يبدو أن قرار محافظ القاهرة عبدالعظيم وزير إغلاق مسرح الفن بالشمع الأحمر والبلاغ الذى تقدم به المخرج جلال الشرقاوى ضده ووزير الثقافة فاروق حسنى للنائب العام لمنعهما تنفيذ حكم قضائى بتشغيل المسرح لن يكون نهاية الصراع الذى استمر أكثر من عامين، فهنلك خلافات قديمة الأزل كانت وستظل مسيطرة نتيجة تراكمات منذ سنوات عديدة. «الشروق» حاورت المخرج جلال الشرقاوى الذى لم يستطع أن يحتفى بعرضه الجديد «شغل أراجوزات» وبعودة مسرحه للحياة.. وكشف الشرقاوى عن خبايا تلك المشكلات التى تسببت فى إغلاق المسرح بعد خمسة أيام من افتتاحه وما الرسالة التى تحملها مسرحيته. يقول جلال الشرقاوى عن بداية ذلك الصراع: كان هناك إصرار لهدم المسرح والسبب الرئيسى فى ذلك أننى دائما ما أرفض السياسة التى تسير عليها وزارة الثقافة وبالتحديد فيما يخص المسرح والسينما، حيث كنت وما زلت معارضا لهذه السياسات الخفية، وقد صرحت بذلك فى أكثر من لقاء، ويبدو أن نوعا من التراكمات قد حدث على مر السنين فقرروا عزلى من سلاحى وهو المسرح وكانت حجتهم حدوث أكثر من حريق فى ذلك التوقيت «المسرح القومى ومجلس الشورى وقصر ثقافة بنى سويف». ولم يجدوا مبررا غير أن مسرحى بجوار معهد الموسيقى الذى يعد أثرا مهما. وهل يشكل المسرح خطرا بالفعل على معهد الموسيقى؟ بالطبع لا.. فهناك حرم فاصل بين المسرح والمعهد حسب ما قررته اللجنة العليا للآثار متمثلا فى ممر بطول «18» مترا وعرض «5» أمتار، لذلك فإن المسرح يعتبر خارج حرم الأثر. وعلى الرغم من ذلك أصدروا قرارا بهدم المسرح خلال عشرة أيام وكأنه «كشك سجاير» وهم يستندون إلى حجج واهية والخطاب الذى تسلمته لسرعة إخلاء المسرح كان فى أول سبتمبر دون ذكر سبب، وفى «20» أكتوبر وجدوا الحجة وهى أن وجود المسرح خطر على الأثر. هل حدث بالمسرح مسبقا شىء ما يوحى بحدوث كوارث؟ المسرح بنى سنة «1976» أى منذ «34» سنة أخرجت خلالها «41» مسرحية، وبفضل الله لم تحدث خلال هذه المدة أى كارثة أو أى حريق، فكيف يكون المسرح فجأة قنبلة موقوتة تهدد أمن وسلامة كل من حولها ؟ وجدير بالذكر ان معاينة المسرح حدثت «6» مرات وهو ما لم يحدث فى تاريخ مصر من قبل لدرجة أن إحدى المعاينات ضمت «17» مسئولا. وكيف كان تصرفك بعد تلك المعاينات؟ استوردت محطة إطفاء كاملة من أمريكا اسمها «فيرنس» حسب النوعية والقدرات التى حددوها وتم تركيبها فى «24» ساعة واندهش أعضاء اللجنة عندما رأوها وقاموا بتجربتها كإمكانية إطفاء وأجهزة إنذار وخراطيم مياة. ولكنى لم أكتف بذلك بل أرسلت أشخاصا من المسرح للتدريب فى الدفاع المدنى على كيفية التعامل مع الكوارث لاقدر الله. كم بلغت تكلفة ذلك؟ كلفنى ذلك مليونا و«750» ألف جنيه ولدى فواتير تلك التكلفة التى جعلت المسرح وحدة إطفاء متكاملة تستطيع التعامل مع أى حريق حول المسرح على بعد كيلو متر مربع، فضلا عن أن أكثر من «40» ألف متر مكعب من المياه موجود على سطح المسرح تحسبا لأية طوارئ. وأعتقد أنى بذلك أبطلت كل الحجج التى يستندون عليها. ماهى الأحكام التى حصلت عليها؟ حصلت على ثلاثة أحكام قضائية الأول فى «14 أبريل 2009» بإلغاء القرار السلبى الذى أصدره وزير الثقافة ومحافظ القاهرة بمنع تشغيل المسرح مع إلزامهما بإعطاء المسرح الترخيص اللازم للتشغيل. فقدم وزير الثقافة استشكالا وصدر الحكم فى «23 مارس 2010» بقبول استشكاله شكلا ورفضه موضوعا وتغريمه «400» جنيه، وفى اليوم نفسه صدر حكم ضد وزير الداخلية ومحافظ القاهرة ورئيس قطاع الانتاج الثقافى ورئيس حى عابدين ورئيس إدارة المحلات العامة ورئيس الإدارة العامة للحماية المدنية بقبول الدعوة شكلا وبوقف تنفيذ القرار المطعون به وهو «إخلاء المسرح تمهيدا لهدمه». بناء على ذلك أعدت تشكيل فرقة شباب مسرح الفن وجهزت لمسرحيتى الجديدة «دنيا أراجوزات» وتم افتتاحها يوم 24 يونيو. ربما كان لجرأة القضايا التى تطرحها المسرحية دور فى ذلك؟ بالطبع لا.. لأننى حصلت على موافقة الرقابة على المصنفات الفنية لعرض النص كما هو بكل ما يتناوله من قضايا أيا كان لونه. إلى أى لون فنى تنتمى مسرحية «دنيا أراجوزات»؟ المسرحية لون من ألوان المسرح العالمى يسمى الكباريه السياسى وقد أسىء فهم هذه الكلمة من بعض النقاد الذين تصوروا أن ما يقدم فى هذه النوعية من المسرحيات يشبه الملاهى الليلية، ولكنها فى الأصل كلمة ألمانية «cabaret» تعنى المنتدى الثقافى الذى يناقش فيه أمور السياسة والاقتصاد وغير ذلك. وهو شكل قديم بدأ فى أمريكا باسم مسرح «الجريدة اليومية» سنه 1924 حيث يتكون من تابلوهات متتالية يحكى كل منها قضية مستقلة عن الأخرى، ثم تطور ذلك المسرح لينتشر فى أوروبا. ما الذى جذبك لهذه النوعية من المسرحيات؟ من أهم مميزات هذا المسرح أنه يجعلك شريكا وأنت تشاهده، كأنك تقرأ جريدة يومية مكتظة بالأحداث الحية، فضلا عن أنك تستطيع أن تضيف تابلوها جديدا فى مشهد 7 دقائق تتم كتابته فى 4 صفحات، ونحن نعرض فى المسرحية «16» قضية عامة تهم الشعب المصرى والعربى بحيث يحتوى المشهد الواحد على 4 ديكورات أى بمعدل «26» ديكورا يتم تغييرها حسب الأحداث طوال فترة العرض. وهذه النوعية تحتاج إلى عقل واعٍ وفكر سياسى ورؤية مستقبلية وطنية بعيدة عن المسرح التجارى، فهو لون واقعى جدا وشديد المرارة لابعد الحدود. ما هى المقومات التى اخترت بناء عليها أبطال المسرحية من الشباب الجدد؟ فى البداية أعلنت فى المعهد العالى للفنون المسرحية عن تكوين فرقة شباب مسرح الفن فتقدم لى «350» ممثلا خضعوا لعدة اختبارات وتصفيات على مدى اشهر كثيرة إلى ان وصل عددهم «25» شابا وفتاة على مستوى عال من الرشاقة والقدرة على تجسيد ما أطلبه منهم ويسعدنى أن أتنبأ لسبعة منهم أو اكثر بأن يكونوا نجوما فى السنوات المقبلة. ألذلك السبب تعتز بإخراجها؟ عمر هذه الرواية سنة وشهرن وقد وضعت فيها كل خبراتى الفنية لذلك أعتبرها من أفضل ما أخرجت فى حياتى حيث إنها احتفالية مسرحية شديدة الثراء تخاطب العقل والقلب معا إلى جانب تحقيق البهجة والابتسامة للمشاهدين إضافة إلى أنها تحقق كل فنون الفرجة المسرحية.كما تجمع لهذا العرض مجموعة من المحترفين فى الموسيقى والديكور والملابس ليقفوا إلى جوار نجومها المبتدئين. هناك مسرح سياسى مباشر وهناك آخر غير مباشر أى منهما تفضل؟ المسرح السياسى غير المباشر يلجأ إلى الإسقاط والحدوتة والأسطورة ليسقط ما مضى على ما هو حاضر. أما المسرح المباشر يذكر الأسماء والأماكن الحقيقية بشكل مباشر، وهو ما عرفت به منذ سنين حيث بدأت ذلك فى مسرحية «ع الرصيف» التى ذكرت رؤساء مصر «عبدالناصر والسادات ومبارك» بشخصياتهم وأصواتهم وبسلبيات كل رئيس منهم وايجابياته، وكذلك «دستور يا أسيادنا» سنة «1995» التى نادت بالانتخاب الحر المباشر لرئيس الجمهورية وهو ما نفذ سنة «2005» أى بعد عرض المسرحية بعشر سنوات عندما رغب الرئيس فى ان يكون اختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب تحقيقا للديمقراطية. كما قدمت مسرحية «بشويش» التى جسدت فيها شخصيات رؤساء مصر الثلاثة ونابليون وبن لادن من خلال ماسكات صنعتها خصيصا فى ألمانيا لتكون أكثر واقعية وكانت تلك الشخصيات تتحاور على خشبة المسرح لتحكى الأحداث السياسية التى برزت وقتها. لكنك تطرح فى «دنيا أراجوزات» مشكلات عديدة ولا تضع حلولا لها؟ ليس من مهام المسرح أن يعالج المشاكل، بل هو يطرح القضايا سواء سلبية أم إيجابية لدى الحاكم والمحكوم للوصول إلى مجتمع افضل ومن القضايا التى ألقيت الضوء عليها فى المسرحية « الشباب الفاسد الذى يضيع وقته فى اللهو ويضايق كل من حوله، وأزمة رغيف العيش والتحرش الجنسى والضريبة العقارية والمستشفيات الحكومية والاستثمارية وسرقة الأعضاء من المرضى وأزمة التعليم، كما اهتممت بالإشارة إلى موقف البطل العراقى منتصر الزيدى مع جورج بوش. استوقفتنى بعض الجمل التى أحب أن تعلق لى عليها؟ ما هى؟ أولا: فقد أحد المصلين حذاءه فى المسجد فقال للمصلين: «فين الجزمة يا ولاد الجزمة». أفهم ما تقصد ولكنى لم أرد أن أشير إلى الجماعات الاسلامية ولكنى هنا أتحدث عن الإرهاب والتطرف الذى يختبئ فى الزى الدينى وقد حاربت الإرهاب من قبل بصورة مباشرة فى مسرحيات «عطية الإرهابية» و«المليم بأربعة» و«الجنزير» و«انقلاب» إلى أن اتهمت فى بعض الندوات بأنى موال للحكومة. والواقع أننى معها فى حربها ضد الإرهاب وادعمها من خلال موقعى الفنى. وأنا فى هذا المشهد اتحدث عن المنافقين الذين يذهبون للصلاة ليسرقوا أغراض المصلين وهو ما يحدث بكثرة فى أرض الواقع. ثانيا: جملة «حكومة بنت ستين....». أقصد بهذه الجملة حكومة إسرائيل وقد قيل ذلك فى الحوار بين الفنانين. ثالثا: البنات يرتدين الحجاب ليتمكن من الزواج ولأن أسعار الشامبو وكريمات الشعر أصبحت غالية. هذه أصبحت ظاهرة.. فجزء كبير من المحجبات يرتدين الحجاب لكى لا يكلفن الذهاب إلى الكوافير واستعمال زيوت وكريمات الشعر المكلفة ويخبين شعرهن تحت طرحة ببضع جنيهات، وما أشرت إليه كذلك أن العامل الاجتماعى له دور فى حجابهن وليس كل المحجبات على يقين ان الحجاب فريضة بدليل أن بعض المحجبات يرتدين ملابس ضيقة تتنافى مع السلوك الذى لابد وأن تكون عليه مرتدية الحجاب، فأنا فى هذا المشهد أستنكر ذلك وأحمى الزى الإسلامى من العابثات. رابعا: إفتاء تحليل التدخين فى نهار رمضان وجواز صلاة المرأة «بالمايوه». استنبطت هذه المشكلات من مدعى الإفتاء فى القنوات الفضائية وقد احتفظت بتسجيل هذه الافتاءات لتكون دليلا على أن هذا السلوك وهذه الفتوى حدثت بالفعل. وعلى الجانب الآخر احترم شيوخ الإسلام المعترف بهم وأستقى معلوماتى الدينية منهم. إذا انتهت تلك المشكلة القائمة. هل تنوى المشاركة فى المهرجان القومى للمسرح؟ يتنهد ويقول: كان من المقرر أن أشارك بهذا العرض فى مهرجان العام الماضى ويبدو ان المشكلة الأخيرة أثيرت لمنعى من المشاركة هذا العام أيضا، ولكنى لن أتردد لحظة فى المشاركة حين تنتهى الأزمة، لأنى بالفعل قدمت ورق مشاركتى بالمسرحية. فى رأيك.. هل ما زال المسرح مرآة المجتمع؟ كنا نعرف ذلك منذ زمن.. أما الآن فقد أصبح المسرح محرضا ومثيرا للمجتمع من أجل مجتمع أفضل. وأنا أحقق هذه الرسالة من خلال هذه المسرحية التى تحمل عنصرى الفكر والفرجة. سمعت أنك تعتزم إخراج مسرحية جديدة. فما هى؟ بالفعل سأعيد تقديم مسرحية « تاجر البندقية» لشكسبير كإعداد وإخراج فور انتهاء تلك المشاكل وسوف يجسد شخصياتها هؤلاء الشباب أنفسهم. حيث إننى أنوى الاستعانة بهم فى عدة مسرحيات إلى أن يصبحوا نجوما كبارا ويتركوا مسرح الفن الذى يشهد انطلاقتهم وما على وقتئذ إلا أن أبدأ البحث عن جيل جديد إذا أحيانى الله. ما هى الرسالة التى تحب أن توجهها من خلال الحوار؟ أقول لهم «كفاية أنا تعبت» فمنذ سنتين ومسرحى مغلق أدفع خلالها رواتب الموظفين والعاملين كاملة. وأنا لا أطلب منهم إلا أن يتركونى وشأنى لأنهم لن يأخذوا المسرح إلا على جثتى.