فى يوم غابت عنه عروض المسابقة الرسمية عن المهرجان، حظى المخرج الأمريكى الكبير «أوليفر ستون» وفيلمه الأحدث «وول ستريت المال لا ينام» بالاهتمام الأكبر عند عرضه فى إطار قسم «خارج المسابقة» يوم الجمعة الماضى الفيلم. الذى يعد استكمالا للجزء الأول للفيلم الذى حمل نفس الاسم والذى حقق نجاحا واسعا ونال أكبر الجوائز عند عرضه منذ 23 عاما كاملة. يلعب بطولته نفس بطل الجزء الأول «مايكل دوجلاس» إلى جانب الممثل الشاب «شيا لابوف» و«جوش برولين» و«فرانك لانجيلا» مع ظهور شرفى ل«سوزان ساراندون» ومفاجئ ل«شارلى شين»، أحد الأبطال الرئيسيين للجزء الأول. حظى العرضان اللذان أُقيما للفيلم ب»كان» بإقبال منقطع النظير لتشوق الصحافة والجمهور لمعرفة ما آلت إليه أحوال أبطال هذا العمل الذى أحبوه واكتشاف كيفية تعامل هؤلاء الوحوش الرأسماليين المنتمين لأهم شوارع المال والبورصة فى العالم مع تلك الأزمة الاقتصادية. التى عصفت بجميع النظريات الحاكمة لهذا العالم، والتى استخدموها لتضخيم ثرواتهم. وبالفعل تبدأ أحداث الفيلم فى عام 2008 مع خروج «جوردون جيكو» (دوجلاس) من السجن بعد القبض عليه فى قضايا فساد وغسيل أموال. يعود «جوردون» محاولا بدء حياته من جديد بعد ضياع ثروته فينشر كتابا يحمل اسم «الجشع جيد» ناقلا فيه خبراته المالية، التى اكتسبها خلال رحلته الطويلة. ولكن يتضح أن «جوردون» يهدف إلى أبعد من ذلك فهو قد عاد لينتقم ممن أدخلوه السجن، وعلى رأسهم «برتون جيمس» (برولين) مالك أحد أكبر بنوك «وول ستريت»، مستغلا زوج ابنته، «جاك موور» (لابوف)، الذى انتقل للعمل لدى «جيمس» بعد تسبب الأخير فى إفلاس الرئيس السابق ل«مور» فى البنك الذى كان يعمل به ودفعه للانتحار. خيوط كثيرة متشابكة نسجها «ستون» ببراعة وحرفية فى هذا العمل، والذى كشف من خلاله وبأسلوب مبسط لغير المتخصصين اقتصاديا الصراعات الخفية. التى أدت لاندلاع تلك الأزمة المالية العالمية ،والتى راح صغار المستثمرين والمستهلكين السذج ضحيتها وضحية جشع كبار الرأسماليين المتحكمين فى سوق المال والبورصة. غير أن «ستون» هذه المرة أعطى ثقلا أكثر من عادته فى أفلامه للجانب الحالم فى الإنسانية عبر شخصية «موور» الشاب الطموح، الذى ينوى الزواج من «وينى» (كارى موليجان) ابنة «جوردون جيكو» ومالكة مدونة مثيرة للجدل. فنجد «موور» لا يدخر جهدا من أجل التقرب إلى «جوردون» وعمل المستحيل من أجل إصلاح علاقة هذا الأخير بابنته الكارهة له، والتى تراه سبب وفاة أخيها منتحرا (فى الجزء الأول). وفى نفس الوقت ف«موور» بتجسيده للمثالية (وإن ابتعد عنها بعض الشىء مع نهاية الفيلم) يحلم بمساعدة أحد العلماء فى تنفيذ مشروعه للطاقة البديلة، ويحاول إيجاد أى طريقة لتمويل هذا المشروع. دوجلاس.. توهج لا يطفؤه الزمن برع «دوجلاس» مرة أخرى فى أداء دور «جوردون» رغم مرور هذا الزمن الطويل فبدا وكأنه لم ينقطع عن هذه الشخصية طوال الثلاثة وعشرين عاما الماضية بل كان ملازما ومعايشا إياها يوما بيوم. فرغم طبيعة كره المشاهد لهذه الشخصية بكل ما تحمله من شر خاصة مع قرب نهاية الفيلم واكتشاف استغلال «جوردون» لابنته وحبيبها من أجل استعادة الأموال، التى كان كتبها باسم ابنته قبل سجنه إلا أن «دوجلاس» بأدائه المتميز هذه المرة أجبر المشاهد على متابعة أفعاله المشينة بإعجاب. «جوش برولين» فى «وول ستريت» لا يمكن تخيله سوى رجل رأسمالى جشع بهذا التبلد الشديد الذى يكسو وجهه. أما الشخصية