تأتى المربية الأفريقية أو الآسيوية من بلد آخر، ما تلبث أن تتعرف على الحياة فى مصر إلا وتجد نفسها جزءا من أسرة فيها، بل مسئولة عن رعاية أحد أفرادها. وطالت إقامتها فى البلد أو قصرت ستكون الأجنبية مضطرة لتكييف تربيتها للأطفال على طريقة معيشة أسرهم المصرية. اختلاف الثقافات قد يكون ميزة فى أحد الشوارع الهادئة بالمعادى خرجت من بناية أنيقة سيدة بملامح أفريقية تغطى بقماش داكن ملابسها الزاهية، ابتسمت السيدة للحارس المسن وسألته عن حاله، فرد عليها: «تعبان والله»، أجابته بلغة عربية لا تخلو من لكنة واضحة «أنا كمان لم أنم». السيدة التى تعمل منذ ثلاث سنوات لدى أصحاب هذه الفيللا كمربية لطفلين ولا تفكر الأسرة فى الاستغناء عنها كما أخبرنى الحارس مبررا «أنها أصبحت واحدة منهم». فعادة بعد أن تقرر الأم استقدام مربية أجنبية لطفلها، تنشغل فى تقريب الطفل إلى راعيته الجديدة بينما تتضاعف مهمة هذه الجديدة لتصبح التودد إلى الطفل من جهة والتكيف مع مناخ الأسرة المصرية المختلفة عنها من جهة أخرى، وكما توجد حلول لكسب عميلها الصغير عليها كذلك سد أى فروقات ثقافية أو اجتماعية بينها وبين مجتمعها الجديد. وطوال عامين قضتهما فى العمل بمصر كمربية لم تقابل «ها» مشكلة ثقافية كما تقول: «لا أعتقد أننى أتعرض لمشكلة مع الأسر التى أرعى أبناءهم بسبب اختلاف الثقافات، على العكس، إن هذا الاختلاف هو ميزة لدى». أول وأهم عناصر فى هذا الاختلاف هو اللغة، لكن المربية الغينية تذكر أن الأسر التى عملت لديها ترسل أبناءها لمدارس فرنسية، وبالتالى فقد فضلوا كونها فرانكفونية، ما يعطى للأطفال مساحة أكبر للممارسة اللغة ويوفر على الأمهات عناء متابعة دراسة الأولاد. و«ها» حاصلة على شهادة جامعية فى القانون من بلدها كما تذكر: «أردت تحضير دراسات عليا لكننى لم أستطع لأسباب مادية، فقررت العمل لتوفير الأموال اللازمة لذلك واستثمرت حبى للأطفال فى رعايتهم مقابل أجر، خاصة أن شقيقتى الكبرى تعمل أيضا مربية أطفال». الفكرة نفسها تؤكدها المربية الفليبينية ليديا قائلة: «بعض الأسر تطلب منى عدم التحدث مع الطفل باللغة العربية، لأنهم يريدون تعليمه الإنجليزية من صغره». ورغم أن الإنجليزية ليست لغتها الأم فإن ليديا تتحدثها بمستوى أعلى من المتوسط، وتعلم الأطفال حروفها الأبجدية والأرقام وبعض المبادئ البسيطة. ولم تجد السيدة نفسها مضطرة للتأقلم مع «حاجز اللغة» أو حتى اعتباره فارقا ثقافيا فى غير صالح الطفل، وبعد نحو 15 عاما من العمل فى مصر ماتزال المربية الخمسينية غير قادرة على التحدث بالعربية إلا بعض الكلمات الضرورية فى الحياة اليومية. محاولات للتكيف مع المجتمع الجديد ويستبعد كريم السلوتى المستشار القانونى لشركة «ماستر ليجل» للمساعدات القانونية وخدمات الأجانب مسألة اللغة من قائمة الاختلافات التى قد تولد مشكلات للمربية مع الطفل أو الأسرة. فمن واقع عمله فى شركة تنسق عمل المربيات يقول: «تقريبا جميع الأسر التى تستقدم مربية أجنبية يكون أولادهم فى مدارس أجنبية أيضا، ويتحدث الوالدان اللغة الإنجليزية أو الفرنسية». ويضيف: «هذا لا ينطبق على اللغة فقط، الطفل يعيش يومه فى المدرسة بطريقة تعليم وأسلوب حياة أوروبى أو أمريكى فالأسرة التى اختارت له ذلك لن يزعجها أن تكون من ترعاه من خلفية ثقافية مختلفة». ويرى السلوتى أن المربيات الأجنبيات ينوين التكيف على الحياة فى مصر فور وصولهن: «ابتداء من أسمائهن التى قد يغيرنها إلى أسماء مصرية مثل فاطمة ونفيسة وحتى شاكيرا! إلى تعلمهن السريع لبعض الكلمات العامية والتزامهن بزى محتشم بل أحيانا أجد بعضهن يرتدى الحجاب رغم كونهن مسيحيات، بناء على علمهن بأن