في الوقت الذي كانت فيه قضية العنصرية مثار جدل مثير وتأويلات مختلفة وانسحابات واحتجاجات في مؤتمر الأممالمتحدة لمناهضة العنصرية في جنيف ، والمعروف باسم "ديربان 2" ، أطلت العنصرية بوجهها البغيض أيضا على ملاعب كرة القدم العالمية لتؤكد أنها ما زالت واحدة من أبرز المشكلات التي تشوه جمال الرياضة وسمو معانيها على الرغم من الحملات الدعائية المتتالية لمحاربتها. فقد تحول مهاجم إيطالي أسود البشرة – من أصول أفريقية – هو ماريو بالوتيللي في الفترة الماضية إلى "أيقونة" قضية العنصرية في ملاعب الكرة الأوروبية بصفة عامة والإيطالية بوجه خاص ، بعد أن أصبحت الهتافات والمضايقات العنصرية التي يتعرض لها في معظم المباريات التي يشارك فيها تفوق كل الحدود ، وتحولت إلى ما يشبه "الموضة" أو "اللعبة" التي يعشق البعض الترفيه عن نفسه بها! ففي مباراة قمة الدوري الإيطالي الأخيرة بين يوفنتوس وإنتر ميلان على استاد تورينو الأوليمبي – معقل اليوفنتوس – تعرض بالوتيللي مهاجم الإنتر لهتافات عنصرية جديدة تمس لون بشرته السمراء ، على الرغم من أن هذا اللاعب يعد من أبرز نجوم الدوري الإيطالي في الموسم الحالي ، ويلعب لنادي الإنتر – متصدر المسابقة – فضلا عن أنه لاعب دولي في منتخب إيطاليا للشباب تحت عشرين عاما ، وبات الطريق مفتوحا أمامه لتمثيل منتخب إيطاليا الأول ليكون أول لاعب أسمر يدخل تشكيلة المنتخب "الأتزوري". وتعرض بالوتيللي خلال المباراة لصفافير استهجان وأصوات صراخ تعبر عن الازدراء من جانب قطاع كبير من جماهير يوفنتوس التي كانت تملأ الاستاد الأوليمبي في تلك المباراة التي انتهت بتعادل الفريقين بهدف قاتل أحرزه بالوتيللي نفسه ، ليضع فريقه الإنتر في صدارة المسابقة بفارق شاسع عن منافسه يوفنتوس وصل إلى عشر نقاط ، مما يعني أن الإنتر بات – من الناحية العملية – بطلا للدوري الإيطالي للموسم الحالي. وبعد المباراة ب48 ساعة فقط ، وبعد أن وصفت الصحف الإيطالية الصادرة في اليوم التالي ما حدث بأنه "عار قومي" ، أصدر قاض رياضي إيطالي قرارا بمعاقبة نادي يوفنتوس بخوض مباراة واحدة على ملعبه بدون جمهور بسبب هذه التصرفات الهتافات العنصرية الساخرة ضد لاعب الإنتر ، مما يعني أن اليوفي سيلعب مباراته المقبلة أمام ليتشي في الثالث من مايو المقبل في الاستاد الأوليمبي أيضا بدون جمهور ، علما بأن النادي الذي يطلق عليه لقب "السيدة العجوز" يخوض صراعا شرسا مع منافسه الميلان للفوز بالمركز الثاني خلف الإنتر. وقال القاضي جان باولو توسيل في قراره إن "بالوتيللي - الغاني الأصل - تعرض لهتافات عنصرية رددها مشجعو يوفنتوس طيلة المباراة ومن جميع المدرجات". وفي محاولة منه لتهدئة الموقف ، اعتذر جيوفاني جوبوللي جيلي رئيس نادي يوفنتوس عن سلوك جماهيره المشين ، بينما نقلت صحيفة "لا جازيتا ديللو سبورت" عن ماسيمو موراتي رئيس نادي إنتر ميلان قوله إنه لو كان موجودا في الاستاد وقت ترديد هذه الهتافات والصفافير لنزل إلى أرض الملعب وسحب فريقه فورا للاحتجاج على ما يحدث. كما أثارت قضية بالوتيللي ردود فعل واسعة من شخصيات أخرى ، ومن بينهم كارلوس دونجا المدير الفني لمنتخب البرازيل الذي تصادف حضوره للمباراة نفسها لمتابعة لاعبي منتخب البرازيل المحترفين في الفريقين ، حيث طالب بضرورة اتخاذ موقف حازم ضد هذه التصرفات. وقال دونجا : "العنصرية أمر سيء جدا بصفة عامة .. ولكننا نشعر بها بشكل أكبر في كرة القدم لوجود لاعبين من مختلف أنحاء العالم .. الناس يريدون التنفيس عن غضبهم ، ولكنهم يفعلون ذلك بطريقة خاطئة". ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتعرض فيها بالوتيللي لمثل هذه الهتافات هذا الموسم ، والمعروف أنه يبلغ من العمر حاليا 18 عاما فقط ، وهو إيطالي الجنسية من مواليد مدينة باليرمو عاصمة جزيرة صقلية ، ولكن عائلته تعود جذورها إلى غانا ، وتبنته عائلة إيطالية وهو في الثالثة من عمره ، ونشأ في بريشيا ، قبل أن يبدي تألقا كرويا لافتا أهله للانتقال إلى الإنتر ، وغامر البرتغالي جوزيه مورينيو المدير الفني للفريق الأول بالدفع به في مباريات الموسم الحالي لاقتناعه بإمكانياته ، فأصبح أحد نجوم الكالتشو. ولكن كثيرين ينتقدون بالوتيللي بسبب أدائه العنيف في الملعب ، وهو الأمر الذي اعترف به اللاعب نفسه ، مما شوه سمعته أمام اللاعبين الآخرين وجماهير الفرق المنافسة ، وجعله عرضة لمثل هذه التصرفات. وتعليقا على ذلك يقول بالوتيللي : "هذه هي شخصيتي .. فإذا استفزني أحدهم لا انفعل دائما وإنما أشكو .. ولاعبو الفرق المنافسة يعرفون أن هذه نقطة ضعفي لذلك .. فهم يتعمدون استفزازي دائما وأعرف أنني يجب أن أعمل على معالجة هذه المشكلة لدي". وعلق نيكولا ليجروتالي مدافع يوفنتوس على سلوك بالوتيللي قائلا : "لا أريد أن أبدو كواعظ ، ولكن في شوط المباراة الأول تعمد بالوتيللي ركلي مرتين من الخلف وبدون كرة ، ونقل التليفزيون إحدى هاتين الركلتين". وأضاف: "لديه سلوك في رأيي يجب أن يغيره .. فهو لاعب رائع .. ولا داعي لأن يتصرف بهذه الطريقة". ولن يكون قرار القاضي الرياضي هو الوحيد في هذا الإطار ، حيث بدأ مسئولو اتحاد الكرة الإيطالي مناقشات بهدف إدخال معايير جديدة تسمح للشرطة بإيقاف المباريات في حالة صدور هتافات أو تصرفات عنصرية من جانب أي من الجماهير ، في محاولة للحد من هذه الظاهرة.