عندما تسلَّم أوباما الحكم فى بداية عام 2009، كان الاقتصاد والأسواق المالية فى حالة سقوط حُر غير محكوم. وفى الصيف، انتهى هذا الوضع. سيرى المتحزبون فقط أن سياسات أوباما لم يكن لها شأن فى تغير هذا الاتجاه. حيث ساعدت قوته على تهدئة الهيستيريا السائدة. وعلى وجه الدقة، بدأ كثير من سياسات الانتعاش، التى جاءت من بنك الاحتياط الفيدرالى وغيره لا سيما برنامج إنقاذ الأصول المتعثرة الذى لا يحظى بشعبية فى ظل إدارة بوش. بينما تضمنت إسهامات أوباما «برنامج التحفيز». وإنقاذ صناعة السيارات، وإجراء «اختبار مدى التحمل» على 19 بنكا كبيرا. وبحث هذا الاختبار فيما إذا كانت البنوك بحاجة إلى ضخ رأسمالى كبير. ولم يكن كثير منها فى حاجة إلى ذلك. كانت عملية فوضوية، ورغم وجود عديد من التفاصيل التى يمكن وضعها محل تساؤل، فقد كانت الآثار ضخمة. ولولا رد فعل الحكومة الجرىء لانخفض نمو الإنتاج المحلى بنسبة 12% وليس 4%، ولأصبحت فرص العمل الضائعة 16.6 مليون فرصة عمل وليس 8.4 مليون فرصة عمل، وفقا لتقدير الخبيرين الاقتصاديين آلان بليندر ومارك برينستون من مؤسسة موديز أناليتيكس. ولقفزت البطالة إلى 16%. ورغم أن هذه الأرقام يمكن الاختلاف بشأنها (فهى تبدو مرتفعة بالنسبة لى)، ولكن الاتجاه صحيح بلا شك. وإلى حد ما، من غير المنصف أيضا توجيه اللوم إلى أوباما بسبب أن الانتعاش متواضع. لقد أفرط ملايين الأمريكيين فى الاقتراض. وكان من شأن تسديد الديون التأثير سلبا فى انفاق المستهلكين البالغ 10 تريليونات دولار. فهل يمكن لأى شخص واقعى أن يحيد هذا الأمر؟ لا. كما لا يمكن التغلب على الانهيار فى قطاع الإسكان بسرعة. وهكذا ففى إدانة اليمين الكاملة لأوباما مبالغة شديدة، إلا أنها رغم ذلك ليست فى غير محلها تماما. فبينما تعد الثقة شيئا حاسما فى تحفيز إنفاق المستهلك واستثمار الشركات، فإن أوباما يفسد تلك الثقة بصورة مستمرة. ذلك أنه تراجع فى العام الماضى عن بعض نواياه الحسنة فى الشهور الأولى لتوليته. وهو يحب السعى إلى معارك مع أصحاب بنوك وول ستريت وشركات النفط والشركات متعددة الجنسيات وشركات التأمين الصحى وغيرها. ويظن أن بإمكانه فصل السياسات الداعية إلى تعزيز الانتعاش عن تلك التى تراعى «قاعدته» الليبرالية، حتى عندما ترفع السياسات الحزبية تكلفة الشركات أو تعوق خلق فرص العمل أو تفاقم حالة التردد العامة، ومن ثم تقوض الانتعاش. لقد أدى «الإصلاح» الذى اتبعه فى الرعاية الصحية إلى أن أصبح التوظيف أكثر تكلفة بالنسبة لأصحاب الاعمال من خلال فرض التغطية التأمينية. بينما يقضى وقف التنقيب على النفط فى المياه العميقة على فرص العمل. وتقدّر الإدارة أن فرص العمل التى تمت خسارتها وصلت إلى 12000. ويعد مشروع أوباما لزيادة الضرائب على الدخول الشخصية المتجاوزة 250000 دولار (200000 بالنسبة للأعزب) أحدث مثال لهذا الأسلوب الوهمى. إذ إنه يروى الرغبة الليبرالية فى «النيل من الأغنياء». حسنا، فسوف يتوجب على الأغنياء ومعظم دافعى الضرائب فى نهاية المطاف دفع ضرائب أعلى من أجل المعاونة فى سد عجز الميزانية. ولكن ليس الآن. لا معنى لرفع الضرائب فى اقتصاد ضعيف. ولننظر إلى هذه الحقيقة المذهلة: تمثل هذه الأسر الثرية ربع الإنفاق الاستهلاكى تقريبا، وفقا لزاندى. وفى تقديره فإن زيادة الضرائب عليهم سوف تكلف 770000 فرصة عمل فى منتصف عام 2012. ويقول ريتشارد كورتين مدير مسح المستهلكين الذى قامت به جامعة ميشيجان، إن بياناته تشير إلى أن الشك فى تمديد الخفض الضريبى الذى أدخله بوش قد تسبب بالفعل فى تخفيض المشترين الأثرياء لإنفاقهم. سوف تتأثر كذلك بعض الشركات الصغيرة، لأن الكثير منها (تلك التى يملكها أفراد، والشركات والأقسام الفرعية للشركات الصغيرة) يكون دفع ضرائبها طبقا للعوائد الشخصية. كما أن الضرائب الأعلى لن تشجع التوظيف والتوسع. ولا يعلم أحد المدى عن يقين، لكن مركز السياسات الضريبية يقدر أن ضرائب أعلى على الشركات سوف تؤثر على عوائد 725000 حالة بما يبلغ نحو 400 مليار دولار من دخل الشركات. وتتمثل معظم هذه الحالات فى شراكات الأطباء والمحامين والمحاسبين. والحالات الأخرى تؤثر على المقاولين وأصحاب المطاعم وباعة الزهور والقائمين بأعمال السباكة. يمكن إرجاع كل الخطاب الحزبى إلى «السياسة فى صورتها المعتادة». وهذا هو بيت القصيد. ففى انتخابات يغلب عليها الاقتصاد، كان خطاب الحملة منفصلا بصورة غريبة عن الحقائق الاقتصادية الأساسية. بينما تتعارض سذاجات اليمين مع سذاجات اليسار. فى الكتب المرجعية، توضح الانتخابات القضايا المعقدة وتساعد على حل الصراعات الاجتماعية. وهى فى الواقع تعمل دائما على نشر البلبلة وخلق توقعات غير حقيقية، كما ينشر السياسيون حلولا زائفة ويقدمون وعودا بعيدة المنال. فى حين يجب على الأمريكيين اتخاذ قرارات اقتصادية حاسمة. فكيف يمكن تخفيض العجز الطويل المدى فى الميزانية دون تهديد الانتعاش الحالى؟ وكيف يمكن التحكم فى الإنفاق على الصحة دون الإضرار بالرعاية الصحية؟ وكيف يمكن التكيف مع مجتمع أخذ فى الشيخوخة مع الإبقاء على اقتصاد قوي؟ حول هذه الاسئلة العسيرة وغيرها، هناك صمت يصم الآذان.