تحل اليوم ذكرى ميلاد الكاتب البريطاني من أصل هندي كاشميري سلمان رشدي، والذي ولد في 19 يونيو من عام 1947. يعد رشدي أحد أكثر الأصوات الأدبية إثارة للجدل في العقود الأخيرة، ليس فقط بسبب رواياته المليئة بالرمزية والسرد متعدد الطبقات، ولكن أيضا بسبب أحد أشهر أعماله وأكثرها جدلا، والتي صارت عنوانا لصدام طويل ومعقد بين حرية الإبداع وحدود المعتقدات، وهي رواية «آيات شيطانية». صدرت الرواية عام 1988 عن دار «فايكنج» في لندن، وسط ترقب كبير، بعد أن صنع رشدي لنفسه اسما لامعا في عالم الأدب برواياته السابقة مثل «أطفال منتصف الليل» (1981) التي حصدت جائزة البوكر وأعادت تعريف الرواية الهندية المكتوبة بالإنجليزية. لكن «آيات شيطانية» لم تكن مجرد عمل أدبي جديد؛ بل كانت - على حد وصف بعض النقاد - مشروعا روائيا يتحدى التابوهات الدينية والتاريخية من خلال لغة تخيلية كثيفة وشخصيات مأزومة تطرح أسئلة عن الإيمان، والنصوص المقدسة، والهوية الممزقة بين الشرق والغرب. تبدأ الرواية بسقوط طائرة في سماء لندن، ونجاة بطلين هنديين ينقلب كل منهما إلى نقيض الآخر، وهما صلاح الدين جمجة الهندي المهاجر إلى المملكة المتحدة والمنكر لأصوله الهندية، والآخر جبريل فرشته وهو ممثل متخصص في الأفلام الدينية، وقد فقد إيمانه بالدين بعد إصابته بمرض خطير لم تنفع معه دعواته شيئا للشفاء. وعندما تسقط الطائرة المسافرة من مومباي إلى لندن وتنفجر نتيجة عمل إرهابي من إحدى الجماعات المتطرفة، يتحول صلاح الدين جمجة إلى مخلوق شبيه بالشيطان، وجبريل إلى مخلوق شبيه بالملك. ومن خلال أحلام وهلوسات شبيهة بالواقعية السحرية يعاني منها جبريل، يقدم رشدي مقاطع تُقرأ تأويلا كإعادة تخيل لحقبة النبي محمد وصراعاته مع قريش، ما اعتبره المسلمون إساءة صريحة لمقام النبوة. ما إن نشرت الرواية حتى خرجت مظاهرات غاضبة من الهند حتى باكستانوإيران، وتم حظرها في عدة دول، قبل أن تتوج الأزمة بفتوى شهيرة أصدرها مرشد الثورة الإسلامية في إيران آنذاك، آية الله الخميني، بهدر دم سلمان رشدي ووضع جائزة مالية لمن يقتله. في تلك اللحظة لم تعد «آيات شيطانية» رواية فقط، بل تحولت إلى أيقونة في النقاش العالمي حول حرية التعبير وحق الكاتب في المساس بالمحرمات. خضع رشدي لحماية مشددة لأكثر من عشر سنوات، عاش خلالها متنقلا بأسماء مستعارة، محروما من حياة الكاتب التي تقوم في الأساس على الظهور والمشاركة في الفعاليات الثقافية. ورغم ذلك لم يتوقف عن الكتابة، وأصدر أعمالا لاحقة مثل «الهارون وبحر الحكايات»، و«الغضب»، و«جوزيف أنتون» الذي كان بمثابة مذكراته عن سنوات التخفي. نقديا، يختلف القراء حول «آيات شيطانية» فهناك من يعتبرها عملا روائيا طموحا يجمع بين تقنيات ما بعد الحداثة وجرأة السرد الذي يخلط الوقائع بالأسطورة ليصنع نصا قابلا لقراءات عديدة، بينما يرى آخرون أنها نص متعمد لاستفزاز مشاعر مليار مسلم، ما يجعلها أقرب إلى وثيقة صدام ثقافي أكثر من كونها رواية للمتعة الأدبية. في السنوات الأخيرة، بدا رشدي أكثر تصالحا مع إرث الرواية، إذ صرح في أكثر من مناسبة أنه كتبها دفاعا عن حق الكاتب في الحفر في التاريخ والدين كما يحفر في الأساطير والأحلام. لكن محاولات الاغتيال لم تغب عنه تماما؛ ففي عام 2022، تعرض لهجوم بسكين أثناء ندوة في نيويورك، أصيب فيه بجروح خطيرة كادت تودي بحياته، لكنه نجا ليستكمل مشروعه الأهم أن يظل كاتبا حيا رغم كل شيء. اليوم، في ذكرى ميلاده، يترك لنا سلمان رشدي سؤالا مؤلما ظل يلاحقه منذ نشر «آيات شيطانية»، هل يمكن للأدب أن يكون حرا تماما في عالم تؤطره الأيديولوجيات والدين والسياسة؟ ربما لا توجد إجابة قاطعة، لكن المؤكد أن كاتبا عاش مطاردا بسبب رواية، ولم يتراجع عنها، هو في حد ذاته فصل حي من فصول هذا السؤال الذي لم يُغلق بعد.