قدم فريقا بايرن ميونيخ الألماني وليفربول الإنجليزي درسين في فلسفة الهزيمة المشرفة أو الخروج برأس مرفوعة ، بعد أن ودعا "بصعوبة بالغة" وبعد كفاح دور الثمانية لبطولة دوري أبطال أوروبا ، عقب تعادل البايرن على أرضه مع برشلونة الإسباني 1-1 وتعادل ليفربول خارج ملعبه مع غريمه اللدود تشيلسي 4-4. قدم الفريقان الخاسران الدرسين بطريقتين مختلفتين ، كل حسب موقفه ونهجه ، فالبايرن الذي خسر أمام برشلونة في نوكامب قبل أسبوع بأربعة أهداف نظيفة دخل المباراة وهو يدرك تماما أن مهمته شبه مستحيلة ، ليس لضعف مستواه وإنما لقوة الفريق الكاتالوني الذي يكاد يشبه "منتخب العالم" من كثرة من فيه من النجوم الموهوبين في كل المراكز ، فتعامل يورجن كلينسمان المدير الفني للبايرن مع المباراة على أنها صفقة خاسرة ، واقتنع وأقنع معه الجماهير البافارية بأن هدف فريقه من هذه المباراة هو "تجنب الهزيمة مجددا" و"تقديم عرض مشرف" و"الخروج مرفوع الرأس" .. ليس أكثر ، وكان له ما أراد! وحتى الجماهير تعاملت مع كلينسمان نفسه بكل عقلانية ، حيث اكتفت خلال المباراة برفع اللافتات التي تدعو لاستقالته ، ولم تفعل أكثر من ذلك! فقد قدم الفريق البارفاري عرضا قويا في الشوط الأول ، وهدد مرمى البارسا كثيرا ، لولا أن مهاجمه الإيطالي لوكا توني كان سيئا للغاية ، وسقط في مصيدة التسلل أكثر من مرة ، بينما أغلق مدافعو البايرن الطريق جيدا أمام ليونيل ميسي وأندريس أنييستا في الجناحين فقلت خطورة البارسا "نسبيا". وفي الشوط الثاني ، تقدم الفرنسي فرانك ريبيري بهدف رائع من مجهود فردي للبايرن في الدقيقة الثانية من الشوط الثاني ، غير أن أحدا لم يكن يفكر على الإطلاق في أن الهدف سيكون فاتحة خير لإحراز ثلاثة أهداف أخرى يتعادل بها الفريقان ، لأن الجمهور الألماني نفسه كان مقتنعا بأن المباراة انتهت قبل أن تبدأ! وبالفعل ، نشط البارسا بعد الهدف ، ونجح لاعبه المالي الدولي سيدو كيتا في إحراز هدف التعادل في الدقيقة 73 ، وهو الهدف الذي أنهى المباراة رسميا. ولكن خرج البايرن من أرض استاد ميونيخ الأوليمبي وهم يتلقون تحية الجماهير ولاعبي برشلونة على العرض الذي قدموه ، أو على الأقل على الروح الحماسية العالية التي قدموها خلال اللقاء! أما الدرس الثاني فقدمه ليفربول على الطريقة الإنجليزية في مباراته خارج ملعبه مع تشيلسي في دور الثمانية أيضا. فقد كانت نتيجة المباراة الأولى التي جرت على استاد أنفيلد رود – ملعب ليفربول – في صالح تشيلسي 3-1 ، وهي نتيجة تعني نظريا أن تشيلسي هو صاحب الفرصة الأفضل في التأهل لأنه سيلعب المباراة التالية على أرضه ، ولكن ليفربول دخل المباراة وهو مقتنع تماما بأنه قادر على هزيمة الزرق في ستامفورد بريدج ، خاصة وأن هذا الأمر ليس بجديد عليه ، وسبق أن فعل الأمر نفسه مع ريال مدريد الإسباني في البطولة نفسها! وبعد مباراة ممتعة بحق تصلح لأن توصف بأنها "مباراة البطولة" ، تعادل تشيلسي مع ضيفه 4 - 4 ليتأهل إلى مواجهة البارسا في الدور قبل النهائي. تقدم ليفربول في الدقيقة 19 عبر مدافعه البرازيلي