية على الاقتصاد العراقى لكن يوجد ما يمكن أن نسميه «استفادة إيرانية من الاقتصاد العراقى»، معتبرا أن الاقتصاد العراقى يتقدم وبخطى قوية، وخلال خمس سنوات سيكون أقوى من الاقتصاد الإيرانى. ولكن طهران من وقت لآخر ترسل الاشارات التى تقول بأنها الأقوى فى هذه العلاقة، وفقا للدراسة نفسها. فمثلا تقوم إيران بقطع امدادات الوقود والكهرباء فى الشتاء والصيف وهو الوقت الذى يكون فيه العراقيون فى أشد الحاجة إليهما. هذا الأمر أدى إلى مخاوف من أن إيران لديها القدرة على تهديد قدرة العراق على تصدير النفط فى المستقبل، خاصة إذا رغبت طهران فى أن تعترض على طريقة معاملة المجتمع الدولى لها، أو إذا أرادت الحد من قدرة العراق على استبدال الانتاج الإيرانى فى الأسواق العالمية.