كتب الكاتب الإنجليزى الساخر جوناثان سويفت يوما: «عندما يظهر عبقرى حقيقى، يمكنك التعرف عليه بهذه العلامة: الحمقى جميعا يتحالفون ضده». يمكن أن تكون العبقرية إلى حد ما وصفا لوزير الدفاع، ولكن من المؤكد أن اقتراح الميزانية الذى قدمه روبرت جيتس جمع حوله كل المعارضين اليمينيين. فهناك مقاولو الدفاع الذين يشعرون بالقلق من أن عقودا من التلاعب المحاسبى السخى فى سبيلها للانتهاء، والمستشارون السياسيون فى العاصمة واشنطن التى كانت الحرب على الإرهاب الجائزة الثمينة المنتظرة بالنسبة لهم، وأفرع القوات المسلحة التى اعتادت على تمويل كل فكرة خيالية وإدراجها فى خطط الميزانية، وقد نجح أعضاء الكونجرس، الذين يحمون هذا الفساد كله، فى مأسسة الحرب على الإرهاب للتأكد من احتفاظهم بوظائفهم فى ولاياتهم. إذا كنتم تتساءلون من أين ننتقد خطة جيتس، إليكم هذا الدليل البسيط: جون ماكين، والذى يعتبر المشرِّع الأكثر تفكيرا ذا العقل الإصلاحى فيما يتعلق بالقضايا العسكرية، «يؤيد بقوة» هذه الخطة. وينبه جيمس إنهوف عضو مجلس الشيوخ عن أوكلاهوما الذى شبَّه وكالة حماية البيئة بالجستابو، وكارول بروانر بطوكيو روز، والمدافعين عن البيئة بالرايخ الثالث إلى أنها سوف تؤدى إلى «نزع سلاح أمريكا». ولكم أنتم أعزائى القراء خيار التقدير. فى العقود القليلة الماضية كانت ميزانيات الدفاع تعيش فى أرض الأحلام، حيث تُصنع الأسلحة الأكثر تعقيدا من أى وقت مضى بغض النظر عن طبيعة الأعداء، أو التكاليف، أو المقايضات. وفى عام 2008 قال مكتب المحاسبة العامة إن تجاوزات التكلفة الخاصة بأكبر برامج الأسلحة الخاصة بالبنتاجون فى عام 1995 مجرد التجاوزات! كانت 300 مليار دولار إضافية على الميزانية الأصلية. وأصبح النظام شائعا وراسخا إلى حد أن معظم الناس لم يشغلهم أن يغضبوا أو لا يغضبوا. لقد منع التدفق الذى لا ينقطع للأموال من دافعى الضرائب التفكير الاستراتيجى. ويقوم جزء كبير من ميزانية البنتاجون على قوائم رغبات من أفرع القوات المسلحة، وهى تلك القوائم التى تم تصورها فى الغالب فى فترة الحرب الباردة. فقد خلقت القوات الجوية ارتباطها القوى ببرنامج الطائرة المقاتلة F 22 على نحو جعلها لا تلاحظ أن الاتحاد السوفييتى قد انهار وأصبح لا وجود لقوة عظمى تدخل فى معارك جوية مع الجيش الأمريكى. ونحن نخوض حربين فى الوقت الراهن، ولا تُستَخدم أى من الطائرات 35F أو F 22 التى لدينا فى أى من مسرحَى العمليات. وإذا كنتم تتساءلون عن السبب فى استمرار وجود البرنامج، فهو أن المصانع المخصصة لتصنيعها منتشرة على امتداد 44 ولاية. وسعى جيتس كذلك إلى تخفيض قائمة رغبات القوات البحرية، حيث حد من برنامج المدمرات الخاص بها. ولكن سعيه فشل. فقد اقترح تخفيض الولاياتالمتحدة لمجموعات حاملات الطائرات لديها من 11 إلى 10 ولكن ذلك سوف يحدث بعد 31 عاما من الآن! ومع ذلك فهو يواجه بالطبع المعارضة المحافظة المعتادة. وتشعر صحيفة «وول ستريت جورنال» بالقلق من أن الأسطول