طلع سوابق، مفاجأة غير متوقعة في تحقيقات النيابة مع مرشح الفيوم المنتحل صفة طبيب    وصول وعاء ضغط المفاعل الخاص بالوحدة النووية الأولى من روسيا إلى ميناء الضبعة    82.8 % صافي تعاملات المستثمرين المصريين بالبورصة خلال جلسة نهاية الأسبوع    سنقتلهم، ترامب يقرر غزو كاراكاس ويرد على أخبار إرسال قاذفات B-1 قرب فنزويلا    ليلة سقوط روما وإذلال ممثل إسرائيل، نتائج مباريات الجولة الثالثة من الدوري الأوروبي    قطة: سأتولى رقابة ديمبيلي.. وسأمنح هذا الثنائي أفضل لاعب داخل القارة    منافس الزمالك بالكونفدرالية، الوداد المغربي يعلن رسميًا ضم حكيم زياش    بسبب فسخ خطبتها، فتاة تحاول التخلص من حياتها ب 40 حبة دواء في السلام    نجيب ساويرس يؤكد دعوة محمد سلام لحضور فعاليات مهرجان الجونة السينمائي    كان مهيبر حبتين، رقص هستيري لمصطفى غريب مع حاتم صلاح في حفل زفافه (فيديو)    طريقة عمل صوابع زينب، تحلية مميزة لأسرتك    نصائح أسرية للتعامل مع الطفل مريض السكر    رابط التقديم في اللوتري الأمريكي 2025 وخطوات التسجيل في قرعة الهجرة إلى أمريكا    بعد غلق آلاف الأجهزة المُعفاة المباعة.. شريف عامر لمتحدث تنظيم الاتصالات: لا يوجد قانون يمنعني من بيع هاتفي    مصدر فى الزمالك: استياء محمد شحاتة من استمرار استبعاده رغم جاهزيته الطبية    أخبار × 24 ساعة.. ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج ل26.6 مليار دولار    مصرع وإصابة شخصان إثر حريق سيارة بطريق السويس الصحراوى    طعن طليقته أمام ابنه.. ماذا حدث فى المنوفية؟.. "فيديو"    حكم قضائى بمحو السجل الجنائى لليوتيوبر أحمد أبو زيد بعد براءته من الاتجار فى النقد الأجنبى    استشهاد لبنانين اثنين فى غارة إسرائيلية على بلدة عربصاليم بجنوب لبنان    سيلتا فيجو يفوز على نيس 2-1 فى الدورى الأوروبى    في ليلة طربية استثنائية.. ملك أحمد تبهر جمهور معكم بأداء مؤثر لأغنية الرضا والنور    مصطفى كامل يعلن عن رحلة عمرة مجانية ل40 من غير القادرين والاختيار بالقرعة    نائب رئيس حزب الوعي: كوتة المرأة أعظم ما تحقق في العصر الذهبي    فوز تاريخي على بورتو.. نوتينجهام الإنجليزي يحقق رقما أوروبيا بعد 25 عاما    أحمد حسن يكشف خطوات الحصول علي شقة من الإسكان البديل لأصحاب الايجار القديم    عيار 21 يسجل رقمًا قياسيًا.. سعر الذهب اليوم الجمعة بالصاغة بعد الارتفاع الكبير    بعد ارتفاعه رسميًا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الجمعة 24 أكتوبر 2025    محمد كساب: ستاد المصري الجديد تحفة معمارية تليق ببورسعيد    نجم غزل المحلة السابق يشيد ب علاء عبدالعال: «أضاف قوة مميزة في الدوري»    انتخاب إدريس الهلالي نائبا لرئيس الاتحاد الدولي للتايكوندو    عاجل- مجموعة "كايرو ثري إيّه" تدعم وحدة زراعة الكبد في مستشفى الناس بمبلغ 50 مليون جنيه    الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي: وحدة الكنيسة ليست خيارًا بل طاعة لنداء المسيح    لماذا لم تتم دعوة الفنان محمد سلام لمهرجان الجونة؟.. نجيب ساويرس يرد    النيابة الإدارية تختتم البرنامج التدريبي لأعضائها في مجال الأمن السيبراني    نهاية أسطورة «المخ».. تاجر الهيروين