يقول المثل الشعبى القديم «يموت الزمار وأصابعه لا تكف عن اللعب»!! أى أن العادة وأسلوب التفكير يظلان يلاحقان الزمار حتى إلى ما بعد الموت فلا يتوقف عن الزمر والرقص تذكرت هذا المثل الشعبى وأنا أتابع موقف الحكومة من الحكم الذى أصدرته محكمة القضاء الإدارى بإلغاء الحرس الجامعى. ولم تطق الحكومة صبرا على احتمال أن يأتى اليوم الذى يخلو فيه حرم الجامعة من رقابة بوليسية وسيطرة أمنية على الحياة الجامعية بكل تفاصيلها. فكان التفسير الذى تقدم به ترزية القوانين بسرعة للالتفاف على الحكم القضائى وإفراغه من مضمونه أن المقصود هو إلغاء تبعية الحرس الجامعى لوزارة الداخلية.. أى الابقاء عليه بصورة ما ولو فى زى قوات بوليس مدنية داخل أسوار الجامعة.. وهو التفسير الذى تبناه رئيس الوزراء ومساعدوه. وبهذه الطريقة فى «اللعب على القانون» والتحايل عليه، نجحت الدولة فى إجهاض معظم القرارات والقوانين التى تصطدم بسياساتها التى تخدم فئات معينة أو تحمى أشخاصا معينين. ولم يعد الأساس فى التعامل بين الحكومة والشعب هو أنها دولة القانون بل قانون الدولة، تعبث به كيف تشاء وتطوعه لأغراضها أو تتجاهله كلما لزم الأمر. والظاهرة المثيرة الآن هى أن حكومتنا بالفعل فى مواجهة الفشل الذريع الذى منيت به كثير من سياساتها، باتت لا تجيد غير الزمر والرقص على جثث القوانين والتشريعات التى تصدرها ثم تنساها. ففى سياق الحملة الانتخابية التى تشغل المجتمع المصرى حاليا، بدأ التلاعب فيها بمنع الحملات الإعلانية لحزب الوفد لانتخابات مجلس الشعب. جريا على العادات القديمة والأساليب المتبعة فى انتخابات سابقة.. وبالمخالفة لكل ضمانات النزاهة والقوانين التى كفلت حق جميع الأحزاب والأفراد فى المنافسة المتكافئة فى الدعاية الانتخابية. وفى نظام مازال يتهجى ألف باء الانتخابات النزيهة أظهر أن الدولة لم تكن مستعدة أو لم تفكر فى ماهية الضمانات اللازمة للدعاية الانتخابية للأحزاب والأفراد وآليات تفعيلها ومراقبة حجم الإنفاق الذى يتكلفه المرشحون وألقت على عاتق اللجنة العليا للانتخابات مسئولية تحديد هذه الضمانات دون آليات تنفيذها. وبينما تُرك للحزب الوطنى استخدام تليفزيون الدولة فى عرض مبادئه والدعاية لمرشحيه، سواء على مستوى المجمعات التى سبقت ترشيح الأعضاء أو على مستوى ما انتهت إليه فى ترشيحات الدوائر، توضع العراقيل أمام بث إعلانات انتخابية لحزب الوفد وغيره من الأحزاب. فى كثير إن لم يكن فى معظم القضايا والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية التى تحاصرنا من كل ناحية، وتنسج أسس الفساد والتسيب، نكتشف فى كل مرة أن احترام الحكومة لسيادة القانون ليس من الأمور المستحبة. وأن عدم تنفيذ القانون والتلاعب به والالتفاف حوله، بات قاعدة مستقرة. وفى كل مرة يحاول عباقرة البيروقراطية اختصار المسافة وتجاوز الخطوط المستقيمة، وقعت الحكومة فى المحذور وانكشفت. وخذ عندك مثالا عقد «مدينتى» الذى كشف رئيس محاكم القضاء الإدارى أخيرا عن شبهة التواطؤ بين هيئة المجتمعات العمرانية وشركة طلعت مصطفى، وكان سببا فى بطلان عقد «مدينتى» الذى أبرم خلسة دون عرضه على مجلس الدولة. وتسبب فى خسائر مادية باهظة وانتقاص لسمعة الدولة. ونفس الخطأ ارتكبته الحكومة حين رفضت تنفيذ حكم قضائى فى قضية رجل الأعمال وجيه سياج يلزمها بدفع تعويض 7 ملايين جنيه عن نزع أراض كانت خصصتها له. وترتب على عدم تنفيذه اللجوء إلى التحكيم الدولى، ليصدر حكم بتغريم مصر نحو 270 مليون جنيه. تطفو هذه القضايا على السطح دفعة واحدة، ولا يكاد يمر أسبوع فى هذه الأيام الانتخابية «المباركة» دون أن يصدر حكم قضائى يضاف إلى سابقيه أو يؤكد حكما سابقا، وآخرها ذلك الحكم الخاص بالحد الأدنى للأجور الذى تماطل الحكومة فى تنفيذه. وفى كل بلاد العالم التى تحترم فيها القوانين، يحاسب المسئولون الذين تسببوا فى إهدار المال العام، ويرغمون على تعويض ما تسببوا فيه من خسائر.. أما فى بلادنا فإن اللعب بالقانون أو على القانون أصبح شطارة ومهارة وحرفة