اعترف أشقاؤنا فى تونس بفساد الهدف الذى أخرج فريق الأهلى من بطولة أفريقيا، وتهكم الإعلاميون والجمهور التونسى على الحكم الذى احتسب لهم هدفا «فطيس» من لمسة يد واضحة، لكنهم مع ذلك احتفلوا ورقصوا للانتصار على أكبر فريق فى أفريقيا. والشىء نفسه حدث فى القاهرة قبل أسبوعين، فاز الأهلى بفارق هدف على الترجى التونسى، فوز كان أيضا فاسدا ومن لمسة يد واضحة، اعترف بها غالبية النقاد والمتابعين، إلا أن ذلك لم يمنع جماهير الأهلى ونقاده من الاحتفال بالانتصار والرقص فرحا بالفوز. إذن كلنا فى الهم «ميكيافيلليون» يسكرنا خمر الفوز وتعمينا شهوة الانتصار عن الوسيلة التى جاء بها، لا نتوقف عند أخلاقية الإنجاز أو لا أخلاقيته، ومن ثم ننصب كرنفالات الفرح بالسقوط والتدنى والخيبة الحضارية. هل العيب فينا أم فى كرة القدم، هل هى لعبة غير أخلاقية بالمرة أم أننا مسئولون عن إضفاء الأخلاقية عليها أو نزعها منها؟ السؤال قديم وأزلى أفنى فى إجابته فلاسفة ومفكرون منذ سقراط وأنت قادم: القيم ذاتية ونسبية أم موضوعية؟ بصيغة أخرى: هل أخلاقية الفعل مسألة نسبية، بمعنى هل يمكن أن يكون الشىء أخلاقيا وخيرا وحقا وجميلا بالنسبة لى، بينما هو غير أخلاقى وشرير وباطل وقبيح بالنسبة لك؟ أم أن القيم موضوعية وثابتة ولا تتغير أخلاقيتها وعدم أخلاقيتها بتغير الأشخاص والأماكن والأزمنة؟ الإجابة عن هذا السؤال تحدد جوهر وجود أى شخص، وهى الإجابة التى قتل من أجلها سقراط أبو الفلاسفة، عندما تصدى لتيار السوفسطائيين أو تجار العلم الذين حولوا القيم إلى أشياء نسبية متغيرة، وجعلوها سلعة تباع وتشترى. كان سقراط منافحا عن الحق والفضيلة، بينما كان السوفسطائيون محامين يدافعون الشطارة والفهلوة والمكسب السريع، بصرف النظر عن الوسائل ودون التوقف عند شرعية الربح أو لا شرعيته.. ومن ثم كان للحق عندهم ألف وجه ووجه. ويبدو أننا صرنا أبناء مخلصين لفكرة السفسطة ونسف فكرة الفضيلة، وتحويل الضلالات إلى حقائق، ستجد تجليات ذلك الاتجاه فى حزب الفوتوشوب وستسمع صداه فى مأساة المرحومة الدستور، حين يقولون إنهم احتلوها من أجل دعمها، بينما هم وأدوها وواروها الثرى، ولابد أنك تابعته فى رقصات الترجاوية والأهلاوية على إيقاع الفوز الفاسد فى القاهرةوتونس.