جاءنى الرد مفحما حين قلت كيف يمكن أن يكثف المسئولون المصريون تصريحاتهم داعين إلى رفع الحصار عن غزة، وفى الوقت ذاته تواصل السلطات المصرية التنكيل بزميلنا مجدى حسين، لأنه «تجرأ» وعبر عن تضامنه مع غزة. ذلك أننى ما أن نطقت بهذه الكلمات حتى قيل لى إن ذلك ليس مستغربا ممن يطالب برفع الحصار وفى الوقت ذاته يشارك فيه! لم يكن مجدى حسين هو الضحية الوحيدة، لأن الذين ارتكبوا هذه «الجريمة» فئتان، الأولى ثلاثة قدموا إلى المحكمة العسكرية وصدرت ضدهم أحكام بالسجن، والثانية متضامنون بالعشرات خضعوا للاعتقال لعدة أشهر ولم يحاكموا عسكريا، ان شئت فقل إن الأولين عاقبهم القضاء العسكرى التابع لوزارة الدفاع، فى حين أن الآخرين قامت «بتأديبهم» وزارة الداخلية. كان الشاب أحمد دومة الذى يدرس بكلية الإدارة فى جامعة الإسكندرية أول الثلاثة. إذ دفعه حماسه، وهو منسق حركة شبابية تسمى «غاضبون» ومن نشطاء الإنترنت، إلى الذهاب إلى غزة يوم 4 يناير عام 2009، أى بعد أيام قليلة من بدء العدوان الإسرائيلى. ومن هناك ظل يبعث برسائله إلى نشطاء الإنترنت فى مصر، وبعدما أمضى فى القطاع شهرا (فى 4 فبراير) عاد إلى القاهرة عن طريق معبر رفح. زميلنا مجدى حسين رئيس تحرير جريدة «الشعب» المصادرة والأمين العام لحزب العمل المجمد، لم يطق بدوره صبرا، فذهب إلى غزة عبر أحد الأنفاق معربا عن تضامنه مع شعبها فى الأيام الأخيرة للحرب، وبعد أن شارك فى عدة فاعليات مع الفصائل هناك، عاد إلى مصر عبر معبر رفح يوم 2 فبراير. فى يوم 8 فبراير ذهب إلى رفح قادما من سوهاج بصعيد مصر، شاب مصرى لا يقرأ ولا يكتب اسمه أحمد كمال عبدالعال (25 عاما)، دفعته غيرته إلى ترك بلدته وحيدا ومحاولة دخول غزة للانضمام إلى ابنائها فى «جهادهم» ضد الآلة العسكرية الإسرائيلية التى كانت تفتك بهم. لم يكن قد رتب شيئا، باستثناء ان الرغبة فى الجهاد تملكته، وحين وصل إلى شمال مدينة رفح وقف حائرا أمام الجدار الحدودى على الساحل، لكن تم القبض عليه هناك، فكان يوم 8 فبراير هو يوم ذهابه ويوم عودته.حوكم الأولان بتهمة التسلل عبر خط الحدود الدولية إلى الجانب الفلسطينى من غير المنافذ الشرعية دون التصريح بذلك من الجهات المختصة. أما الثالث فقد كانت تهمته محاولة التسلل عبر البحر إلى غزة. أحمد دومة وأحمد كمال حكم على كل واحد منهما بالسجن سنة مع الشغل وغرامة ألف جنيه، أما مجدى حسين فقد حكم عليه بالسجن سنتين وغرامة خمسة آلاف جنيه.لن أفصل فيما جرى للثلاثة أثناء التحقيق أو كيف تمت المحاكمة أو معاناتهم فى السجون التى وزعوا إليها. وأحيل من يريد متابعة هذه التفاصيل إلى كتاب «متهمون بدعم غزة»، الذى اعتمدت على معلوماته، أعده المحامى سيد فوزى أبوالعلا، وأصدره مركز هشام مبارك للقانون. أمضى الأحمدان مدة عقوبتهما وتم اطلاق سراحهما، وبقى مجدى حسين فى السجن الانفرادى لأن حكمه كان مضاعفا. ولأن موعد إطلاق سراحه بعد مضى ثلاثة أرباع المدة قد اقترب (3 أغسطس) فإن الذين قرروا استمرار التنكيل به، استخرجوا من الملفات القديمة قضية قذف عجيبة عمرها ستة عشر عاما، رفعت ضده حين كان رئيسا لتحرير جريدة «الشعب»، بسبب مقال لم يكتبه نشرته الصحيفة حول قضية عائلية، وكان قد حكم عليه بالحبس سنة والغرامة ألف جنيه، وعند الطعن فى الحكم ألغى الحبس وتم تغريمه 15 ألف جنيه، لكن محكمة النقض اعتبرت أن الحكم لم يستند إلى أسباب حقيقية، وحولت القضية إلى محكمة أخرى لإعادة النظر فيها، وفجأة تبين أن حكما غيابيا صدر ضده بالحبس سنة استنادا إلى نفس الأسباب التى لم تقتنع محكمة النقض بجديتها، وهو ما لا يجيزه القانون. لكن الرغبة فى التنكيل بدت فى هذه الحالة أقوى من القانون. وبمقتضى ذلك الحكم الجديد فقد تعين على مجدى حسين (59 عاما) أن يقضى سنة إضافية فى السجن عقابا له على التضامن مع غزة.إن الصحفى الإسرائيلى الذى تسلل عبر الحدود إلى مصر منذ ثلاثة أشهر، أعيد إلى بلده معززا مكرما. ولكن لأن مجدى حسين لا ظهر له، فلا سفارة أجنبية تحميه ولا ناطق أمريكيا ينتقد التنكيل به، ولا منظمة حقوقية دولية تتبنى مظلوميته، ولا شلة من الليبراليين تهب للدفاع عنه، فقد كتب عليه أن يبقى فى السجن حتى يظهر له صاحب أو يعثر على «كفيل» شكرا للشرفاء الذين يجتمعون اليوم فى نقابة الصحفيين لإعلان التضامن معه، ومحاولة إطلاق صوت الاحتجاج على استمرار التنكيل به، عسى أن يسمعه أحد ممن بيدهم الأمر.