اليوم تتجه أنظار العالم أجمع من عشاق السينما إلى المدينة الفرنسية الأكثر صيتا خلال مايو من كل عام لمتابعة فعاليات الدورة الثالثة والستين للمهرجان السينمائى الأشهر والأهم، مهرجان كان. تبدأ الدورة الجديدة وسط مخاوف عديدة لمحبى هذه التظاهرة السينمائية ألا يكون المهرجان هذا العام على نفس المستوى الرفيع الذى طالما عهده السينمائيون منه. عدة مقدمات مهدت لهذه المخاوف أن تظهر على السطح قد يكون على رأسها انخفاض عدد الأفلام المشاركة فى المسابقة الرسمية والتى بلغت 18 فيلما. وهى من المرات النادرة التى يقل فيها عدد أفلام المسابقة عن العشرين فى السنوات الأخيرة. وقد أرجع «تييرى فريمو» رئيس المهرجان هذا الانخفاض إلى قلة عدد الأفلام التى تقدمت للمشاركة معترفا بالأثر السلبى الذى خلفته الأزمة المالية العالمية على صناعة السينما والتى بدأت تظهر بشدة أخيرا. مشاركة أمريكية متواضعة وكان من اللافت للنظر أيضا الضعف الشديد للمشاركة الأمريكية هذا العام حيث تم اختيار فيلم واحد فقط فى المسابقة الرسمية وهو فيلم المخرج «دوج ليمان» «اللعبة العادلة» (Fair Game) فى أول مشاركة له فى كان من بطولة شون بين وناعومى واتس ويشارك خالد النبوى بأحد الأدوار المساعدة به. هذا الظهور الخافت لسينما الولاياتالمتحدة كان مثار نقاش كبير بين السينمائيين خاصة مع اتخام التوقعات المبدئية للأفلام المشاركة بعدة أفلام أمريكية مهمة لمخرجين ذى شأن مثل «تيرينس مالك» و«صوفيا كوبولا» و«دارين أرونوفسكى» ولكن لم يقع عليها الاختيار فى اللحظات الأخيرة لأسباب مختلفة أهمها عدم جاهزية بعضها للعرض. فانحصار المشاركة الأمريكية فى فيلم واحد تحرم المهرجان من عنصرين مهمين الأول هو عنصر الإبهار السينمائى فرغم الطابع التجارى الغالب على سينما هذه المنطقة فإنه مما لا شك فيه أن فيلما ل«تارانتينو» أو «سكورسيزى» (أو غيرهما من المخرجين الأمريكان الكبار) كان كفيلا بإضفاء المتعة على باقة الأفلام المختارة لتكون كحبة الكرز على قالب الحلوى لما تمتلكه هذه السينما من ميزات مقارنة تتعلق بالمتعة البصرية والتقنية المتطورة حتى عند التعرض لأفلام جادة ملائمة للعرض ضمن مهرجان مهم مثل كان. عنصر الإبهار الثانى الذى قد تفتقده كان هذه المرة ليس متعلقا بما يعرض على الشاشة السينمائية ولكن أكثر بالطرق المؤدية لقاعات العرض، فجمهور المهرجان قد يحرم هذا العام من متعة متابعة سير نجوم هوليوود على السجادة الحمراء الأشهر نظرا لقلة الأفلام الأمريكية بالمسابقة التى تضم أسماء لامعة تستدعى الوقوف لساعات انتظارا لوصولهم ومشاهدتهم أثناء دخولهم العروض. ولكن إدارة المهرجان كانت حريصة على معالجة هذا القصور الذى قد يؤثر على جماهيرية المهرجان للمشاهد العادى المشغول بالنجوم أكثر من أى عنصر سينمائى آخر باختيار مجموعة أفلام جماهيرية فى الأقسام الأخرى خاصة قسم «خارج المسابقة». فقد وقع الاختيار على فيلمين أمريكيين مهمين للعرض فى هذا القسم هما «ستلتقين بغريب طويل أسمر» (YOU WILL MEET A TALL DARK STRANGER) للمخرج «وودى آلان» (كعادته فى عرض أفلامه خارج المسابقة الرسمية) وبطولة ناعومى واتس (فيلمها الثانى فى هذه الدورة) وأنطونيو بانديراس وأنطونى هوبكينز. الفيلم الأمريكى الآخر فى هذا القسم هو الجزء الثانى لفيلم «Wall Street» لنفس مخرجه «أوليفر ستون» وبطله الرئيسى «مايكل دوجلاس» والذى يحمل هذه المرة اسم WALL STREET - MONEY NEVER SLEEPS (المال لا ينام) والذى تدور أحداثه فى رحى الأزمة المالية العالمية (علما أن فيلما أمريكيا آخر يناقش نفس هذه الأزمة ولكن بشكل أكثر توثيقا وهو فيلم Inside Job الذى يعرض فى قسم عروض خاصة). ولكن قد يكون الفيلم الأمريكى الأكثر انتظارا من قبل محبى تلك السينما فى الدورة الحالية هو فيلم «روبين هود» فى معالجة جديدة ومختلفة لهذه القصة التى تناولتها السينما كثيرا ولكن هذه المرة بكاميرا وأعين المخرج الكبير «ريدلى سكوت» وبطولة النجمين «راسل كرو» و«كيت بلانشيت». يعرض الفيلم فى افتتاح المهرجان مما يضمن بداية جماهيرية له. كان 2010..