المحورية، والتى أداها «لابوف» فقد كان ربما أضعف شخصية ربما لغياب أى ملامح للخفية، التى بنيت عليها بالإضافة إلى مثاليتها المبالغ بها فى بعض الأحيان. الفيلم فى مجمله يحمل رسالة حيوية جدا بإشارته إلى الدور المدمر. الذى يمكن أن تلعبه الشائعات وكيفية إمكانية استغلال الإعلام إيجابيا أو سلبيا بالإضافة إلى فضحه ألاعيب كبار الرأسماليين. كل ذلك يضع «وول ستريت» فى مصاف أهم أفلام السنة حتى وإن لم يرق إلى المستوى الرفيع الذى اعتدناه من «ستون» مع توقع تحقيقه إيرادات ضخمة عند عرضه تجاريا فى سبتمبر المقبل. منافسة لا تتوقف وقد تبع عرض الفيلم المؤتمر الصحفى له بحضور جميع أبطاله والمخرج ومنتجيه، ولم يتطرق النقاش كثيرا حول الجانب الفنى للفيلم بقدر الرسالة التى يهدف القائمون عليه إلى توصيلها. فكان أهم ما جاء على لسان «ستون» قوله إن «لا يوجد أبرياء بوول ستريت.. فالكل له خطاياه.. حتى «وينى» التى قد تبدو مثالية طوال الفيلم فإنها مقصرة فى نظر والدها لأنها لم تأت لاستقباله عند خروجه من السجن». وحول تناول الفيلم لمسألة المنافسة وشراستها، بينما يشارك الفيلم خارج مسابقة «كان»، أشار «ستون» أن جميع الأفلام التى يتم إنتاجها هى فى منافسة دائمة على تقديم الأفضل وصناعة سينما متميزة بغض النظر عن مشاركتها فى مسابقات من عدمه. أما الممثل المخضرم «فرانك لانجيلا» فأكد أن شخصيته فى الفيلم برغم رفضها للأسلوب الذى يتعامل به شباب الرأسماليين فى السوق، إلا أنها لو كانت وضعت فى نفس مواقف هؤلاء الأشخاص، وهو فى سنهم لكان اتخذ نفس قراراتهم. وبعيدا عن الفيلم، تطرق أصحاب العمل إلى بعض أمور حياتهم الخاصة فأفصح «ستون» عن أن والده كان يعمل سمسارا بالبورصة. وعمل لدى أحد أكبر الاقتصاديين الأمريكان ولكنه على حد علمه كما قال لم يكن بهذا الجشع، الذى يسيطر على رأسماليى هذا الزمن. وأشار «دوجلاس» إلى أنه استفاد بلا شك من كونه ابنا لممثل كبير مثل «كيرك دوجلاس» لمجرد معايشته له فى المنزل قبل دخوله المجال السينمائى، ومعرفته بهذا المناخ المختلف والتدابير الواجب اتخاذها لحماية نفسه فى بداية طريقه. من جهة أخرى، أكد «ستون» إلغاء فكرة قيامه بصنع فيلم عن الرئيس الإيرانى «أحمدى نجاد» لالتماسه عدم جدية الجانب الإيرانى فى خروج هذا المشروع إلى النور رغم الاتصالات العديدة المتبادلة بين الجانبين دون إعطائه موقف واضح. آسيا إلى أين؟ وكان قد عرض فى اليوم السابق فيلمان آسيويان فى المسابقة الرسمية، وهما الصينى «Riz-hao «Chongqing والكورى الجنوبى «The Housemaid» (أو خادمة المنزل) ولم يحظ الفيلمان بإشادة واسعة ممن شاهدونه هنا فى كان خاصة الفيلم الأخير. الذى لا يرقى للعرض بالمسابقة الرسمية للسذاجة الشديدة والبساطة المبالغ فيها للقصة المبنى عليها، والتى يمكن اختصارها فى جملة واحدة «فتاة تلتحق للعمل كخادمة فى منزل أسرة غنية. وتدخل فى علاقة مع رب الأسرة المخادع ينتج عنها طفلا تقرر الاحتفاظ به رغم محاربة الأسرة التى تعمل لديها».. قصة مكررة وتليق بفيلم من إنتاج الأربعينيات خاصة عند غياب أى حبكات درامية أخرى تضيف أى إثارة على مثل هذا الموضوع المحفوظ.. وبالمناسبة. فقد انتحرت الفتاة فى نهاية الفيلم ليستكمل المخرج أضلاع هذه النوعية من القصص التراجيدية. صورة غير مبشرة ظهرت بها حتى الآن سينما شرق آسيا فى مسابقة «كان»، ربما تختلف مع عرض الفيلمين الآخرين المنتميان لنفس هذه المنطقة فى الأيام القليلة المقبلة.