اليوم: بناءً على طلب إنزاجي.. الهلال يبدأ المفاوضات مع سافيتش لتجديد تعاقده    كرة يد - يحيى خالد يسجل 9 أهداف بخسارة سان جيرمان.. وانتصار برشلونة في غياب الدرع    بمناسبة التأهل لكأس العالم.. تأجيل الجولة السابعة من الدوري القطري    تركيب القضبان والفلنكات.. شاهد معدلات تنفيذ القطار السريع    طائرة وزير الدفاع الأمريكي تهبط اضطراريا في بريطانيا    ألمانيا وأوكرانيا توقعان اتفاقية لتعزيز التعاون في مجال الدفاع    بلدية مدينة غزة: نعيش واقعا كارثيا ونحتاج جسرا إغاثيا عاجلا    مبعوث ترامب غير الرسمي في مفاوضات غزة «بشارة بحبح» ل« المصري اليوم»: ترتيبات السيسي ب «قمة شرم الشيخ» أعادت مصر للقيادة العربية (الحلقة 45)    عمرو موسى: قمة شرم الشيخ لحظة دقيقة ومرحلة إيجابية لإنهاء الحرب في غزة    ترشح 417 على المقاعد الفردية فى اليوم الأخير لتقديم الأوراق بانتخابات النواب    موعد صرف مرتبات شهر نوفمبر 2025    معرض باص وورلد أوروبا 2025 يشهد المزيد من المفاجآت والأرقام القياسية    الاتحاد السعودي يحسم مصير رينارد    أوسكار يجتمع مع حكام تقنية الفيديو بعد عودته من تشيلي    أحمد الجندى: هدفى ذهبية أولمبياد لوس أنجلوس.. وهذا سبب اعتذارى عن انتخابات الشمس    رياضة ½ الليل| هنا ملكة أفريقيا.. أول قائمة لتوروب.. سجن فينيسيوس.. وكواليس اجتماع الزمالك    مصرع مسجل خطر في تبادل النيران مع الشرطة بقنا    نجاة 3 أشخاص بعد سقوط سيارتهم في ترعة المريوطية وانتشالها بجهود الحماية المدنية    خشية الفضيحة.. تقتل رضيعتها وتلقيها في صندوق قمامة والمحكمة تعاقبها بالمشدد    السيطرة على حريق أتوبيس ركاب دون خسائر بشرية فى القناطر الخيرية    عمرو موسى: مصر تعاني من تحديات داخليا وخارجيا بسبب سوء إدارة الحكم ل70 عاما    اليوم.. آمال ماهر تفتتح مهرجان الموسيقى العربية على مسرح النافورة    تعرف على أسعار تذاكر زيارة المتحف المصرى الكبير بعد الافتتاح الرسمي للمصريين والسائحين    غادة عبد الرازق تعود بقوة في رمضان 2026 ب«عاليا»    أحدث ظهور.. سهر الصايغ في لحظات روحانية مؤثرة أثناء أداء العمرة    ليلى علوي رئيسا للجنة تحكيم مسابقة الأفلام الروائية الطويلة بمهرجان الجونة السينمائي    محافظة الإسماعيلية تستعد لإقامة لمهرجان الإسماعيلية الدولي للفنون الشعبية    هيئة الدواء:أهمية التعاون بين الطبيب والصيدلي في ترشيد استخدام الدواء    طبيب قلب يوجه تحذير عاجل لمن هم فوق ال 40 عامًا    خبير تربوي يكشف أسباب التعدي على المعلمين وكيفية معالجته    ترامب يهدد بنقل مباريات كأس العالم من مدن أمريكية «غير آمنة»    تركيب القضبان والفلنكات بالخط الأول من شبكة القطار الكهربائى السريع..