فابيو أوريليو ، وعزز الإسباني شابي ألونسو تقدم الحمر بالهدف الثاني من ضربة جزاء في الدقيقة 28 ، لينتهي الشوط الأول بتقدم الضيوف 2 - صفر ، وهو ما يعني أن ليفربول في طريقه إلى التأهل ، ولكن في الشوط الثاني سجل الإيفواري ديدييه دروجبا الهدف الأول لأصحاب الأرض في الدقيقة 51 ، قبل أن يضيف البرازيلي أليكس الهدف الثاني لتشيلسي في الدقيقة 57. ولم ينته الأمر عند هذا الحد ، بل سجل فرانك لامبارد الهدف الثالث للزرق في الدقيقة 76 ، ويرد عليه لوكاس لييفا بتسجيل الهدف الثالث لليفربول في الدقيقة 81 ، يعقبه الهدف الرابع للهولندي ديريك كيوت ، ولكن لامبارد سجل هدف التعادل الذي أنهى كل شيء قبل نهاية اللقاء بدقيقة ، ليخرج لاعبو الفريقين من الملعب وهما يحظيان بعاصفة من التصفيق من جمهور الناديين ، دون النظر إلى الفائز أو الخاسر ، وبدا الأمر وكأن المباراة تقام في دار للأوبرا وليس في استاد كروي! وفي مباراة ستامفورد بريدج ، كان ليفربول بالفعل الأقرب إلى تحقيق المفاجأة ، لدرجة أن وسائل الإعلام الإنجليزية أكدت أن الهولندي جوس هيدينك المدير الفني للزرق وبخ لاعبيه بغضب بين شوطي المباراة ، وكانت هذه الثورة الهولندية سببا رئيسيا وراء تحسن أداء تشيلسي في الشوط الثاني وتغير نتيجة المباراة. وتعليقا على ذلك قال هيدينك عقب انتهاء المباراة : "في بعض الأحيان تفقد أعصابك ، ولكن المهم أن رد فعل اللاعبين كان إيجابيا ، واعترفوا بأن أداءهم في الشوط الأول لم يكن على ما يرام". وأضاف : "شعرت بالغضب لأننا لم نبدأ كما خططنا ، وكنا نعرف بأن ليفربول فريق جيد تكتيكيا ولديه لاعبون ماهرون قادرون على تحقيق الفوز". وقال أيضا : "لم يكن مناسبا أن نمنح فريقا مثل ليفربول هذه المساحات الهائلة التي تحركنا فيها ، وهكذا بدأنا ، ولكن الذي حدث أننا في الشوط الأول تراجعنا أكثر من اللازم ظنا منها أن هذا أفضل لتأمين مرمانا". أما الإسباني رافائيل بينيتيث المدير الفني لليفربول فخرج من المباراة وهو يعبر عن شعوره بالفخر تجاه لاعبيه ، وقال : "أظهرنا تألقنا وإمكانياتنا ، وعلينا بالفعل أن نشعر بالفخر ، فقد قدم اللاعبون عملا رائعا ، والمشجعون سعداء بهم .. بالتأكيد لسنا سعداء بالنتيجة ، فعندما تخسر تكون محبطا بطبيعة الحال ، ولكن الهزيمة بهذه الطريقة يعني أنه ينبغي على اللاعبين رفع رؤوسهم والشعور بالزهو"! وعلى الرغم من تأثر بينيتيث كثيرا بغياب قائده ستيفن جيرارد ، فإنه لم يقل أكثر من أنه افتقد لاعبا كبيرا ، علما بأن تشيلسي هو الآخر افتقد قائده جون تيري ، ولكن المسألة لم تتحول إلى "حجة" يبرر بها أي من المدربين نتيجة المباراة! كما لوحظ أن بينيتيث لم يحاول اللجوء إلى شحن لاعبيه معنويا بصورة مبالغ فيها مستغلا المشاعر الجياشة التي سادت أرجاء مدينة ليفربول بمناسبة ذكرى مرور عشرين عاما على كارثة استاد هيلسبره ، بل بالعكس حاول إبعاد لاعبيه عن فخ السقوط في هذا الفخ المعنوي الذي يؤدي عادة إلى نتائج كارثية ، وكان يعرف بحكم خبرته أن لاعبيه قادرون على تقديم أفضل ما لديهم بدون عواطف وشعارات وخطب!