المجتمع هنا غالبيته متحجبات!» وبدا أن اختلاف الديانة لا يصنع عائقا أمام تربية هؤلاء الأجنبيات للأطفال، فالفليبينية «ليديا» لا تعلن عن عقيدتها الدينية، كما أن الأسرة التى تعمل لديها لا تهتم بذلك، فهى لا تحدث الطفل مثلا عن شىء مخالف لديانته المسيحية أو الإسلامية. حتى «ها» المسيحية المتدينة تفعل الشىء نفسه، غير أنها تعلن للأسرة التى تعمل لديها أنها تذهب للكنيسة يوما فى الأسبوع تحتسبه من إجازتها. وتقول: «كل الأسر التى عملت لديها مسلمة وأنا مسيحية». تمتلئ السوق اليوم بالمربيات الأجنبيات من جنسيات مختلفة آتين من القارتين آسيا وأفريقيا ومن بينهن مسلمات، ما يكسبهن ميزة الاتفاق فى الديانة التى بات عدد من الأسر يبحث عنها وفقا للسلوتى الذى يقتضى نظام العمل فى الشركة التى يعمل مستشارا قانونيا لها جلوس مسئول بها مع المربية الأجنبية قبل تسلمها عملها. وهو يؤكد على محاذير أساسية تحول دون وقوع نوع من الصدام الثقافى: «ببساطة هى عدم الحديث فى السياسة أو الجنس أو الدين». الأكثر تكيفا بعد عامين من العمل مع أسر مسلمة لم تغط «ها» رأسها بالحجاب، إنما صارت تضع شالا على كتفيها «لأنها فى مصر» كما تشرح، تشمر الشال قليلا وتعلق: «بشرتى السمراء لا تعجب الأطفال» تقول ها ذلك بالفرنسية وبالإنجليزية المتكسرة ثم تشير على ذراعها النحيل وتكرر باللغة العربية «سمرا»! وتروى أن ثانى أسرة عملت لديها كان الطفل عمره سبع وقال لوالدته إن المربية لا تعجبه لأنها سمراء. غير أن كريم السلوتى يؤكد أن الأفريقيات أحسن من يتكيف مع الحياة فى البيوت المصرية، موضحا: «الأفريقيات هن الأكثر تكيفا على أية ظروف يعيشها العميل، بسبب كثرة أعدادهن فالمسألة هنا تصبح عرضا وطلبا!» بينما «الفليبينيات الأكثر مطالبة بميزات إضافية، لندرة أعدادهن بناء على تشدد الحكومة المصرية تجاه العمالة الآسيوية عموما» ما يرفع أجورهن ويجعل من يقرر استخدامهن يتكيف على ما يطلبونه. وغالبا ما يكون الطفل هو صاحب القرار فى اختيار مربيته، فالمعتاد فى الشركات الوسيطة هو أن تقدم الشركة ترشيحات للأم بالجنسيات والأجور وفقا لما تطلبه، وتقابل الأم المرشحات بصحبة طفلها غالبا، فى لقاء قد يغيب عنه الأب. دارين أم لتوءمتين عمرهما 8 أشهر تساعدها مربية نيجيرية، إذ بدأت فى البحث عنها مع زوجها قبل أن تضع طفلتيها! وتوضح: «سألت صديقاتى عن مربية ثقة، لأننى أم للمرة الأولى من ناحية ومن أخرى لأننى سيكون لدى توءم، بمعنى أن يستحيل على تحمل مسئوليتهما وحدى». وفى كل المقابلات التى أجرتها مع المربيات كان زوجها حاضرا «لأنه شىء مهم يخص أبنائنا»، إلى أن اختارت هذه المربية النيجيرية. بينما بدت دارين راضية عن اختيارها النيجيرى، ترفض عائشة أم لطفلين فى التعليم الابتدائى (9 و11 سنة) الأفريقيات بشكل قاطع، مفضلة الآسيويات «لأنهن يكن مدربات ومستوعبات لعملهن، بينما الأفريقيات فى الغالب يكن قد عانين فى طفولتهن»، على حد قولها. محاولات الحصول على اللجوء وفى سوق العمالة المنزلية المصرى نحو 260 ألف خادمة أجنبية أصدرته الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية بالقاهرة قبل عامين، وأورد التقرير نفسه أن نسبة الفليبينيات والروسيات والكوريات والسريلانكيات تتراجع عما جاء فى إحصاءات سابقة. ويصل عدد الجنسيات الأجنبية العاملة فى المجال إلى 14 جنسية، من القارة السمراء وحدها تأتى المربيات والخادمات من إثيوبيا وأريتريا والسودان وسييراليون ونيجيريا وغينيا والكاميرون والكونغو، ويدخل مجال الخدمة المنزلية من بينهن من جاء فى مصر للإقامة المؤقتة فى سبيل الحصول على لجوء من خلال الأممالمتحدة. وفى المتوسط، تتراوح رواتب