«نصف قرن» من الزمان قضاها المخرج سمير العصفورى بين أروقة المسرح، كان على يقين أن أعلى أجر سيحصل عليه لن يوازى أبدا أجر ممثل أو مخرج سينمائى.. غير أن غرامه ب«أبوالفنون» ظل يدفعه نحو تحمل معاناة «فقر المسرح»، ولدى الإعلان عن اسمه فى قائمة الفائزين بجائزة الدولة التقديرية للفنون تسارعت رحلة «العذاب اللذيذ»، كما يصفها، مع المسرح أمام عينيه وقال لنفسه «وكأن الجائزة جاءت لتعوضنى عن ضعف أجرى طيلة هذه السنوات مع الفن الذى عشقته». سعادة العصفورى بالجائزة لم تقلل من حزنه على ما آلت إليه أحوال المسرح فى مصر حاليا حيث اكتفى القطاع العام بأعمال تصلح لزمن «الطرابيش».. فيما فقد المسرح الخاص بريقه وأوشك على الاختفاء.. ورغم مشاعر اليأس المسيطرة عليه فإنه يرفض الاستسلام مؤكدا أن «بصيص» أمل ما زال يلوح فى الأفق حتى لو كان عصيا على الرؤية. فى البداية سألته.. هل تشعر بأن الجائزة تأخرت كثيرا؟ ■ لا أنظر إلى الأمور بهذه الطريقة.. فلم أكن أنتظرها من الأساس حتى تتأخر، سبق أن حصلت على جائزة التفوق فى الفنون عام 2000، وتم ترشيحى لجائزة الدولة التقديرية قبل عامين لكننى لم أدخل حيز التصويت الا هذا العام والحمد لله أننى نلت هذه الجائزة. أكنت تخشى ألا يكتب اسمك فى سجلات تلك الجائزة؟ ■ صدقنى لم أفكر فى الأمر.. فتلك الجائزة ليست ترقية فى وظيفة حكومية، ولا يحصل عليها كل المبدعين.. فهناك من أبدع ورحل دون أن ينالها، وقد تكون لها وقع «مأساوى» أيضا على من ينالها كما حدث مع فاروق عبدالقادر الذى رحل فى اليوم التالى لنيل جائزة التفوق، وكذلك الحال مع كاتب سيناريو مهم جدا اسمه «منصور مكاوى» نال جائزة ساويرس وعندما بحثوا عنه كان قد رحل عن الدنيا.. لكن الجائزة جاءتنى فى ظروف جيدة. وماذا تمثل لك تلك الجائزة؟ ■ بصفة عامة الجائزة تمثل عامل دفع للشباب وتقديرا لمسيرة الشيوخ، هذا من الناحية المعنوية، وللجائزة جانب مادى لا يمكن إغفاله، حيث جاءت تتويجا لمسيرتى التى عانيت فيها «فقر المسرح»، فكانت بمثابة شهادة تقدير مصحوبة بمبلغ مالى يمثل تجميعا لقيمة الأجر الذى كان من المفترض أن أحصل عليه طوال مشوارى ولكن حال المسرح لم يسمح بذلك. وما الذى دفعك إلى تحمل «فقر المسرح» وعدم الاتجاه إلى التليفزيون أو السينما؟ ■ لأننى تربيت على يد أجيال عظيمة ورأيت ما عانوه فى حب المسرح حتى إن معاناتنا لا تمثل شيئا أمام ما عانوه سعيا للحصول على لقب «رجل المسرح» الملم بكل شئونه بداية من دورات المياه بالمكان وحتى الديكورات والإضاءة.. كلنا كان يعيش لهذا الفن.. أتذكر أن أجر الفنان حسين رياض لم يكن يتعدى ثلاثة جنيهات ولم يكن يزيد كثيرا على أجر الملقن، وللحق فى فترة من الفترات لم يكن هناك بديل ولكن الوضع اختلف بمرور الوقت. هل ندمت على تمسكك بالمسرح وعدم مجاراة الزمن؟ ■طوال عمرى كنت مؤمنا بما أقوم به وكنت مدركا أن المسرح بالفعل يستحق تلك التضحية، ولست نادما على تكريس حياتى لأبى الفنون، فقد تحملت جميع الإغراءات المادية حتى أكون قريبا من الجمهور الذى أحببته وبادلنى الشعور نفسه إيمانا منى أن «قيمة العمر أفضل كثيرا من قيمة الجنيه». ألم يكن من الممكن إيجاد حل وسط بالجمع بين المسرح والسينما أو التليفزيون؟ ■ مقولة «الفنان الشامل» ليست أكثر من «بكش ونصب» على الفنان نفسه قبل الجمهور، كيف لفنان أن يجمع بين المسرح والتليفزيون أو السينما؟.. وكيف لفنان أن يمثل بالنهار ويغنى بالليل ويلحن فى وقت الفراغ.. هذا كلام فارغ وغير مقنع.. فعلى سبيل المثال، حتى تحمل لقب «رجل مسرح» عليك دراسة تاريخه ومعرفة طبيعة المسرح اليونانى والرومانى، والتعرف أيضا على مسرح كل بلد.. وكل ذلك يحتاج إلى عمرين فى حياة كل إنسان.. فما بالنا بشخص يجمع بين أكثر من مجال فى الفن؟. لكنك فعلت هذا الشئ حيث خضت أكثر من تجربة فى التمثيل؟ ■ نعم فعلت هذا لكن على سبيل «المغامرة» أو «الفانتازيا» ولم أعتبر نفسى أبدا ممثلا.. فكل إنسان يجب أن يكون متميزا فى مجاله وعندما يخوض تجربة فى مجال آخر عليه أن يكون مدركا أن ما يفعله ليس أكثر من «فانتازيا». وهل تصنف تجربة «سبوت لايت» فى تلك الخانة؟ ■«سبوت لايت» رغم أنه برنامج استعراضى عرض على شاشة التليفزيون لكننى أعتبره سلسلة مسرحيات استعراضية، ولهذا السبب كان هناك مخرج تليفزيونى للحلقات ولم أتدخل فى عمله بل على العكس استفدت منه، وكذلك الحال بالنسبة له فقد استفاد من خبرتى فى الإخراج المسرحى. توجهك للتليفزيون لتقديم عمل مسرحى.. إلى هذا الحد تشعر باليأس من حال المسرح؟ ■ لا أبالغ إذا قلت إننى فى غاية التشاؤم.. لم أصل من قبل إلى هذه الدرجة من اليأس عندما أنظر إلى مستقبل المسرح المصرى.. فخشبة القطاع العام باتت تعرض أعمالا تصلح فقط لزمن «الطرابيش».. بينما مسرح القطاع الخاص انتهى من على الخريطة بعد أن عانى طويلا من غياب الجمهور الذى بات قادرا على مشاهدة نجمه المفضل بالتليفزيون أو عبر «سى دى» صغير يحمله على الكمبيوتر وعلى حد علمى هناك 20 مسرحا أغلق أبوابه خلال الفترة الماضية، ومعظم المبدعين هربوا من المسرح إلى ساحات أخرى. لكن البعض يرى فى كثرة العروض حاليا مؤشرا على حالة انتعاش مسرحية؟ ■ تساءل ساخرا: وأين هى تلك العروض التى تتحدث عنها؟.. فالمسرح الحكومى بات يعرض أعمالا يطلق عليها «الكلاسيكيات» وكما سبق وقلت لم تعد مناسبة للعصر الحالى أبدا.. وهناك تيار آخر غزا المسرح يمكن وصفه ب«قلة الأدب» بدعوى أنها الحداثة.. وعلى صعيد المسرح الخاص نجد مسرح عادل إمام قد توقف رغم أنه ظل علامة مميزة فى تاريخ المسرح المصرى.. كل هذا يدعونى للتشاؤم.. فقط أنا فى انتظار «انتفاضة» مسرح محمد صبحى التى تحدث عنها ونأمل أن تعيد للمسرح بعضا من جمهوره. أراك متحاملا على المسرحيين بدرجة كبيرة؟ ■كيف أتحامل عليهم وأنا أحدهم؟.. فأنا أتألم كثيرا لهذا الواقع الذى نعيشه.. منذ مائة عام وحتى الآن لم تشهد مصر بناء مسارح مخصصة لهذا الغرض سوى مبنيين فقط هما مسرحا «الأزبكية» و«الأوبرا» وبقية الأماكن تم بناؤها لأغراض أخرى وتحولت إلى أماكن للعرض.. ما المانع أن يكون بالقاهرة 50 مسرحا لجذب الجمهور؟.. ألا تستحق دولة بحجم مصر ذلك؟.. فالمسرح يجب أن يكون مبهرا منذ لحظة الدخول وحتى الخروج مرورا بدورات المياه والديكور والإضاءة وشكل العرض وهذا ما نراه فى كل دول العالم. تحدثت عن المبانى.. فماذا عن العروض التى يمكن أن تعيد الجمهور؟ ■ بمنتهى البساطة لا يمكن للمسرح أن ينجح فى استعادة الجمهور دون أن يشهد مجموعة من التغييرات تجعله يواكب العصر.. وأهم تلك التغييرات تتمثل فى إيجاد صيغة تفاعلية مع الجمهور، فلا يمكن للجمهور أن يتحمل عناء الذهاب إلى المسرح وسداد تكلفته دون أن يكون على يقين من أنه لن يكون مجرد «مشاهد» سلبى بل يشارك فى العرض أيضا ويتفاعل مع الممثلين كما يحدث فى كل دول العالم التى نجحت فى الحفاظ على جمهور المسرح.. علينا التخلص من علاقة «القهر الدائمة» بين المسرح وجمهوره لاستعادة المشاهدين. ألا تجد بارقة أمل فيما هو قائم حاليا؟ ■قد يكون هناك بعض الأمل متمثلا فى مهرجان المسرح التجريبى على سبيل المثال، رغم أن المسرح التجريبى أبدا لم يكن مطلوبا منه أن يترك أثرا فى المشاهدين على هذا النحو السريع وكان يهدف فى الأساس إلى خلق حالة من التفاعل بين مسرحى مصر ونظرائهم فى الخارج تمهيدا للاستفادة من تلك الأعمال فى عروضنا المحلية.. لكن للحق فقد ترك ذلك المهرجان أثرا فى المشاهدين ووجدنا من يتابع عروض المهرجان بجدية. وكيف انعكس هذا التوجه على جيل المسرحيين الجدد؟ ■ رأينا فرقا حرة وأخرى مستقلة تعمل على تقديم عروض مختلفة عن السائد وأعتقد أن الأمل كبير فى تلك الفرق لخلق حالة مسرحية مختلفة فى البلاد لكن علينا الانتظار بعض الوقت قبل الحكم على التجربة. وأين دورك أنت فى هذا التوجه؟ ■ أنا موجود على الساحة ولم أنعزل عنها، وحتى الآن تجدنى أشارك وأكافح للمساعدة فى الخروج من النفق المظلم من خلال الرأى وتقديم النصيحة.