عودة الأصول السينمائية على الجانب الآخر، وفى مقابل فريق السينمائيين ممن تساورهم الشكوك تجاه مستوى الدورة المقبلة، يوجد فريق آخر شديد التحمس لهذه الدورة ولاختيارات إدارة المهرجان حيث يرون عودة للأصول السينمائية وللعراقة التى طالما ارتبطت باسم مهرجان كان. فقد تضمنت أفلام المسابقة الرسمية (وأيضا الأقسام الأخرى) الأعمال الأخيرة لعدد من القامات السينمائية الكبار ممن سبق لهم حفر أسمائهم فى سجلات جوائز كان مما يعطى ثقلا للمهرجان ويجعله ساحة للمبارزة بين الكبار (مع توقع بعض المناوشات من المستجدين على كان). من ضمن هؤلاء «العتاولة» المخرج الإيرانى الكبير «عباس كيروستامى» الذى يعود لكان بفيلمه الجديد COPIE CONFORME (أو نسخة مطابقة) والذى تشارك فيه الممثلة الفرنسية المحبوبة «جولييت بينوش» محاولا الفوز مرة أخرى بالسعفة الذهبية التى سبق أن حصل عليها عام 1997 بفيلمه الأشهر «طعم الكرز»، عله يفوز بها هذه المرة منفردا بعد أن تقاسمها مع فيلم آخر فى المرة السابقة. أما المخرج الروسى الأهم «نيكيتا ميخالكوف» فيشارك بفيلم ينتظره عشاق هذا المخرج وهو « الشمس الخادعة- 2» والذى يعد أضخم إنتاج سينمائى روسى ويستكمل فيه أحداث الرحلة الحياتية للكولونيل «كوتوف» هذه المرة أثناء الحرب العالمية الثانية والتى كان بدأها فى الجزء الأول الذى حمل نفس الاسم وفاز به «نيكيتا» بالجائزة الكبرى للجنة التحكيم فى كان عام 1994. أيضا المخرج البريطانى «مايك لى» يبحث بفيلمه الجديد «عام آخر» (ANOTHER YEAR) استعادة السعفة الذهبية التى سبق له حصدها عام 1996 بفيلمه الأشهر «أسرار وأكاذيب» لربما تكون السعفة خير تعويض له عن جوائز الأوسكار التى رشح لها أربع مرات حتى الآن دون أن ينجح فى الظفر بها. أما المخرج الجزائرى الأصل «رشيد بوشارب» فمن المتوقع أن يثير فيلمه الجديد «الخارجون على القانون» (HORS LA LOI) ضجة كبيرة عند عرضه لتناوله موضوعا حساسا متعلقا بمذبحة سطيف التى وقعت فى الجزائر فى 8 مايو 1945 وراح ضحيتها نحو 40 ألف جزائرى أبادتهم القوات الفرنسية المستعمرة آنذاك لخروج الجزائريين فى مظاهرات احتفالا بانتصار قوات الحلفاء على الجيوش الألمانية أثناء الحرب العالمية الثانية. الفيلم إنتاج فرنسى بلجيكى جزائرى واستعان فيه «بوشارب» بمجموعة من الممثلين الذى حققوا معه نجاحه الأكبر فى فيلم «بلديون» ومنهم «جمال دبوز» و«رشدى زم» و«سامى بوعجيلة». فيلم آخر ينتظره الكثيرون لمخرج «كانى» مخضرم هو فيلم «BIUTIFUL» للمخرج المكسيكى الشاب «آليخاندرو جونزالس إنياريتو» صاحب الثلاثية الشهيرة «عاهرة الحب» (Amores Perros) و«21 جرام» و«بابل» (حصد بالأخير جائزة أحسن مخرج فى دورة عام 2006 لمهرجان كان). يخرج «أليخاندرو» بفيلمه الجديد هذا والذى يلعب بطولته الممثل الإسبانى المحبوب «خافيير بارديم» عن التيمة التى حققت له نجاحه وشهرته والمتعلقة بالموت وباستخدام تكنيك الربط المتقاطع بين قصص مختلفة تحدث فى أماكن جغرافية متفرقة، مما يفسر كون BIUTIFUL ربما الفيلم الأكثر انتظارا هذا العام من قبل جمهور كان. الرهان علي قوة المخرجين مؤكد أن الحكم على مستوى الدورة الثالثة والستين لمهرجان كان فى هذا الوقت لا يتعدى سوى كونه تكهنات مبنية على اختيارات إدارة المهرجان للأفلام المشاركة فى مختلف التظاهرات، ولكن الحكم الحقيقى لن يجوز إلا مع انقضاء آخر أيام المهرجان فى الثالث والعشرين من مايو المقبل. وقتها فقط سيتمكن متابعو الدورة من معرفة ما إذا كانت إدارة المهرجان قد أصابت فى رهانها هذه المرة على السير الذاتية القوية للمخرجين وتاريخهم السينمائى المتميز على حساب عدد الأفلام والسيطرة الهوليودية أم أنهم قد جانبهم الصواب ويلزمهم إعادة حساباتهم فى الدورة التالية.