المربيات الأجنبيات بين 2200 و3500 جنيه مصرى، والفليبينية غير المقيمة تحاسب بأجر 5 دولارات فى الساعة، أما إذا كانت مقيمة فتعتنى بالطفل وتؤدى التنظيف اليومى للمنزل مقابل من 550 إلى 700 دولار شهريا. ولأن المربية الأجنبية غير محمية بقانون يضمن لها تسلم راتبها، فهى مضطرة للتكيف على ظروف الأسرة أيا كانت، إذ يستثنى قانون العمل الموحد (12 لسنة 2003) عمال الخدمة المنزلية ومن فى حكمهم من النصوص الواردة فيه، إذ اعتبر المشرع أن هذه الفئة تربطها علاقة خاصة بصاحب العمل، واحترام هذه الخصوصية يستوجب عدم إسباغ الصيغة القانونية عليها! فى الوقت نفسه يغيب قانون ينظم العلاقة بين الخادم والمخدوم كما يقول كريم السلوتى الذى يشرح «عندما توقع الأسرة تعاقدا مع مكتب وسيط لاستقدام مربية فالطرفان هنا هما المكتب والأسرة، أما المربية فلا ضامن لحقوقها». أمور صعب التأقلم عليها «المربية بمثابة أم ثانية للطفل، ويفترض وجود قدر من الاحترام بين الطرفين يدفع الطفل لطاعتها، لكن ما يحدث كثيرا هو أن توجهنى الأم أمام الابن، أو أحيانا أعد الصغير بمكافأة مثل الخروج إلى النادى ولا تنفذها الأم «تقول ليديا ذلك فى أسف لا تخففه سنوات الخبرة والإقامة الطويلة فى مصر، فالعنصر الأساسى فى علاقتها بالطفل تهدمه كثير من الأمهات اللاتى تعاملت معهن وهو أمر كثيرا ما لا تنجح المربية الفليبينية فى التكيف معه، فصارت تقترح حلا على الأم من البداية: «أن تكتب لى خطتها فى تربية الطفل، بما فى ذلك تفاصيل موعد استيقاظه ونومه وأكله وكل شىء». ويحدث العكس مع «ها»: «إذا كانت السيدة تتركنى مع الطفل وتختفى معظم اليوم فى عملها أو النادى أو أية مكان، فالأولى بها أن تحث طفلها على طاعتى على الأقل خلال هذه الفترة، لكنها أخذت تلومنى دون إعطائى أى سلطات، فقط على أن أراقب ما يفعل وتحمل الأخطاء». يناقض كلام المربيتين فكرة سائدة بأن الأجنبية التى تعتنى بالطفل تلقنه مفاهيم غريبة عن المجتمع، ما دفع بعض نواب مجلس الشعب فى أعقاب صدور قانون العمل الموحد إلى المطالبة بالحظر الشامل على استيراد المربيات والخادمات الأجانب. وفى عام 2004 رفعت إلى لجنتى الشئون الدينية والقوى العاملة بالبرلمان مذكرة تحمل هذا المطلب المبرر بأن احتكاك هؤلاء بالطفل يؤدى إلى «تغيير عادات الطفل المصرى وسلوكياته خلال مرحلة التكوين». إلا أن الواقع هو أن «مفهومنا لمربية الأطفال أنها سيدة تفعل ما نطلبه منها، وإذا ابتكرت أو اتبعت نظاما تعلمته هى نقابل ذلك بانتقادها»، كما يقول السلوتى الذى يرى الأسرة المصرية شديدة الحرص على إلزام المربية برؤية الأم فى التعامل مع طفلها، مشيرا إلى استخدام الكثير من البيوت لكاميرات المراقبة المخفية لملاحظة سلوك المربية الأجنبية. ولم تستخدم دارين حتى الآن هذه الكاميرات: «لأننى طوال الوقت مع المربية وبناتى»، ففى رأيها أن استخدام مربية «لا يعنى أنها أما بديلة للأطفال، ولا يقلل دور الأم». محاولات كبيرة للاستمرار ومهما واجهن ظروفا صعبة تحاول غالبية المربيات الأجنبيات الاستمرار فى وظائفهن، إذ يصبح وجودهن فى بلد أجنبى بلا عمل أمرا لا معنى له، أما ما لا تستطيع المربية الأجنبية التكيف عليه، فهو «المكائد التى كثيرا ما تأتى من ناحية زميلتها المصرية إذا كن يعملن فى البيت نفسه» كما يقول المستشار القانونى لشركة «ماستر ليجل»، مضيفا: «طبعا السبب الرئيسى لهذه المكائد هو تفاوت رواتب الاثنتين». عرض وطلب «الأفريقيات هن الأكثر تكيفا مع أى ظروف يعيشها العميل بسبب كثرة أعدادهن بينما الفلبينيات الأكثر مطالبة بميزات إضافية لندرة أعدادهن وتشدد الحكومة المصرية تجاه العمالة الآسيوية عموما مما يرفع أجورهن.