يقع في قبضة مباحث بنها.. وقرار من النيابة    أظهرا حبهما علنًا.. محكمة تُلزم 2 «تيك توكر» بالزواج بعد نشرهما فيديو «مخالف للآداب»    النيابة الإدارية تختتم دورة «آليات التحقيق والتصرف» بالمنيا    بعد المشاركة في مظاهرة بروكسل.. أمن الانقلاب يعتقل شقيقا ثانيا لناشط مصري بالخارج    مستشار الرئيس الفلسطيني: هناك تصريحات مشجعة من حماس بشأن تسليم غزة وسلاحها للدولة الفلسطينية    ماكرون: العقوبات الأمريكية ضد روسيا تسير في الاتجاه الصحيح    مجلس الوزراء اللبناني يقر اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع قبرص    ترامب: متبرع ثري قدم 130 مليون دولار لتغطية رواتب العسكريين في ظل الإغلاق الحكومي    محمد ثروت يفتتح حفله في مهرجان الموسيقى العربية بأغنية تتر «فاطمة» (صور)    «محمد عبدالوهاب كان هيعملي أغاني».. فردوس عبدالحميد تروي بدايتها في الغناء (فيديو)    ما حقيقة منح يوم افتتاح المتحف المصري الكبير إجازة رسمية للموظفين؟ (تفاصيل)    رئيسة معهد لاهوتي: نُعدّ قادةً لخدمة كنيسة تتغير في عالمٍ متحول    أسماء المرشحين بالنظام الفردي عن دوائر محافظة الإسماعيلية بانتخابات مجلس النواب 2025    راقب وزنك ونام كويس.. 7 نصائح لمرضى الغدة الدرقية للحفاظ على صحتهم    النيابة تكشف مفاجأة في قضية مرشح النواب بالفيوم: صدر بحقه حكم نهائي بالحبس 4 سنوات في واقعة مماثلة    إكرامي: سعداء في بيراميدز بما تحقق في 9 أشهر.. ويورشيتش لا يصطنع    ما الدعاء الذي يفكّ الكرب ويُزيل الهم؟.. أمين الفتوى يجيب أحد ذوي الهمم بلغة الإشارة    هل تأخير صلاة الفجر عن وقتها حرام؟| أمين الفتوى يجيب    نائب وزير الصحة يوجّه بإنشاء عيادات جديدة لخدمة أهالي وسط سيناء    معجنات الجبن والخضار.. وصفة مثالية لوجبة خفيفة تجمع بين الطعم وسهولة التحضير    الشيخ خالد الجندي: الطعن فى السنة النبوية طعن في وحي الله لنبيه    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-10-2025 في محافظة الأقصر    ما حكم بيع وشراء العملات والحسابات داخل الألعاب الإلكترونية؟ دار الإفتاء تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوطن العربى ومخاطر الطائفية

يدفعنا التأمل فى تطورات دارت فى سياق المشهد السياسى الداخلى السورى منذ سقوط نظام الرئيس السورى السابق بشار الأسد فى ديسمبر 2024، خاصة انطلاق حالات عنف تجاه أبناء أقليات، سواء مذهبية أو عرقية، داخل سوريا، سواء تم ذلك تحت شعار «الثأر» و«الانتقام» من معاناة فى عهد النظام السابق، مثلما حاول البعض إيجاد مبررات للعنف ضد «العلويين»، أو جاء ذلك فى إطار تحريض ثم استجابات لذلك التحريض من منطلقات تكفيرية أو تخوينية ضد أقليات مذهبية، مثل العلويين والدروز والإسماعيليين، أو حدث الشحن والتعبئة تحت شعار الحفاظ على وحدة أراضى الدولة، كما هو الحال تجاه الأكراد، يدفعنا كل ذلك إلى التوقف والبحث بجدية فى مضمون ودلالات هذه التطورات وكذلك السعى لتصور ما يمكن أن تئول إليه الأمور إذا ما استمر المسار الحالى على نهج التصعيد من هذا الجانب أو ذاك، ليس فقط بالنسبة لسوريا بل بالنسبة للوطن العربى ككل، وبلدان الشام والهلال الخصيب على وجه الخصوص فى المرحلة المقبلة.
