ما رأيك فى جولة وقوف على الأطلال؟ طب نفسًا، فلن أدعوَك إلى البكاء على رسم دارس، ولا شأن لى بسِقط اللِّوَى، ولا بتوضح فالمقراة. لكنك ستقف معى على أطلال الفنون الساخرة فى بلاد العرب، شريطة ألاّ تسأل عن الموءُودة بأى ذنب قتلت. لك أن تعاتبنى كما شئت عذلًا وملامًا، فالحنين الذى فى العنوان هو غير محله، فأين هو من واجب كشف المحجوب من العثار والانحدار إلى مهاوى الانهيار؟ لا يستطيع إلا الفيزياء التفسير العلميّ لما حدث. دع الآن العلوم، وصف الساحة كيف كانت، حتى تتسنى المقارنة. كانت الديار العربية تتزيّن سماء الثقافة فيها، بمصابيح الفنون الساخرة، شعرًا ونثرًا ورسومًا كاريكاتوريّةً، أيّامَ لم تكن الأنظمة عربية، كانت تركية عثمانية، وكانت البلدان دولًا غير مستقلة، مستعمرات، شعوبها لا تملك لأنفسها شيئًا، وكانت هويتها سلبية وقيمها منتهكة، وثرواتها منهوبة. فى تلك الحقب الداجية، كانت تشع فى الظلماء أقباس أنوارها فى العقول والمهج أشماس. الباحثون العرب فى الشئون السياسية والاجتماعية، لم ينعشوا الفؤاد بحل اللغز الملغّم: أليس عجيبًا مريبًا أن الفنون الساخرة، فى الصحافة والأغنية والمسرح والكاريكاتور، ازدهرت فى غياهب الاستعمار، فلما تحرّرت البلدان، زيّنوا معصمى الحريّة بأساور الأصفاد والأغلال. لزوم ما يلزم: النتيجة التذكّرية: نسينا الفيزياء. محيط الثقب الأسود يسمّى أفق الحدث، إذا دخله شىء ابتلعه. ما أفق الحدث الذى دخلته الفنون الساخرة العربية فانقطع دابرها، فلا خبر؟
عبداللطيف الزبيدي جريدة الخليج الإماراتية النص الأصلى: https://tinyurl.com/39p5bd4f