من الأهمية بمكان أن يدرك المسلم أن سنة الرسول ([) هى نظرية كاملة لحياة حضارية إنسانية راقية تصنع خير أمة أخرجت للناس وليست السنة النبوية كما يتصور البعض مجموعة أحكام نبوية يمكن للمسلم أن يفعل أى حكم منها، وكذلك يترك أى حكم منها، باعتبار أن من فعل السنة النبوية نال ثوابا ومن تركها لا عقاب عليه، وهذا الفهم منقوص واقتداء غير منضبط، وخطورة هذا الفهم شديدة على صاحبه من ناحيته وعلى الدين من ناحية أخرى. أما خطورة هذا الفهم الخاطئ على صاحبه فتتجلى فى اقتناعه أنه أصاب السنة واهتدى بها بمجرد اختياره واستجابته لبعض الأحكام دون دراية بأصل الموضوع ولا مقصده، فضلا عن عدم إدراكه للهيكل العام لنظرية السنة النبوية الشريفة التى نحاول التعبير عنها على قدر مقامنا هذا. فعلاقة المسلم بالرسول ([) علاقة طاعة مفروضة من الله محبوبة من العابد موصلة الى حب الله لعباده كما قال تعالى: ((قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)) 31 آل عمران. والطاعة بصفة عامة تستلزم الفهم الكامل الصحيح لما يجب ان نطيع الرسول فيه، ثم بعد ذلك الفهم ترتب أولويات السنة النبوية ترتيبا منطقيا مقبولا مثل ترتيب البناء فيبدأ بوضع قواعد الأساس ثم رفع الأعمدة ثم السقف والجدران وتجهيز مرافق البناء (مياه وإنارة وصرف) فذلك هو الضرورى فى البناء الذى لا يصلح شىء مما بعده دون وجوده، ثم تأتى المرتبة الثانية مرتبة الحاجيات مثل المحارة والبلاط وتوفير الكهرباء والأبواب والنوافذ،ثم المرتبة الثالثة مثل الدهانات ووسائل الإضاءة ولوازم الديكور إلخ. فهل إذا طلب أحد منك أن تبنى له سكنا تبدأ بإحضار النجف والمصابيح قبل تجهيز وصلات الإضاءة وتدبير وصول التيار؟ وهل تحضر عمال المحارة قبل بناء الجدران والسقف؟ وهل يمكن أن تقيم أعمدة دون أن يسبقها قواعد أساس قوى يتحمل؟ قل لى بالله عليك إذا أمرك والدك بالبناء وأعلنت طاعتك ثم تصرفت هذا التصرف العشوائى فتبدأ بالكماليات قبل الحاجيات والحاجيات قبل الضروريات هل سيتم البناء؟ وكيف الحال إذا تقلصت الموارد بعد شراء الكماليات قبل أن تملك الأرض وتضع الأساس وترفع الأعمدة ثم الجدران؟ وهل إذا فعلت ذلك تكون قد أطعت الأمر؟ أم أنك أخطأت رغم حسن نيتك، واستمرار الخطأ يحوله إلى خطيئة والتمادى يجعل الخطيئة كبيرة حيث تناسيت الأصل والأساس واشتغلت بالزينة والكماليات وذلك المثل الذى ضربناه يوضح حالة من انتقى بعض أحكام السنة بغير فقه وما يمثله ذلك من خطورة على صاحبه. أما خطورة هذا المسلك العشوائى على الإسلام والسنة النبوية فتبدو فى ظاهر السنة النبوية على أنها أستغفر الله سلوكيات غير ثابتة الأساس غير مجدية وغير معقولة المعنى ولهذا أزعم أن السنة النبوية الشريفة نظرية حياة كاملة على مستوى المجتمع وهيكل شخصية سوية على المستوى الفردى معمرة للدنيا مقيمة لدورها الاستخلافى داعية كل من يرى ويسمع إلى محاسن هذا الدين ومكارمه على ساحة العالم أجمع... ونحن نجل دين الله وسنة نبيه ([) من أن تكون على هذا النحو العشوائى الذى نراه. وكما كان الرسول ([) إذا نزلت آية من القرآن قال ([) لكتبة الوحى ضعوها فى سورة (كذا) قبل آية (كذا) وبعد آية (كذا) التزاما بالترتيب الإلهى الذى يبلغه به الوحى فبقى القرآن الكريم مرتبا واضحا فيه تاريخ نزول كل آية وذلك بمعرفة مكان الآية فى السورة حيث أن كل سورة من القرآن معروف ومشهور أين نزلت ونزلت بعد سورة (كذا) و قبل سورة (كذا). أما السنة النبوية فقد منع الرسول ([) زمنا طويلا تدوينها ثم بدأ تدوينها على مهل حتى تعاظم التدوين فى القرن الثانى، وقد اهتم المحدثون (رضى الله عنهم) بالبحث عن النصوص وصحتها خوفا من ضياعها أو نسيانها... ولم يشغلهم بيان متى قيل هذا القول النبوى، وهنا يتحتم دور (الفقه المنهجى) المتفقه فى الصورة الكلية والرؤية الكونية للإسلام بقرآنه وسنته فيتولى ترتيب السنة النبوية ترتيب أولويات طبقا لسلم الضروريات ثم الحاجيات ثم التحسينات.