وبدايةً دعونا نتفق على أن مخططات التفتيت الطائفى كانت دائمًا حاضرة فى أذهان كل القوى التى سعت لاستعمار الوطن العربى قديمًا وحديثًا أو للهيمنة على مقدراته والسيطرة على عملية صنع القرار ببلدانه، وذلك ما شهدناه على سبيل المثال لا الحصر مع عصر الحملات الصليبية ثم غزو التتار، وفى التاريخ الحديث تكرر الأمر نفسه مع الموجات المتلاحقة للاستعمار الأوروبى، ثم من جانب بعض الدول غير العربية الواقعة فى منطقة الشرق الأوسط ومن جانب قوى دولية كبرى، سعت ولا تزال للسيطرة على الوطن العربى وثرواته وتوجيه الأمور فيه بما يخدم مصالحها، وبالتالى فكل هؤلاء يسعون بالتأكيد لمنع عوامل التكامل أو التقارب داخل الوطن العربى وداخل كل قطر من أقطاره لأن ذلك لا يصب فى خدمة مصالحهم وأهدافهم.
وبالتالى، فإنه يتعين التصدى، سواء من منطلق وطنى أو قومى عربى أو حضارى إسلامى، لأى دعوة، أيًا كانت مبرراتها، للانسياق وراء نمط من التحريض التخوينى أو التكفيرى ضد أى طائفة تمثل جزءًا أصيلًا وثابتًا من النسيج الوطنى لأى دولة عربية ولها إسهام تاريخى لا ينسى فى تطور الحضارة العربية الإسلامية على مدار التاريخ باعتبار هذه الطوائف جزءا لا يتجزأ من مجتمعاتها وأسهمت فى مراحل نهضتها ودافعت عن أوطانها وقت تعرضت للغزوات الخارجية والاحتلال الأجنبى ورفضت فى مناسبات تاريخية كثيرة سابقة الانصياع لتلويح قوى إقليمية أو دولية معادية للعرب بأن توفر لها الحماية فى مواجهة شركائها فى الوطن والتاريخ والثقافة الاجتماعية والعادات والتقاليد والمصلحة والمصير.
وبالرغم من أن تلك الطوائف رفضت فى مجملها على مر التاريخ أن تكون مطية لقوى إقليمية أو دولية تود استخدامها كرأس جسر لتحقيق التشرذم الداخلى داخل الوطن العربى ككل أو داخل بعض أقطاره، ورفضت أن تلعب دور الطابور الخامس لتنفيذ أو خدمة مخططات تلك القوى والمساس بوحدة أراضى بلدانها وسلامة أراضيها، إلا أنه يجب التحلى بالواقعية وتصور أنه إذا شعرت تلك الطوائف بأن وجودها فى حد ذاته مستهدف من جانب فئات أو تيارات داخل المجتمعات العربية ذات الأغلبية العربية والسنية المسلمة، وأن بقاءها حية فى الوجود صار يتعرض للتهديد فإنه لا يجب استبعاد أن تتعلق بأى قشة يلقيها لها طرف أجنبى لضمان استمرار وجودها وحياتها.
ولا يجب نسيان أن بعض تلك الطوائف عندما تعرضت لهجمات وتحريض من بعض الحكومات والقوى داخل الوطن العربى على أسس قومية عربية، التى لم تتسم آنذاك بعمق الوعى ولا بعد النظر ولا اتساع الأفق، فى عقود سابقة شهدت بزوغ الفكر والحركة القومية العربية، فإن بعض مكوناتها تصادقت، بل وفى حالات بعينها تحالفت، مع قوى إقليمية ودولية معادية للمصالح العربية، ولا يجب السماح بتكرار ذلك المشهد، ولكن هذه المرة يأتى خطر تكراره من جانب من يطرح العداء لتلك الطوائف من بعض المنطلقات السلفية أو الأصولية أو الجهادية السنية الإسلامية، التى تتسم أيضًا بضيق الأفق والنظر وبالابتعاد عن صحيح وجوهر الإسلام الشامل بمعناه الحضارى والذى ساهم فى نهضته أقليات غير إسلامية وبالتأكيد أقليات مذهبية أو لغوية غير سنية وغير عربية، على مدار عصور ازدهاره وفى أوج مجده.
