تعيش تونس هذه الأيام جدلا حول إسناد رخص بث لإذاعات خاصة، تحتكرها شخصيات توصف ب"المقربة" من دوائر عليا من السلطة، ورغم تفضيل قطاع مهم من المستمعين للإذاعات الخاصة على الحكومية، إلا أن برامجها تثير الانقسام فيما بينهم، حيث ارتفع عدد الإذاعات الخاصة في تونس التي تهيمن فيها الدولة على القطاع السمعي البصري إلى خمس، بعد شروع إذاعة "شمس إف إم" في البث نهاية شهر سبتمبر. انفتاح وتقول الحكومة إن الترخيص لهذه الإذاعات "علامة انفتاح إعلامي" في تونس، في الوقت الذي تواجه فيه انتقادات كبيرة في مجال حرية التعبير، إلا أن إعلاميين مستقلين وسياسيين معارضين ينتقدون "حصر" إسناد رخص الإذاعات إلى مقرّبين من مسؤولين رفيعين في الدولة، ويتّهمون الإدارة ب"تجاهل" مطالب تراخيص أخرى. وقد احتكرت الدولة في تونس، منذ استقلالها عام 1956، الترددات الإذاعية. وفي عام 2003 كان أول ترخيص لإذاعة خاصة أطلق عليها اسم "موزاييك إف إم"، وفي عام 2005 رخص لإذاعة "جوهرة إف إم" وفي عام 2007 ل"إذاعة الزيتونية للقرآن الكريم" كأول إذاعة دينية في تونس. ويملك هذه الإذاعات الخاصة الثلاث رجال أعمال يوصفون بالمقربين من دوائر عليا في الدولة. مقربون وأدى "حصر" إسناد الرخص في فئة "مقربين من السلطة"، إلى توجيه عدد من المعارضين انتقادات للحكومة والحديث عن توزيع "كعكة" الإعلانات الإذاعية "الدسمة" على المقربين من السلطة. حيث بلغت قيمة هذه الإعلانات سنة 2009 نحو 30 مليون يورو، استحوذت إذاعتا "موزاييك إف إم" و"جوهرة إف إم" على أغلبها باعتبار أن إذاعة الزيتونية الدينية لا تبث إعلانات تجارية. وقد اعتبرت صحيفة "الطريق الجديد" الأسبوعية الناطقة باسم حزب "حركة التجديد" المعارض، أن الرخص التي تم إسنادها إلى أصحاب الإذاعات الخاصة "لا تستند إلى أي أساس قانوني"، وقالت إن القانون التونسي ينص منذ سنة 1957 على "احتكار الدولة لمؤسسات الإعلام السمعي البصري" ولا يتضمّن أي بند يسمح بإسناد رخص إذاعات إلى خواص. مغضوب عليهم ويشتكي بعض الإعلاميين في تونس من "حرمانهم من حق تأسيس إذاعات خاصة" ومن "تجاهل" السلطات لمطالبهم وعدم الرد عليها، وقال صالح الفورتي رئيس "النقابة التونسية للإذاعات الحرّة" في حوار مع دويتشه فيله إنه تقدم منذ سنة 1987 بطلب للحصول على رخصة لإطلاق إذاعة خاصة تبث على موجة "إف إم" إلا أنه لم يحصل إلى اليوم على أي رد من الإدارة. وأحدث مؤسسو ست إذاعات خاصة تونسية هذه "النقابة" سنة 2005 للمطالبة ب"حقهم" في رخص إذاعات خاصة. ويقول هؤلاء، وأغلبهم معارضون للحكومة، إن السلطات "تجاهلت" مطالبهم في بعث إذاعات خاصة لأسباب "سياسية". ومن جهته، كان الصحافي زياد الهاني قد رفع سنة 2005 دعوى قضائية ضد وزارتي "الاتصال" (الإعلام) و"تكنولوجيا الاتصال" (الاتصالات التكنولوجية) أمام المحكمة الإدارية، احتجاجًا على منح الوزارتين صهر الرئيس التونسي رخصة إذاعة "موزاييك" سنة 2003 وتجاهلهما مطلبًا تقدم به سنة 1995 للحصول على رخصة إذاعة خاصة أطلق عليها اسم "قرطاج". دون سبب وقال الهاني إن الوزارتين أبلغتاه في "رسائل رسميّة"، تسلمها عبر المحكمة، بأنه "لا يحق له المطالبة برخصة إذاعة" لأن القانون التونسي يمنع ذلك وأنه لا يحق له أيضًا مطالبة الإدارة بمعاملته على قدم المساواة مع الذين حصلوا على تراخيص البث الإذاعي "لأن ذلك يدخل في السلطة التقديرية المطلقة للإدارة ولا حق للغير الاحتجاج به". وأظهرت مؤسسات مختصة في قياس نسب الاستماع إلى الإذاعات التونسية أن الخاصة منها حققت نجاحًا جماهيريًا لافتًا، وسحبت البساط من تحت أقدام الإذاعات الحكومية. وبحسب إحصاءات لهذه المؤسسات، تحتل إذاعتا "موزاييك" و"الزيتونية" المراتب الأولى في نسب الاستماع. بينما تتمتع إذاعة "جوهرة إف إم" التي يوجد مقرها بمدينة سوسة (140 كيلومترًا شرق العاصمة تونس) بجاذبية خاصة لدى المستمعين في مناطق الساحل الشرقي للبلاد.