نبنى ونبنى ونبنى.. ثم نهدم! تأملوا حياتنا ستجدون هذه المعادلة تحكم وتتحكم فى كثير من تفاصيلها. نتعامل مع البشر والحجر سواء، ومع المشروعات والقوانين بنفس الطريقة.. طريقة الشارع! الشارع الذى نمهده ونرصفه ونجمله.. وبعد أن ننتهى، نفتح بطنه! نترك البشر يبنون مساكنهم ويعمرون مزارعهم بمباركة ورعاية الدولة.. وفجأة تتذكر الكومة أن هناك قانونا تم انتهاكه منذ عشرين أو ثلاثين سنة، فتبدأ الإزالة، وإجلاء الأحفاد عمان بناه أجدادهم! قرون وعقود متتابعة نعمق ونغرس فيها مفهوم العروبة وهويتها فى النفوس، ثم من أجل مباراة كرة قدم، نلعن أبو العروبة وأيامها ومن حملونا عليها! نتفاخر لسنوات طويلة بالدكتور الخبير الدولى الحائز لجائزة نوبل، كلما ذهب أو جاء نتبع اسمه بصفة «المصرى».. وفجأة وبقدرة قادر نجرده من ألقابه وننزع عنه انتماءه، ونسفه من قدره وعمله.. وليصبح عند البعض مجرد «برادعى أفندى». منهجنا فى عالم كرة القدم لا يختلف كثيرا.. فنبنى ونبنى، ثم نهدم. لا تتعجبوا إذا قلت إن ما استدعى كل ذلك إلى ذهنى هو الكابتن محمود عبدالرازق شيكابالا أحدث قضايانا فى محاكم أوروبا. أعوام طويلة قضيناها ننفخ فى صورة اللاعب المصرى، حالمين بأن تفتح أمامه أبواب الاحتراف الأوروبى.. وفجأة أصبحت تلك الأبواب لا وراءها إلا المشاكل ووجع الدماغ، ولا تؤدى إلا إلى المحاكم! كل ما بناه أحمد حسن فى بلجيكا فى عامين، هدمه متعب وشيكابالا فى يومين! الأول فسخ عقده مع ستاندرلييج بمزاجه من طرف واحد، والثانى وقع لأندرلخت للضغط على الزمالك ثم تراجع! والله لو كنت رئيسا أو مدربا لنادٍ بلجيكى، فلن أفكر فى أى لاعب مصرى بعد اليوم! النجوم المحترفون هم بالفعل سفراء لبلادهم.. دروجبا خير سفير لكوت ديفوار، تماما كما كان عبيد بيليه لغانا. العالم لم يسمع عن توجو، إلا عندما عرف أديبايور.. كما لم يكن يرى فى ليبيريا سوى الدم والدمار والحروب الأهلية حتى ظهر جورج ويا. أكاد أجزم أن جميع النجوم الأفارقة الذين طرقوا أبواب أوروبا تألقوا أو رحلوا دون أن نسمعهم أو نراهم فى المحاكم.. فلماذا لا يحدث هذا إلا معنا؟! الإجابة تعود بنا إلى مقال الأسبوع الماضى عن العقلية وطريقة التفكير ومعالجة الأمور والتى ترتبط بمجتمع أكثر ما ترتبط بأفراد..! أفهم أننا اليوم لم نعد كما كنا نلتزم بكلمة شرف.. لكن لا أفهم كيف لا نلتزم بتوقيع العقود؟! نصوم رمضان.. فنمتنع عن الشراب والطعام، ونملأ المساجد مع كل فرض قائمين ساجدين.. وحين تحين ساعة المغرب وفى لحظات الانفعال عند التقاطعات المختنقة، نسمع سب الدين.. وكأنك يا أبوزيد ما غزيت.. ولا صومت ولا صليت! ألم أقل لكم.. نبنى ونبنى، ثم نهدم!