أكدت الجامعة العربية، أن مفتاح التفاهم الحقيقي لا يكمن في الإعلانات أو الاتفاقيات وحدها، بل في التواصل العفوي بين الشعوب، وفي لقاء العقول، وتبادل القيم، واحترام الهويات. جاء هذا خلال كلمة الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، التي ألقاها مدير إدارة الثقافة وحوار الحضارات في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية مدير المركز الصيني العربي لمبادرة الحضارات العالمية المستشار د. يوسف بدر مشاري، خلال أعمال الدورة الحادية 11 لمؤتمر الحوار بين الحضارتين الصينية العربية، التي تقام برعاية دائرة العلاقات الخارجية المركزية للحزب الشيوعي الصيني والأمانة العامة لجامعة الدول العربية. وتحدث "مشاري"، عن مسئولية تاريخية، تنبثق من رؤية مشتركة تسعى إلى ترسيخ مفهوم "مجتمع مصير مشترك للبشرية"، من خلال تكثيف التعاون الثقافي والإنساني بين الحضارتين العربية والصينية، كركيزة حقيقية للسلام والازدهار المشترك، لا كمجرد شراكة اقتصادية أو تجارية، بل كشراكة حضارية عميقة، تُبنى على جذور التاريخ، وتُوجّه بقيم الإنسانية. وأضاف: "حين يقرأ طالب عربي شعر لوانج وي، وحين يتعلم طالب صيني من فلسفة ابن خلدون، وحين يشارك فنان عربي في معرض في قوانجتشو، وحين يُعرض فيلم صيني في مهرجان القاهرة السينمائي بحضور جمهور عريض — حينها فقط، يصبح التبادل لا مجرد نشاط، بل تعبيرًا عن إرادة مشتركة عن التقارب، والتقدير، والاحترام". وأكد أن هذا التقارب ليس مصادفة، بل هو نتاج حضاري طبيعي، عندما تتلاقى حضارة ترتكز على التسامح والانفتاح والروحانية، كحضارة العرب، بقيمها الإسلامية والعربية الأصيلة، وحضارة تنبض بالانضباط والتجديد والحكمة التراكمية، كحضارة الصين، بتراثها الفلسفي وروحها المعمقة للانسجام. وشدد على أن تكثيف هذا التعاون لا يمكن أن يُبنى إلا على ثلاثة أسس فلسفية لا تقبل التجزئة أولها، الاحترام المتبادل والتنوع الحضاري، قائلا: "نحن لا نرى في الاختلاف عقبة، بل نرى فيه ثراءً إنسانيًا، وغنىً أخلاقيًا، والاعتراف بخصوصية كل حضارة، وتقدير تجلياتها، واحترام مرجعيتها الثقافية، هو شرط أساسي لأي حوار جاد، وهو ما تؤكده الحضارة العربية منذ قرون، ويُجسّده الفكر الصيني في مفهوم "الانسجام دون التماثل". وأوضح أن ثاني هذه الأسس هو أن التعلم المتبادل والمنفعة المشتركة، مضيفا: "نحن لا نريد تبادلًا سطحيًا، بل تبادلًا يُثري المؤسسات، ويُصقل السياسات، ويُنمي المعرفة. فنحن ندعو إلى تبادل الخبرات في التعليم، والعلوم الإنسانية، والتنمية المستدامة، والحضارة الحضرية، بحيث يتعلم كل طرف من الآخر، لا كمتلقٍ فقط، بل كشريك في صناعة المعرفة". وتابع: "ثالثها هو دعم السلام العالمي عبر القوة الناعمة، فالثقافة، في جوهرها، هي أداة بناء، لا تدمير. وهي أقوى من أي سلاح، لأنها تُصلح القلوب قبل الحدود، وتُذيب الخوف قبل أن يتحول إلى كراهية. وأكد أن تكثيف التبادل الثقافي هو واجب أخلاقي، ومسئولية استراتيجية، لتفكيك خطاب صراع الحضارات، وبناء جسور من الثقة، لا من التوتر. واقترح مسارات عملية، ومترابطة، ومدروسة، وقابلة للتنفيذ، أولها التعاون الأكاديمي والبحثي، داعيا إلى مضاعفة المنح الدراسية المتبادلة للطلاب والباحثين في مجالات اللغة العربية والدراسات الإسلامية والحضارية في الصين، واللغة الصينية والدراسات الآسيوية في الدول العربية، مع ضمان استدامة هذه المنح وتنوعها. وأكد ضرورة إنشاء "الرابطة الصينية - العربية للجامعات" كمنصة دائمة لتبادل المناهج، واعتماد السياقات المشتركة، ونقل الأساتذة، وتطوير منصات تعليمية إلكترونية موحدة. وأضاف: "كما ندعو إلى تأسيس مراكز بحثية مشتركة لدراسة تاريخ طريق الحرير، وتحليل التفاعلات الثقافية عبر القرون، وتبادل البيانات والوثائق والشهادات العلمية، مع تنظيم لقاءات علمية سنوية تُنشر نتائجها في مجلات محكمة مشتركة، تُعنى بالحوار الحضاري". وفي إطار التبادل الثقافي والفني والتراثي، اقترح "مشاري"، إطلاق "السنوات الثقافية المتبادلة" كل ثلاث سنوات، تُخصص كل منها لحضارة واحدة، وتُعرض فيها الأدب، والموسيقى، والمسرح، والسينما، والفنون التشكيلية، في كلا الطرفين، بمستوى يليق بعراقة الحضارتين. ودعا إلى دعم مشروعات ترجمة منهجية للأعمال الأدبية والفكرية الكلاسيكية والمعاصرة، مع إنشاء لجان لغوية وثقافية عليا، مكونة من مترجمين وعلماء وأدباء من الجانبين، لضمان جودة الترجمة واحترام السياق.