اختتام الدورة 155 للأمن السيبراني لمعلمي قنا وتكريم 134 معلماً    الفريق أحمد خالد: الإسكندرية نموذج أصيل للتعايش الوطني عبر التاريخ    وزير العمل: الاستراتيجية الوطنية للتشغيل ستوفر ملايين فرص العمل بشكل سهل وبسيط    مصطفى بكري بعد تصريحات مدبولي: نحن أمام حدث تاريخي.. حجم الدين كنسبة سينخفض لما قبل 1975    القادم أعظم، هيجسيث يعلن تحركات جديدة بعد ضربة أمريكية ضد "داعش" في نيجيريا    زيلينسكي يبحث هاتفياً مع المبعوثَيْن الأميركيين خطة السلام مع روسيا    الاحتلال يصدر أوامر إخلاء لإزالة منازل الفلسطينيين فى حى التفاح بغزة    18 إنذارا للمصريين فى 10 مباريات رصيد حكم مباراة الفراعنة وجنوب أفريقيا    أمن الجزائر يحبط تهريب شحنات مخدرات كبيرة عبر ميناء بجاية    سكرتير محافظة القاهرة: تطبيق مبادرة مركبات «كيوت» مطلع الأسبوع المقبل    وفاة الزوج أثناء الطلاق الرجعي.. هل للزوجة نصيب في الميراث؟    الإفتاء تحسم الجدل: الاحتفال برأس السنة جائزة شرعًا ولا حرمة فيه    «الثقافة الصحية بالمنوفية» تكثّف أنشطتها خلال الأيام العالمية    إصابة جندي إسرائيلي في إطلاق نار داخل قاعدة عسكرية    منة فضالي للإعلامية يارا أحمد: لو حجيت هتحجب وساعتها هسيب الشغلانة    الأب بطرس دانيال: اختلاف الأديان مصدر غنى إنساني وليس سببًا للصراع    ترامب يعلن "ضربة قاتلة" لتنظيم "داعش" في نيجيريا    هشام يكن: مواجهة جنوب أفريقيا صعبة.. وصلاح قادر على صنع الفارق    حريق هائل في عزبة بخيت بمنشية ناصر بالقاهرة| صور    أردوغان للبرهان: تركيا ترغب في تحقيق الاستقرار والحفاظ على وحدة أراضي السودان    «اللي من القلب بيروح للقلب».. مريم الباجوري تكشف كواليس مسلسل «ميدتيرم»    أمم إفريقيا - تعيين عاشور وعزب ضمن حكام الجولة الثانية من المجموعات    كأس مصر - بتواجد تقنية الفيديو.. دسوقي حكم مباراة الجيش ضد كهرباء الإسماعيلية    محمد فؤاد ومصطفى حجاج يتألقان في حفل جماهيري كبير لمجموعة طلعت مصطفى في «سيليا» بالعاصمة الإدارية    الأقصر تستضيف مؤتمرًا علميًا يناقش أحدث علاجات السمنة وإرشادات علاج السكر والغدد الصماء    نجم الأهلي السابق: تشكيل الفراعنة أمام جنوب إفريقيا لا يحتاج لتغييرات    بروتوكولي تعاون لتطوير آليات العمل القضائي وتبادل الخبرات بين مصر وفلسطين    رئيس كوريا الشمالية يؤكد أهمية قطاع إنتاج الصواريخ في تعزيز الردع العسكري    محافظة الإسماعيلية تحتفل بالذكرى الخمسين لرحيل كوكب الشرق بحفل "كلثوميات".. صور    متابعة مشروع تطوير شارع الإخلاص بحي الطالبية    ناقد رياضي: تمرد بين لاعبي الزمالك ورفض خوض مباراة بلدية المحلة    أسامة كمال عن قضية السباح يوسف محمد: كنت أتمنى حبس ال 18 متهما كلهم.. وصاحب شائعة المنشطات يجب محاسبته    كشف لغز جثة صحراوي الجيزة.. جرعة مخدرات زائدة وراء الوفاة ولا شبهة جنائية    40 جنيهاً ثمن أكياس إخفاء جريمة طفل المنشار.. تفاصيل محاكمة والد المتهم    الزمالك يستعد لمباراة غزل المحلة دون راحة    ساليبا: أرسنال قادر على حصد الرباعية هذا الموسم    واعظات الأوقاف يقدمن دعما نفسيا ودعويا ضمن فعاليات شهر التطوع    استمرار حملات إزالة التعديات على الأراضي الزراعية بكرداسة    فاروق جويدة: هناك عملية تشويه لكل رموز مصر وآخر ضحاياها أم كلثوم    عقب واقعة ريهام عبد الغفور.. أشرف زكي: هناك ضوابط يُجرى إعدادها خلال ال48 ساعة المقبلة    تطور جديد في قضية عمرو دياب وصفعه شاب    جلا هشام: شخصية ناعومي في مسلسل ميد تيرم من أقرب الأدوار إلى قلبي    "التعليم المدمج" بجامعة الأقصر يعلن موعد امتحانات الماجستير والدكتوراه المهنية.. 