"سرد بديع، بناء مغاير، وأفكار براقة" سمات غلبت على المتتالية القصصية "الدكتور نازل" للروائي الكويتي طالب الرفاعي، والتي صدرت عن دار الشروق، لتتضمن نص أشبه بلوحة متكاملة تجسد واقعا معاشا، ففي كل قصة من قصص "الدكتور نازل"، نجد أنفسنا أمام خيوط مؤامرة محكمة تنسج خيوطها بحرفية فائقة، لتخفي وراءها ممارسات تهدد قواعد الأخلاق وتؤثر على مستقبل المجتمع. يسلط الرفاعي الضوء على ظاهرة خطيرة باتت تشكل سمة أساسية في مجتمعاتنا، وهي ظاهرة الكذب، ففي عالم "الدكتور نازل"، أصبح الكذب ملح كل حديث، يستخدم كأداة للتلاعب بالمشاعر وتغييب الحقيقة، يقدم الرفاعي تجربة أدبية فريدة من نوعها من خلال مزجه بين فني القصة القصيرة والرواية، فكل قصة من قصص "الدكتور نازل" هي حكاية مستقلة بذاتها، لكنها في الوقت نفسه تشكل جزءا لا يتجزأ من لوحة أكبر تجسد واقع المجتمع بأكمله. يثبت الرفاعي قدرته الفائقة على التفاعل مع القارئ وإثارة مشاعره، فهو لا يكتفي بسرد الأحداث، بل يشاركنا أفكاره ومشاعره، ويحفزنا على التفكير والتأمل في ما نقرأه، حيث تعتبر مجموعة "الدكتور نازل" محطة فريدة من نوعها في عالم كتابة القصة القصيرة العربية، فهي تقدم لنا نموذجا فريدا لتوظيف تقنية "الميتا- سرد" بشكل إبداعي يثري التجربة السردية ويضفي عليها أبعادا جديدة. المتتاليات القصصية "الدكتور نازل" الصادرة عن دار الشروق، ليست مجرد مجموعة من القصص القصيرة، بل هي رحلة مثيرة في عتمة الخلل الذي قد يشوب بعض الأفراد في المجتمعات، رحلة تثير مشاعر الغضب والاستياء، وتحفزنا على العمل من أجل تغيير حقيقي يؤسس لمجتمع خال من العطب الأخلاقي والكذب. يطل علينا طالب الرفاعي من خلال عمله التجريبي "الدكتور نازل" بنسيج متقن من القصص القصيرة، كل منها حكاية فريدة تجسد ملامح شخصية معقدة غامضة تعرف باسم "الدكتور نازل"، يمكننا التعامل مع الدكتور نازل بطرق متعددة، فكل قصة تمنحه بعدا جديدا، ونرى فيه انعكاسا لمختلف الصفات الإنسانية، من حقد وزيف وتملق إلى طموح جامح ورغبة عارمة في الثراء والنفوذ. لا يكتفي الرفاعي بتقديم حكايات متفرقة، بل ينسج منها خيوطا تشكل أسطورة للدكتور نازل، حتى قبل أن يقدم لنا قصته كاملة، فقد اتسعت شهرة "الدكتور نازل" بين الناس، المثقفين والعاديين على حد سواء، مما دفعهم إلى المشاركة في صياغة أسطورته من خلال رواية حكاياتهم معه، سواء كتابة أو شفاهة. كما تقدم لنا قصص الرفاعي صورة واقعية في ظاهرها، لكنها تخفي وراءها تميز فني ساحر، حيث يمكننا القول أن الرفاعي لم يكن كاتبا وحيدا، بل كان أشبه بمحرر لقصص شارك في كتابتها جمع من "المؤلفين" الذين عاشوا تجارب مع "الدكتور نازل". ويجد القارئ نفسه في القلب من رحلة مثيرة عبر عوالم النفس الإنسانية بكل تناقضاتها، حيث رحلة تجبرنا على إعادة النظر في مفاهيمنا عن الخير والشر، وتؤكد على قدرة الفن على تحويل الواقع إلى أسطورة ساحرة، فمع كل حكاية جديدة، نصبح أكثر تعاطفا مع "الدكتور نازل" رغم تناقضاته وخسته ورغبته في تدمير كل من لا يشاركه أفكاره أو يعارض مخططاته. تتضح سمات التفرد في تلك المتتاليات القصصية، فيما قاله الناقد والقاص الكويتي، سليمان الشطي، عن المتتالية القصصية "الدكتور نازل" للروائي الكويتي طالب الرفاعي، «في هذا النص رصد لما تراه العيون وتتحدث به الألسنة، ويبقى الكاتب وحده قادرا على النفاذ وكشف عظام الفساد الخفية التي رسختها «إدارة الكذب العالمي»؛ فأصبح الكذب ملح كل حديث! نص يكشف لك الفساد فتتألم. فمتى تغضب؟ تجربة مزج جميلة بين فني القصة القصيرة والرواية، وفيه ما اعتاده طالب الرفاعي من حضور في نصوصه؛ فالكاتب يأبى أن يموت في ذهن المتلقي، ويبقى حاضرا إيجابي التأثير». وهو ما اتفق معه القاص والروائي العراقي محمد خضير، والذي قال عن المتتالية القصصية "الدكتور نازل"، تؤلف مجموعة «الدكتور نازل» لطالب الرفاعي فتحا جديدا في كتابة القصة القصيرة العربية، وإضافة موفقة إلى إنتاج كاتبها الأدبي؛ فقد حققت نصوصها خطوة بنائية مهمة في تقنية «الميتا- سرد» على مستوى الموضوعات والشخصيات، وعكست قصص المجموعة خصوبة السرد، وإمكانية أن يضيف السارد الحقيقي؛ المؤلف الفعلي، رؤيته بقصد التحفيز والتنوير والإقفال الضروري لنهاية كل حالة على انفراد. طالب الرفاعي؛ كاتب وروائي كويتي، صدر له كثير من الروايات والمجموعات القصصية. حاز على جوائز عربية وعالمية مرموقة، وترجمت أعماله إلى: الإنجليزية والفرنسية، والإسبانية والإيطالية، والصينية والتركية، يعمل أستاذا لمادة الكتابة الإبداعية في الجامعة الأمريكية في الكويت.