وبالتالى فإن هناك مسئوليات جسام تقع على عاتق العديد من الأطراف فى هذه المرحلة الهامة شديدة الحساسية والتعقيد التى توجد بها من المؤشرات ما ينذر بإمكان انزلاق سوريا، وربما يتلوها مباشرة بلدان عربية أخرى، خاصة فى منطقة الشرق الأوسط، على الأقل فى المرحلة القريبة القادمة، إلى مستنقع الصراعات الطائفية التى لن يكون هناك رابح من ورائها من جانب أى طرف عربى أو غير عربى ممن يساهم فى تكوين النسيج الوطنى للبلدان العربية ومن ثم يشكل عماد الوطن العربى ككل، بمن فى ذلك بالطبع من هم من غير العرب أو من غير المسلمين، بل سيكون الرابح الأول منها هى تلك الأطراف الإقليمية والدولية التى لا تضمر خيرًا لمستقبل البلدان العربية وشعوبها من العرب وغير العرب ومن المسلمين وغير المسلمين، سواء كدول منفردة أو بشكل جماعى كوطن عربى.
وعلى الجانب العربى، فإن الحكومات، بدءًا بالطبع بالسلطات السورية وحكومات البلدان المجاورة فى منطقة المشرق العربى فى آسيا التى لدى كل منها أيضًا تعدد فى الطوائف ما بين دينية أو قومية أو عرقية أو مذهبية ولغوية، وبعضها يتداخل بدرجة أو بأخرى مع الطوائف المتواجدة فى سوريا، عليها مسئولية تبنى السياسات واتخاذ الإجراءات وإصدار التصريحات التى توجه رسائل طمأنة واضحة لكل الطوائف أنها تمثل جزءًا لا يتجزأ من تكوين تلك البلدان وشعوبها وتاريخها وعطائها الحضارى وثقافتها وحاضرها ومستقبلها ومصيرها.
وسوف يكون من الهام أن تتضمن التطمينات التى أشرنا إليها فى الفقرة السابقة إجراءات أمنية جادة لتوفير الأمن لتلك الطوائف والحفاظ على حياة أبنائها وأعراضهم وممتلكاتهم كمواطنين متساوون فى الحقوق والواجبات مع بقية مواطنى سوريا والبلدان العربية الأخرى المعنية، ويرتبط بذلك أهمية تطبيق القانون على الجميع وعدم التهاون مع من يرتكب، سواء بشكل فردى أو جماعى، اعتداءات على المواطنين من أبناء تلك الطوائف أو يهدد حياتهم تحت أى مسمى، على أن يتزامن مع ذلك إخلاء سوريا والبلدان المجاورة لها من المسلحين من غير أبناء تلك البلدان الذين تكاثر عددهم منذ انتهاء الحروب فى أفغانستان والبوسنة وغيرها مما كان يتم تجنيد أبناء جنسيات كثيرة ومختلفة للقتال فيها تحت رايات دينية جهادية، وانتقل الميدان إلى بلاد الشام والهلال الخصيب فى أعقاب الغزو الأمريكى للعراق عام 2003 وما أدى إليه من فوضى وغياب سلطة لبعض الوقت، وتكاثر عددهم على خلفية بعض التطورات التى طرأت فى سوريا بشكل خاص خلال ما سمى ب «الربيع العربى» عام 2011 وما تلاه من اقتتال أهلى فى ذلك البلد العربى الحبيب.
ويجب أن يتواكب مع ذلك إطلاق حوار وطنى موسع لا يستبعد ولا يهمش أى طرف إلا من يستخدم العنف والسلاح ضد جزء آخر من أبناء وطنه، وإطلاق مثل هذه الحوارات هى بالتأكيد مسئولية أساسية للحكومات بحيث يعبر كل طرف مشارك عن مخاوفه ومصادر قلقه وعن مطالبه وتطلعاته وآماله والأرضية التى يقف عليها، مما يزيد اللحمة الوطنية وينهى أى خلافات بين أبناء الوطن الواحد بشكل سلمى وحضارى وديمقراطى. ولكن مسئولية الحوارات الوطنية لا تقف عند حدود الحكومات بل يجب أن يلعب فيها المثقفون العرب، وليس فقط السوريون، دورًا محوريًا، ومعهم وسائل الإعلام، سواء التقليدية أو الجديدة، وذلك لدعمها والترويج لها وضمان فاعليتها، وجدية مضمونها ونتائجها، بما يتوافق مع نموذج الدولة الوطنية الجامعة التى تحفظ لكل أبنائها حقوقهم على أساس المواطنة وبغض النظر عن الانتماء الدينى أو العرقى أو القومى أو المذهبى أو اللغوى أو الجهوى لكل منهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.