24 يناير    أخبار مصر اليوم: سحب منخفضة على السواحل الشمالية والوجه البحري.. وزير العمل يصدر قرارًا لتنظيم تشغيل ذوي الهمم بالمنشآت.. إغلاق موقع إلكتروني مزور لبيع تذاكر المتحف المصري الكبير    جوتيريش يدعو لضمان انتخابات سلمية وشاملة في جمهورية أفريقيا الوسطى    ضياء رشوان: نتنياهو يحاول اختزال المرحلة الثانية من اتفاق غزة في نزع سلاح حماس وتغيير مهام قوة السلام    دهس طفل تحت عجلات ميكروباص فوق كوبري الفيوم.. والسائق في قبضة الأمن    أخبار كفر الشيخ اليوم.. إعلان نتائج انتخابات مجلس النواب رسميًا    جراحة دقيقة بمستشفى الفيوم العام تنقذ حياة رضيع عمره 9 أيام    أخصائي يُحذر: نمط الحياة الكارثي وراء إصابة الشباب بشيخوخة العظام المبكرة    خبير: صناعة التعهيد خلقت فرص عمل كبيرة للشباب وجذبت استثمارات أجنبية لمصر    كيف نُصلِح الخلافات الزوجية بين الصم والبكم؟.. أمين الفتوى يجيب    "إسماعيل" يستقبل فريق الدعم الفني لمشروع تطوير نظم الاختبارات العملية والشفهية بالجامعة    حزب المؤتمر: نجاح جولة الإعادة يعكس تطور إدارة الاستحقاقات الدستورية    هل للصيام في رجب فضل عن غيره؟.. الأزهر يُجيب    الوطنية للانتخابات: إبطال اللجنة 71 في بلبيس و26 و36 بالمنصورة و68 بميت غمر    ادِّعاء خصومات وهمية على السلع بغرض سرعة بيعها.. الأزهر للفتوي يوضح    محافظ الجيزة يفتتح قسم رعاية المخ والأعصاب بمستشفى الوراق المركزي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول مجموعة.. لا أسمع صوتي
نشر في الشروق الجديد يوم 20 - 02 - 2025

قبل أسبوعين كتبتُ عن إحدى الروايات التي وصلَت إلى القائمة القصيرة في مسابقة ساويرس- فرع الأدباء الشبّان. وفي هذا المقال أستعرض مجموعة قصصية وصلَت هي الأخرى للقائمة القصيرة بنفس المسابقة، وهي للكاتبة تيسير النجّار وتحمل عنوان "لا أسمع صوتي"، وصدرَت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في عام 2023. تتضمّن المجموعة ست عشرة قصة قصيرة، لو أردنا البحث عن التيمة المشتركة بينها جميعًا لقلنا إنها التهميش، وهي تيمة تكرّرت في أكثر من عمل للكاتبة، ومن ذلك مجموعتها القصصية التي جاءت تحت عنوان "خلف الباب المغلق" وهي في ما أظن بوابتها الأولى إلى عالم الكتابة والأدب. ففي مجموعة "لا أسمع صوتي" نجد أنفسنا إزاء ست عشرة بطلة غالبًا من ساكنات الريف والمحافظات النائية، كلهن غير مرئيات في دوائرهن الصغيرة والكبيرة.. لا أحد يشعر بهن ولا أحد يتعاطف معهن، أكثرهن مطلّقات من أزواج هم في الأصل مطلقون وأرامل وأحيانًا آباء لأولاد وبنات. تصف إحداهن حياتها التي لا يهتم بها أحد بأنها ما هي "سوى بصقة"، وتصف أخرى حياتها بأنها مثل طاولة مكسورة الرِجل في مكانٍ منسيٍ بإحدى الكافيتريات.