فيديو    رئيس هيئة الدواء: مصر تمتلك منظومة رقابية متكاملة تغطي صناعة وتوزيع الدواء    فتح باب الترشح للعمل بلجان مراقبة امتحانات الدبلومات الفنية بالمنيا والمحافظات    «قصور الثقافة» تشارك في معرض الأقصر الرابع للكتاب ب200 عنوان من أحدث إصداراتها    هل يجوز شراء شقة بنظام التمويل العقاري بقصد الاستثمار؟.. أمين الفتوى يجيب    هل الألعاب الإلكترونية التي تدر أرباحًا مالية حلال أم حرام؟.. أمين الفتوى يوضح    حسين هريدي: القمة المصرية السودانية بحثت جهود وقف حرب السودان والتحضير لاجتماع واشنطن    ميسرة بكور: أوروبا تسعى لاستقلال أمنى عن واشنطن فى ظل التباعد عبر الأطلسى    الصحة العالمية: نموذج برنامج التطعيم الإجباري فى مصر يحُتذى به على مستوى العالم    «تجهز في 5 دقايق».. حضري طبق «السبانخ بالكريمة» وتمتتعي بالمذاق الشتوي (الطريقة والخطوات)    محافظ جنوب سيناء يبحث آليات البدء في تنفيذ مشروع محطة إنتاج الطاقة والهيدروجين الأخضر بمدينة الطور    بعد دعوته للانعقاد.. تعرف على الضوابط التنظيمية للجلسة الافتتاحية لمجلس الشيوخ    جامعة قناة السويس تنفذ برنامجًا تدريبيًا توعويًا بمدرسة الجلاء الابتدائية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 15-10-2025 في محافظة الأقصر    من قلب غزة: تحيا مصر.. ويحيا السيسى    صحة المنوفية تواصل استعداداتها للاعتماد من هيئة الاعتماد والرقابة    وزير العمل يلتقي رئيس غرفة تجارة وصناعة قطر لتعزيز التعاون بالملفات المشتركة    شريف حلمي: الأكاديمية العربية شريك أساسي في إعداد كوادر مشروع الضبعة النووية    وزير المالية: تحسن أداء الاقتصاد المصرى خلال الربع الأول من 2025-2026    سلوك عدواني مرفوض.. «خطورة التنمر وآثاره» في ندوة توعوية ل«الأوقاف» بجامعة مطروح    إيفاد: الحلول القائمة على الطبيعة تحسن رطوبة التربة وتزيد كفاءة أنظمة الري    متحدث الحكومة: تمويل 128 ألف مشروع بالمحافظات الحدودية ب4.9 مليار جنيه    حكم تشغيل القرآن الكريم عبر مكبرات الصوت قبل الفجر والجمعة    الجامع الأزهر يقرر مد فترة التقديم لمسابقة بنك فيصل لذوى الهمم حتى 20 أكتوبر الجارى    القومي لحقوق الإنسان يشارك في مؤتمر الحوكمة ب كيب تاون    ب 20 مليون جنيه.. «الداخلية» توجه ضربات أمنية ل«مافيا الاتجار بالدولار» في المحافظات    عاجل- مجلس الوزراء يشيد باتفاق شرم الشيخ للسلام ويؤكد دعم مصر لمسار التسوية في الشرق الأوسط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من السينما إلى التاريخ ذهابا وإيابا
نشر في الشروق الجديد يوم 05 - 06 - 2025

من خلال «بونابرت» شاهين و«نابوليون» ريدلى سكوت، من جديد نرانا فى مستهل هذا الموضوع الذى نتناول فيه قضية نجدنا دائما ما نعود إليها متعلقة بالعلاقة بين السينما والتاريخ، نعود إلى ما يرويه الكاتب المصرى صلاح عيسى فى مقدمة كتابه المتميز عن «الثورة العرابية»، كيف أن الرئيس جمال عبدالناصر جمع، أول سنوات حركة الضباط الأحرار وعند بداية اهتمام هؤلاء الضباط بالفكر والتاريخ، عددا كبيرا من المؤرخين والباحثين المصريين، لكى يقوموا بإعادة كتابة تاريخ مصر من جديد. يومها، وبعد اجتماع أو اجتماعين ارتُئى دعوة المؤرخ الكبير عبدالرحمن الرافعى لحضور الاجتماعات على اعتبار أنه كان من أوائل الذين كتبوا «تاريخ» مصر خلال القرنين السابقين، جامعا أحداثا ووثائق فى منتهى الأهمية. وحينما دخل عبدالرحمن الرافعى قاعة الاجتماع، وعرف فحوى الموضوع وفحوى المهمة التى كلف بها المؤرخون والباحثون، نظر إليهم باستغراب، وحتى بشىء من المرارة، وقال غاضبا: «تريدون كتابة تاريخ مصر؟ أفلا تعلمون أننى كتبته منذ زمن بعيد؟» .