المكون من 300 سفينة «صغير على نحو خطير». وفى الصدام الأخير مع القراصنة الصوماليين اتضح أن السفن الحربية الأمريكية كانت «على بعد ساعات». وإذا سبق لك السفر بحرا فستعرف أن السفن تتحرك بسرعة أبطأ من الطائرات. وفى ظل اتساع المحيطات، فحقيقة أن سفن الأسطول الأمريكى يمكن أن تصل إلى أى موقع غير استراتيجى بعد بضع ساعات هى فى واقع الأمر علامة على سعة انتشار الأسطول غير المعقول وليس العكس. لقد بدأ جيتس للتو عملية هناك حاجة شديدة إليها خاصة بإعادة النظر فى الإستراتيجية الدفاعية الأمريكية ما بعد الحرب الباردة. وقد ركز بشكل معقول على الحروب التى نخوضها بالفعل، للتأكد من أن الجيش مسلح على نحو يمكنه من أن يخوضها بنجاح. ولكن بينما لا نحتاج إلى طائرات F 22 فإننا مع ذلك سنصنع 2443 طائرة من طراز F 35 بتكلفة إجمالية قدرها تريليون دولار. فهل نحن بالفعل بحاجة إلى تلك الطائرات؟ وما التفكير الذى وراء ذلك البرنامج؟ ينبغى أن تقوم الميزانيات العسكرية الأمريكية على ضرورتين متعارضتين. الأولى هى أنه من المرجح أن ندخل فى صراعات صغيرة معقدة مع خصوم أضعف منا بكثير فى أراضٍ وعرة. بعبارة أخرى، فى العراق وأفغانستان. وتمثل ميزانية جيتس تزويدا ذكيّا لهذه الأنواع من الحروب التى فيها القوة البشرية والذكاء عاملان أساسيان. والشرط الثانى هو الردع. فالجيش الأمريكى يحمى الطرق البحرية العالمية، ويحافظ على السلم العالمى بالمعنى العام. فإذا كان القراصنة الصوماليون سيسببون الكثير جدّا من المشكلات، فجيش الولاياتالمتحدة هو الذى سيساعد فى حلها فى نهاية الأمر. وإذا كان الصينيون يفكرون فى القيام بعمليات عدائية فى آسيا فإن الرد الأمريكى هو الذى سيجعلهم يأخذون حذرهم. ولكن هاتان الضرورتان يمكن تلبيتهما بجيش أكثر رشاقة وبتكلفة أكثر معقولية وبقدر أكبر من الكفاءة ويعى القدرات الحقيقية للخصوم المحتملين. وتوجد بالبحرية الأمريكية 11 مجموعة حاملة طائرات. والصين لديها صفر. وميزانية الدفاع الأمريكية لعام 2009 مقدارها 655 مليار دولار. أما الميزانية العسكرية للصين فهى حوالى 70 مليار دولار، وروسيا 50 مليار دولار. وتزيد تجاوزات التكلفة المتراكمة الخاصة بوزارة الدفاع الأمريكية على ما يزيد على إجمالى ميزانيات الدفاع فى كل من الصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا مجتمعة. ويشير هذا إلى ردع أقل ومزيد من البذخ غير المعقول والهدر الرهيب فى أموال دافعى الضرائب الكادحين. الذى آن أوانه بالنسبة لجيتس الآن هو تقرير وزارة الدفاع الذى يصدر كل أربعة أعوام. وينبغى له انتهاز الفرصة وهى فرصته الأخيرة لكى يترك ميراثا طويلا وينقل الولاياتالمتحدة نحو إستراتيجية عسكرية وميزانية عقلانية يشكلها العالم الذى نعيش فيه بالفعل. وسوف يجعل ذلك منه عبقريّا بحق. ومن المؤكد أنه سيجعل كل الحمقى يصطفون أمامه لمحاولة إثبات عكس ذلك. By FAREED ZAKARIA FROM NEWSWEEK MAGAZINE (c) 2009، Newsweek Inc. All rights reserved.