• • •
تأخذك المجموعة إلى عوالم النساء المهمشّات مع اختلاف مصادر التهميش، فهذه فتاة في قصة "داليدا" أحبت شابًا لم توافق عليه أسرتها لأنه هلفوت ولأن أجداده وأجدادها كانوا على خلاف، فتبكي وتصرخ ولا يبالي بها أحد، وفي الأخير تتزوّج شابًا ميسورًا يظن أنها لازالت تحّب فتاها الأول فيجتنبها ويجافيها. فتاة أخرى في قصة "العودة إلى البيت" تعيش مع أبويها المسنيّن وتتضخّم مشاعر غربتها بفعل الفارق العمري الكبير بينها وبينهما، فلا هي اختارت ألوان جدران المنزل، ولا وسعها يومًا أن ترفع صوتها أو تشاهد البرامج التي تحبها، وحين تقرّر القفز من السفينة وتتزوّج زواج صالونات تُفاجأ بأن زوجها المطلّق يطلب منها العيش في بيت الزوجية الأول فتطلب الطلاق وتهرب من بيت لا يشبهها لتعود إلى سجنٍ مقنّنٍ لم يكن يشبهها. فتاة ثالثة في قصة "لقاء" تتعلّق برجل يقترب من سن المعاش لأنه الوحيد الذي يسحب لها الكرسي لتجلس، ويسألها عن نوع العصير الذي تحبه، ويستأذنها قبل أن يدخّن، وما سألها أحدُ من قبل عن رأيها في أي شئ. فتاة رابعة في "القصة" أحبّت كاتبًا كبيرًا وصوّر لها وهمها أن إحدى الحكايات في مجموعته القصصية كُتبت لأجلها، وحين تسأله عما تتصوّره يجيبها- بلا مبالاة كأن وجودها لا يعنيه في شئ- "اعتبريها ليكي لو دا يفرحك". أما أكثر الفتيات بؤسًا فكانت بطلة قصة "بقع حمراء مخيفة" عن مرحلة البلوغ التي تفاجئ صاحبتها دون أن تقدّم لها الأم المحافظة حدًا أدنى من الاهتمام بمعاناتها وارتباكها ودهشتها.. بل تتركها لنفسها ولنفسها فقط، فإذا بهذه الفتاة البائسة حين تفاجئها دورتها الشهرية وهي في رحلة مدرسية لجزيرة النباتات تتسلَل إلى المسجد وتسرق سجادته الصغيرة المنقوشة وتصنع منها قطع قماش توقف بها نزيفها الدامي. ومع أنه جرت العادة أن تكون القصة التي تحمل المجموعة عنوانها هي درّة العمل، إلا أنني لا أعتبرها كذلك في مجموعة تيسير النجّار فقصة "لا أسمع صوتي" قصة عادية تدور حول فتاة لا تعرف بالضبط ماذا تريد إلى أن يلفتها لذلك طبيبها النفسي. أما "بقع حمراء مخيفة" فهي على بساطتها وإيلامها وقسوتها تبدو لي أنها الأروع، وفيها تفسّر الكاتبة الاضطراب الذي يعتري الفتيات مع نزيفهن الشهري تفسيرًا غير تقليدي، فتعزوه تارةً إلى شعورهن بالحسرة لفقدان طفلٍ كان يمكن أن يتشكّل ويولد، وتعزوه تارةً أخرى إلى انسياب بعضٍ من دماء النساء إلى صندوق القمامة.