فى احتجاجه هذا كان من الواضح أن عبدالرحمن الرافعى إنما يعبر عن نظرة إلى التاريخ تراه كتلة جامدة وربما نهائية من أحداث مرت متتالية فى شكل واضح لا يحتمل تأويلا أو إعادة تفسير. وهى نظرة لم يكن الرافعى، بالطبع، يعرف أنها امحت منذ زمن طويل، وأن التاريخ - حتى وبخاصة ما مضى منه - إنما هو كيان حى، ينظر إليه ويعاد النظر فيه دائما وأبدا، ويعاش حتى من جديد فى كل مرة، ليس فقط على ضوء اكتشافات جديدة تتعلق به، بل حتى على ضوء تقاطعاته هو نفسه واستحواذ أحداثه على تفسيرات جديدة - من دون أن تخطئ القديمة - فى كل مرة يوجد فيها تقاطع من تلك التقاطعات.
ولم يدرك عبدالرحمن الرافعى يومها أن ثمة فارقا كبيرا، بين الماضى والتاريخ. وأن مهمة الثانى طرح الأول على بساط البحث، طالما أن الماضى لا يمكن له أبدا أن يموت. مناسبة هذا الكلام، بالنسبة إلينا، هى استشراء ظاهرة السينما التاريخية خلال السنوات الأخيرة. صحيح أن هذه السينما لم تغب أبدا عن مسار الفن السابع، لكن الحقبة الأخيرة شهدت تكاثر الأفلام التاريخية، بما فيها أفلام «السير الذاتية» والملاحم الأسطورية وما شابه. وطبعا للبحث فى هذه الظاهرة يستحسن اللجوء إلى علم الاجتماع وعلم النفس الجماعى… أما ما يهمنا هنا، فهو الرابط الذى قد يمكن لنا أن نقيمه بين الجديد الذى تقدمه السينما التاريخية، والحكاية التى نقلناها عن صلاح عيسى.
ولعل فيلم «نابوليون» الذى حققه الإنجليزى - الذى بات هوليووديا منذ زمن وبات يشتهر بأفلام تاريخية منه واحد مميز عن الحروب الصليبية («مملكة السماء») – ردلى سكوت والذى شاهدناه قبل فترة يشكل خلفية طيبة لهذا الحديث. ذلك أن السمة الأساسية التى يمكننا أن نتوقف عندها إنما هى إصرار الفيلم على أن يستعيد الجنرال الفرنسى من الأسطورة ليضعه فى قلب التاريخ الممكن - وعن عمد لا نقول هنا: التاريخ الحقيقى، طالما أن نظرة الفيلم لا يمكن اعتبارها نهائية إلى رجل جرت أسطرته إلى حد لا يطاق - ويقينا أن محبى نابوليون لن يروقهم أبدا ذلك «الاعتداء على الأسطورة»، حتى ولو كان لحساب نظرة واقعية إلى التاريخ.
غير أن المسألة هنا تتجاوز هذا الأمر، لتضعنا فى قلب دور للسينما يذكرنا هذا الفيلم بين إنجازات أخرى فى مجال السينما التاريخية به: دور المكان الذى يحظى فيه التاريخ بإمكان أن يعاد النظر فيه، بل حتى أن يعاد الاعتبار إليه... وليس طبعا بسبب ما يقال عادة من أن الصورة لا تكذب. فنحن نعرف أن الصورة تكذب وقد يكون كذبها أكثر خطورة من كذب النص المكتوب، بل لأن السينما يمكنها بفضل جماهيريتها، وقوة تعبيرها كفن، إن صنعها فنانون حقيقيون، أن تقنع المتفرجين بمحاججاتها، بخاصة إذا كانت هذه المحاججات منطقية. وفى فيلم كفيلم «نابوليون» كما فى «طروادة» كما قبلهما فى «المصارع» وربما كما رأينا فى «الإسكندر» كما صوره أوليفرستون، يمكن للمنطق أن يبدو واضحا حين يزيل الأسطرة أو وهم الحقيقة... ولكن ليس فقط عبر الحديث المحايد عما يمكن أن يكون قد حدث، بل أيضا عبر تدخل لصانع الفيلم، يفاجئ ويدهش ويضع المتفرج على تماس تام مع فكرة جديدة قد تنسف له كل الأفكار التى كان صاغها لنفسه من قبل، أو صيغت له.
ولعل المثل الساطع على هذا يطالعنا فى ذلك المشهد الشهير الذى صوره يوسف شاهين عند بداية فيلمه «وداعا بونابرت»، حينما يقف نابليون عند الأهرامات مخاطبا قواته بالعبارة التى تتحدث عن تلك السنوات الأربعة آلاف «التى تنظر إليكم من أعلى هذه الأهرامات».
