فى ظل التصعيد الأخير بين إيران وإسرائيل، والتهديدات المتبادلة التى تملأ صفحات الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعى، يعيش الكثير حالة من القلق النفسى والخوف من احتمال تطور الأحداث إلى حرب شاملة، هذا الخوف ليس مرتبطًا فقط بالمخاطر المادية، بل بتأثيره العاطفى العميق على الناس. الأخبار المتكررة عن إطلاق صواريخ، أو تحركات عسكرية، أو تصريحات متشددة تُعمّق من شعور العجز والخوف، هذا ما يُعرف ب«التوتر الثانوى»؛ حيث يتأثر الشخص بالصراعات التى لا يعيشها مباشرة، لكن تأثيرها النفسى يصبح واقعًا بسبب التعرض المستمر لها عبر الإعلام، الأطفال والشباب هم الأكثر عرضة، لأنهم يفتقرون إلى الخبرة الكافية لفهم مدى تحقق هذه التهديدات، البعض يبدأ بتجربة أعراض جسدية مثل الصداع، أو الأرق، أو اضطرابات الهضم، نتيجة التوتر النفسى غير المعلن. فى عصر المعلومات الزائفة، من الضرورى أن نختار مصادر الأخبار الموثوقة، ونحد من الوقت الذى نقضيه فى متابعة الأخبار المثيرة للقلق، يمكن تخصيص وقت محدد فى اليوم لمعرفة التطورات، بدلًا من التعلق بالتحديثات اللحظية. من المهم أن نعترف أننا خائفون، دون أن نلوم أنفسنا على ذلك. كتابة المشاعر فى دفتر أو الحديث مع صديق موثوق به يُخفف من حدة التوتر، المفتاح هنا هو عدم تكديس المشاعر، بل التعبير عنها بطريقة صحية، وتقنيات مثل التنفس البطنى أو التأمل تُعيد توازن الجهاز العصبى، وتقلل من إفراز هرمونات التوتر، والخوف من الحرب غالبًا ما يُضخم من احتمالات الكارثة، محاولة طرح أسئلة مثل: «ما مدى احتمالية أن تصل الأمور إلى حرب؟»، أو «هل هناك أدلة على أن حياتى فى خطر مباشر؟»، تساعد فى استبدال الأفكار السلبية بأخرى واقعية. الإنسان كائن اجتماعى بطبعه، والدعم الاجتماعى هو إحدى أهم الآليات لمواجهة القلق الجماعى. المجتمعات التى تتمسك بوحدتها فى الأوقات الصعبة تُثبت قدرتها على التحمل أكثر من غيرها، ففى الأزمات، يصبح التواصل بين الجيران، والأصدقاء، والعائلة أكثر أهمية، تنظيم لقاءات بسيطة لمناقشة المخاوف يُعيد شعور الانتماء ويقلل من الشعور بالعزلة، وفى زمن الرسائل المفزعة والفيديوهات المحرَّفة، يتحمل الشخص مسئولية التحقق من صحة المعلومات قبل إعادة تداولها، المجتمعات التى تُركز على نشر الأخبار الدقيقة والنصائح العملية تُسهم فى تهدئة الرعب. الأطفال، وكبار السن، والأشخاص ذوو الاحتياجات الخاصة هم الأكثر تأثرًا بالقلق، تقديم الدعم النفسى لهم، سواء عبر الحوارات المباشرة أو الأنشطة المُلهية، يُخفف من آثار الخوف على صحتهم العقلية، والشخصيات المؤثرة فى المجتمع يمكنهم لعب دور حاسم فى توجيه رسائل الطمأنينة، وتذكير الناس بتاريخهم من الصمود فى وجه الأزمات السابقة. إذا استمر القلق لأسابيع دون تحسن، أو بدأ يؤثر على النوم، أو التركيز، أو العلاقات الشخصية، فمن الضرورى طلب المساعدة من متخصص نفسى، لا يوجد عار فى الاعتراف أننا بحاجة إلى دعم، خصوصًا فى أوقات الأزمات الكبرى، العلاج السلوكى المعرفى (CBT) أو الجلسات الجماعية للدعم قد تكون فعالة فى استعادة التوازن النفسى. القلق الطبيعى لا يجب أن يتحول إلى سجن نفسى يُقيد حياتنا اليومية، من خلال تبنى استراتيجيات نفسية فعالة، وتعزيز الروابط الاجتماعية، يمكننا أن نواجه المجهول بوعى وثقة، المجتمعات التى تجمع بين الواقعية والتفاؤل، هى التى تخرج من الأزمات أقوى مما كانت عليها، يقول عالم النفس الأمريكى بيتر جيلهام: «القلق من الحرب ليس مجرد رد فعل عاطفى، بل هو استجابة تطورية عميقة الجذور تهدف إلى حماية الفرد والمجتمع من التهديدات المحتملة». محمد الحمزة جريدة الرياض السعودية النص الأصلي