افتتح فيلم السادة الأفاضل أسبوعه الأول في صالات السينما ب إيرادات جيدة، حيث بلغت إجمالي إيراداته 10 ملايين جنيه داخل مصر، وذلك بعد ردود الفعل الإيجابية التي تلقاها العمل في الجونة، حيث عرض على هامش فعاليات المهرجان. فيلم السادة الأفاضل من بطولة: محمد ممدوح، بيومي فؤاد، طه دسوقي، محمد شاهين، أشرف عبدالباقي، انتصار، علي صبحي، ناهد السباعي، هنادي مهنا، ميشيل ميلاد، إسماعيل فرغلي، حنان سليمان، ودنيا ماهر، ومن تأليف: مصطفى صقر، محمد عزالدين، وعبدالرحمن جاويش، ومن إخراج كريم الشناوي. تدور أحداث الفيلم داخل إحدى القرى المصرية، حول سلسلة من الكوارث العائلية تحدث بعد خبر وفاة الأب، وتورط أفراد من العائلة في تجارة آثار مشبوهة، وتتوالى المواقف التي تزيد الأمر سوءً، حيث يبرز كل فرد أسوأ ما فيه بسبب الصراع على المال، وتتورط أطراف خارجية من أهل القرية، ويكون هدف الجميع في النهاية الحصول على المومياء الأثرية، التي تختفي فجأة. تعتمد خلطة الفيلم الكوميدية عل المفارقة والتضاد الذي يبرز من اسم الفيلم "السادة الأفاضل"، حيث تبتعد صفات جميع شخصيات الفيلم عن صفات الفضيلة، جميعهم يرتكبون أفعالا بعيدة عن الأخلاق الإنسانية، مثل: النصب، السرقة، تجارة الآثار، التهريب، تسهيل الهجرة غير الشرعية، التزوير، وما إلى ذلك من جرائم. تبدو هذه الموضوعات درامية، لكن الفيلم يبتعد عن الدراما تماما، حيث يقدم صُناعه معالجة كوميدية ساخرة، تضع الشخصيات في مأزق تصرفاتها البشرية غير الأخلاقية، ومن هذه المفارقات تنتج الكوميديا، التي لا تُقدم بأسلوب كوميديا الفارص (كوميديا المبالغة في الأداء) أو الإفيه المباشر أو النكتة اللفظية المعتادة، بل تأتي كوميديته من الموقف ذاته، ومن المفارقات التي تصنعها الشخصيات بتصرفاتها غير المنطقية في مواجهة الأزمات. والسيناريو يوازن في الحبكة بين الجدية والتهكم، ويكشف في الوقت نفسه عن تناقضات المجتمع الريفي في تعامله مع المال والسلطة والدين، فالكوميديا هنا تتحول من مجرد وسيلة للإضحاك، إلى أداة لفضح السلوك البشري في لحظات الجشع والخوف، ما يجعل "السادة الأفاضل" أقرب إلى كوميديا سوداء ترصد انهيار القيم في قالب ساخر وخفيف الظل، كما يفضح تناقضات المجتمع الريفي ونظرته لنفسه ونظرة الغريب له. ووراء الكوميديا والمواقف الساخرة، يحمل "السادة الأفاضل" نظرة نقدية حادة تجاه المجتمع المصري الريفي تحديدا، ويكشف عن تأرجح الفرد بين الطموح والانتهازية، وسيطرة الأنانية، فالفيلم يطرح تساؤلات حول حدود الأخلاق حين يختبرها الفقر، وكيف يمكن للظروف أن تُحوِّل "الأفاضل" إلى مجرد باحثين عن النجاة بأي وسيلة. ومن خلال شخصياته المتعددة، يعكس الفيلم صورة مصغرة لمجتمع يعيش حالة التدين الظاهري، ولكن في الخفاء تدور جميع الأفعال غير الأخلاقية بمنتهى الأريحية، حيث تختلط الرغبة في الثراء بالجهل والخرافة، ويُبرر كل فرد خطأه، كما يلمّح الفيلم إلى تراجع القيم الجماعية وسيطرة الفردية المفرطة، وهو ما يتجلى في الصراع العائلي الذي يقود الأحداث من البداية إلى النهاية. وعلى الرغم من حالة الكشف الذي يقوم بها السيناريو، إلا أن الفيلم لا يُدين شخصياته بقدر ما يعريها أمام الجمهور، كاشفًا هشاشة ادعاء الفضيلة في مجتمع يحاصر أفراده بالاحتياج والمنافسة والضغوط الاجتماعية، وهنا تتجلى براعة الكُتّاب الثلاثة في رسم شخصيات واقعية لا تخلو من السخرية. يغوص الفيلم في عبثيته الساخرة، من خلال تفاصيل مختلفة، مثل الطفل الصغير الذي يفتش أسرار أفراد الأسرة باستمرار ويكشف نظرتهم الحقيقية لبعضهم البعض، والدمية الضخمة بنغمتها الشهيرة "أنا سبونج بوب أصفر كموني"، والتي تظهر في مواقف شديدة الدرامية وتحولها إلى مشاهد شديدة الكوميديا. وتُبنى الكوميديا في إطار حيث تُوضع الشخصيات في مواقف متصاعدة لا يمكن الخروج منها إلا بخطأ جديد، لتتحول الأخطاء الصغيرة إلى كوارث متلاحقة، وتصبح كل محاولة لتصحيح المسار سببًا في مزيد من الفوضى، وهذا البناء يمنح الفيلم إيقاعًا ساخرًا متدفقًا، يجمع بين توتر الدراما وعبثية الكوميديا. حتى الإخراج نفسه يوظف الكوميديا بصريًا، من خلال زوايا تصوير تلتقط الفوضى الجماعية وازدحام التفاصيل في الكادر، لتصبح الصورة نفسها جزءًا من حالة السخرية، فالمشاهد التي تتصارع فيها الشخصيات على المومياء أو تتبادل الاتهامات وسط العزاء، ليست مجرد مواقف مضحكة، بل مرايا ساخرة لمجتمع لا يتوقف عن التناقض مع نفسه.