هذه العبارة حقيقية وكان يمكن لتصويرها وإيرادها فى الفيلم أن يكونا محايدين أيضا. فماذا فعل شاهين الذى أراد هنا أن يدلى بدلوه فى تفسير التاريخ؟ انتقل من فوره إلى كافاريللى - وهو واحد من العلماء الذين اصطحبهم نابليون فى حملته مضفيا عليها طابعا علميا فكريا يكمل طابعها العسكرى ويحسّنه - وجعله يتمتم: «ها هو الأحمق عاد إلى أسطوانته القديمة…». واضح أن هذا التدخل «الذاتى» من يوسف شاهين، فى واقعة تاريخية «موضوعية» معروفة، إنما أتى هنا ليعيد تفسير تلك الواقعة، ما أعطى فيلمه كله طابعا مختلفا عما هو متوقع وفى يقيننا أن الذين كتبوا عن الفيلم من النقاد وغير النقاد العرب، معتبرينه مؤيدا ل«احتلال» بونابرت مصر، لم يفهموا فحوى تلك العبارة، ولم يدركوا أبدا سر تدخل شاهين فى المشهد على ذلك الشكل.
اعتبروا الأمر بالأحرى مجرد نكتة تريد أن تسخر من نابوليون فاستهوتهم فضحكوا!. لقد برهن شاهين فى الحقيقة أن لغة السينما، موضوعيا وتقنيا، تبدو لغة صالحة جدا لقول ما لم يكن فى الإمكان قوله بأية لغة أخرى. وبرهن أن سحر السينما يكمن فى هذا المجال أيضا. ولكن يبدو واضحا أن الدرس «السينمائى التاريخى» الذى يمتد من «بونابرت» شاهين إلى «نابوليون» ردلى سكوت، ليس درسا من السهل استيعابه، لا فى السينما العربية - أين التاريخى منها يا ترى؟ - ولا فى التلفزات العربية التى تمتلئ إلى حد التخمة بكل تلك المسلسلات التى تزعم الحديث عن التاريخ بينما هى لا تتحدث فى الحقيقة إلا عن الماضى - كقطب ميت جامد يتعارض تماما مع حيوية التاريخ -. بل إنها، لجمود حديثها الماضوى هذا، لا تستنكف عن تشويه التاريخ واختزاله لكى يظل بطوليا يتحدث عن «أمجاد الأمة» و«نقاء أبطالها الميامين» أو لكى يتحول إلى «فاعلية» أيديولوجية تخدم حراكا معينا أو سياسة مرحلية. ولعل مثلا واحدا نأخذه من مسلسل - لن نسميه - حقق خلال الحقبة الأخيرة عن واحد من «أبطال» التاريخ الأموى فى الأندلس يكفى للتعبير عن هذا كله: ففى الواقع التاريخى الذى قرأناه لدى عنان وليفى بروفنسال ولدى معظم الذين أرخوا للأندلس... كان فى خلفية تحرك ذلك «البطل» وصولا إلى انقلابه العسكرى وسيطرته على مقدرات الدولة، جارية أجنبية هى أورور (صبح فى الصيغة العربية)، أرملة الخليفة الراحل وأم ولديه، و- تقريبا - عشيقة القائد البطل الذى طلع من صفوف الشعب ليصبح سيد الأمة. فما الذى فعله المسلسل؟ بكل بساطة ألغى تلك الجارية/ الملكة... محا وجودها تماما.
إذ، هل يعقل، فى رأى أصحاب المسلسل، كما فى رأى جمهورهم الضليع فى قوميته وتمسكه بماضيه، أن تقف امرأة... وبيضاء... وأجنبية وعلى غير دين البطل، وراءه لكى تملى عليه تحركاته؟ صحيح أن وراء كل عظيم امرأة... ولكن طبعا ليس حين يكون هذا العربى أصيلا نقيا، وتكون المرأة أجنبية وجارية...! فما العمل؟ العمل الوحيد الممكن هو انتظار أزمان نضج مقبلة، تدرك فيها فنوننا العربية أن التاريخ غير الماضى، وأن فنون الصورة يمكنها أن تساهم فى تصحيح الصورة... وكذلك فى تشويهها والخيار لنا. وفى انتظار ذلك سنظل نعجب ب«نابوليون» ونلعن يوسف شاهين إلى أبد الآبدين!
You sent


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.