• • •
هكذا هن بطلات المجموعة القصصية "لا أسمع صوتي" مسحوقات بفعل سطوة العادات والتقاليد في مجتمعاتهن الريفية، كأنهن السراب في هذه المجتمعات التي لا ترى فيهن إلا الدنس. ورغم أن معظم هؤلاء البطلات استسلمن لهذا الواقع الظالم، إلا أن الكاتبة أتاحت للبعض منهن أن تتمرد على ظروفها. بدا هذا التمرد في حدّه الأدنى في قصة "أصفر داكن" مع تلك الأم التي انفصلَت عن زوجها الغليظ بعدما اقتحمها يوم زفافها كثور وعاش معها غير عابئ بها، فإذا هي تُسكت صوت الأنثى فيها وتتفرّغ لرعاية ابنتها، حتى إذا أتى يوم قررت أن تكافئ نفسها فصنعَت عجينة صفراء داكنة اللون ومضت تنظّف بها جلدها وتعيد إليه نعومته، كما قررَت أن تكافئ ابنتها فاشترت لها البيتزا التي تحبها. بالمناسبة هذه التصرفات التعويضية رغم بساطتها قادرة على فتح الشهية وتغيير المود. وقد يكون التمرد مجرد فعل سلبي في قصة "كما لا يليق بعشيقة" مع تلك الفتاة التي توهّمت أن الجنود يطرقون الباب ليداهموا خلوتها مع عشيقها ويقتادونهما معًا إلى قسم الشرطة- فإذا بها تأخذ ذيلها في أسنانها وتقول يا فكيك، مع أن الطارق الفعلي لم يكن سوى الزبّال. وفي قصة "الانفجار بالألفاظ البذيئة" حاولَت البطلة التعبير عن ظلمها بسيل بذئ من الكلمات على فيسبوك، لكنها عادت وتراجعَت. أما أكثر أنواع التمرد إيجابية وقوة في مجموعة تيسير النجّار فبدت لنا في ثلاث قصص: الأولى قصة "يجب أن أقتل أمينة"، عندما قررَت البطلة أن تتخلّص من شخصية أمينة زوجة سي السيد التي تسكنها، وترفض مواصلة الخنوع بعد أن تركَت العالم كله لأجل زوجها فما زاده ذلك إلا تجبّرًا. والثانية في قصة "كومبارس" عندما أتى تمرد البطلة قويًا وفوريًا وحاسمًا بأن قرّرَت فكّ ارتباطها بزوج أختها المتوفاة حين ناداها باسم أختها. والثالثة قصة "الوريثة" عندما تقمصّت البطلة شخصية والدها الشيخ الميرغني الذي كان يصنع الأحجبة ويفكّ السحر والعمل الخبيث، فراحت تبيع الهواء للزبائن وتكتب لهم قصصًا من وحي خيالها في داخل الأحجبة، ومع ذلك تغنّى الكل بمعجزاتها وذاع صيتها وتزوجّت أغنى أغنياء القرية. وبذلك تحوّلت من فتاة لم تكمل تعليمها ويخفيها أبوها عن العيون، إلى وليّة من أولياء الله الصالحين.
• • •
إن مجموعة "لا أسمع صوتي" عمل مكتوب بحرفية عالية، توّحدّت فيه الكاتبة مع بطلاتها، ونجحَت في نقل معاناتهن للقرّاء وجعلَتهم يستحضرون النماذج المشابهة لهؤلاء النساء في حياتهم اليومية. وعلى المستوى الشخصي أكاد أقول إنني بعدما فرغت من قراءة المجموعة القصصية داخلني شعور حقيقي بأنني صرت أسمع أصوات بطلات تيسير النجّار بالقوة الممكنة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.