«كانت مجموعات من النساء والأطفال الباكين يتبعون فرقة التجنيد التى أخذت الرجال إلى الجيش، إلى أن يتم إجبارهم على العودة إلى قراهم»، هذه إحدى القصص التى تسردها المؤرخة جوديث تاكر، فى كتاب صدرت ترجمته أخيرا عن المركز القومى للترجمة. لم تهتم مؤلفة «نساء مصر فى القرن التاسع عشر» بالتاريخ الرسمى بقدر اهتمامها ب«الفئات المهمشة»، متبنية بذلك «منهجا غير تقليدى»، على حد تعبير هالة كمال، مترجمة الكتاب. لم يستوقفها قرار محمد على بالتجنيد الإجبارى فى حد ذاته، بقدر ما استوقفها تأثيره على حياة مئات الآلاف من الفلاحات. وهكذا يحفل كل فصل من فصول الكتاب الخمسة بقصص وشهادات حيوية ممتعة اقتبستها من مصادر ومراجع عديدة، منها سجلات المحاكم الشرعية. فى الفصل الأول الخاص ب«الإنتاج الزراعى والملكية»، نقرأ عن نساء عاملات زراعيات أجبرن على العمل بالسخرة حتى أثناء حملهن، وعن أخريات صاحبات أملاك تعرضن للسرقة ولمشكلات توزيع الميراث. فى الفصل الثانى، نقرأ عن نساء حرفيات وبائعات أو تاجرات فى الحضر. فى الثالث، عن تداخل العام والخاص ودور الدولة فى حياة النساء. أما الفصل الرابع، فتتخلله قصص «المقاومة والقمع» عن نساء اتهمن بسرقة أو «الاستفزاز فى مخاطبة» الجنود الإنجليز، أو «بإلقاء المياه القذرة برائحة البول على وجه» ضابط إنجليزى. فى الفصل الخاص بالرق، تحكى قصصا حول الجوارى مختلفة الأدوار فى العائلات الحاكمة. «نساء مصر فى القرن التاسع عشر»، يندرج ضمن كتب تستخدم منهجا يتداخل فيه التاريخ والعلوم الإنسانية الأخرى»، حسب تعبير أستاذ التاريخ محمد عفيفى عبدالخالق، فى ندوة عقدت حول الكتاب فى المجلس الأعلى للثقافة، مضيفا أن المؤلفة تنتمى إلى «مدرسة جديدة فى تأريخ الشرق الأوسط. ترى أنه لا يوجد قطيعة بين فترة الحداثة وفترة ما قبل الحداثة»، ومن ثم، لا تنظر إلى القرن التاسع عشر باعتباره زمن النهضة الذى جاء بتغييرات بالضرورة إيجابية. إذ تعرض المؤلفة، من خلال تحليل دقيق لتجربة النساء فى عصر محمد على، التأثير السلبى لبعض قراراته فى مجالى التصنيع والتعليم مثلا، إذ أدت فى الحالة الأولى إلى تهميش الحرفيات وفى الثانية إلى إقامة مدارس لم تلتحق بها أجيال من البنات كانت تتلقى تعليمها فى الكتّاب. كتاب آن آوان ترجمته بعد أكثر من 25 عاما على تأليفه، ليس فقط كى يطلع عليه طلاب قسم التاريخ ويتعرفوا على منهج غير مألوف بالنسبة لهم، بل أيضا كى يتمكن نساء مصر فى القرن الواحد والعشرين من التعرف على حياة جداتهن اليومية.