ماذا بعد استقالة حكومة مدبولي.. أستاذ قانون دستوري يوضح    تعليم شمال سيناء يحصل على المركز الأول جمهوري في مسابقة العروض الرياضية    خبير اقتصادي يطالب محددات للرقابة على الأسواق والسيطرة على الأسعار    رئيس «حماية المستهلك» الأسبق: لا بد من وضع سياسات محددة لضبط الأسواق    رئيس «مواطنون ضد الغلاء»: تطبيق القانون الرادع الوحيد لضبط الأسعار    أشرف أبوالنصر: نشكر حكومة مدبولى لما قدمته فى ظل أزمات كبيرة    وزيرة الخارجية الأرجنتينية تستقبل السفير المصري في بوينس أيرس    كاف يكشف لوائح النسخة الجديدة من دوري الأبطال والكونفيدرالية    الأهلي يكشف حقيقة العروض الخارجية لإمام عاشور    مصر تحصد 27 ميدالية في البطولة الإفريقية للسامبو بالقاهرة    صدمة ل الزمالك.. عامر حسين يكشف الفرق المشاركة في البطولات الأفريقية    الأمن العام يكشف غموض 17 جريمة سرقة ويضبط 11 متهمًا بالمحافظات    الحوثيون يعلنون استهداف موقع عسكرى فى إيلات بصاروخ باليستي    عمرو أديب: أخبار عن زيادة انقطاع الكهرباء إلى 3 ساعات ل تخفيف الأحمال (فيديو)    رغم غيابه عن الظهور بالفيلم.. أحمد الفيشاوي يروج ل «ولاد رزق 3»    ورش فنية متنوعة للأطفال ولقاءات ثقافية ضمن النشاط الصيفي ب الفيوم    مي عمر عن علاقتها بحماتها : «أمي التانية وفي المشاكل بتقف معايا» | فيديو    خالد النبوي محارب وريم مصطفى فقيرة.. طرح بوسترات «أهل الكهف» قبل عرضه بالسينمات    اللوز.. سر الرشاقة والتحكم في الوزن    وزارة الصحة توضح الفئات المستهدفة من مبادرة إنهاء قوائم انتظار الجراحات    أحمد دياب يكشف موقفه من رئاسة رابطة الأندية في الموسم الجديد    رئيس مياه القناة يتفقد محطات محافظة السويس    في انتظار إجازة عيد الأضحى: اللحظة المنتظرة للراحة والاستمتاع    وزارة التضامن سنوات من الإنجازات وبرامج لحماية الأسر الأولى بالرعاية.. صرف دعم تكافل وكرامة ل22 مليون مواطن وزيادة الحد الأدنى للمعاش.. وعلاج مرضى الإدمان مجانا وفقا للمعايير الدولية    نانسى عجرم تحيي حفلا غنائيا في تركيا    متى تبدأ تكبيرات عيد الأضحى وصيغتها    ما هي الأضحية في اللغة والشرع.. «الإفتاء» توضح    موراتا يلمح لمغادرة أتلتيكو مدريد    مصر تتقدم بملف استضافة السوبر الأفريقي بين الأهلي والزمالك    مليار و713 مليون جنيه، تكلفة علاج 290 ألف مواطن على نفقة الدولة    5.150 مليار جنيه أرباحًا تقديرية للنقل البحري والبري    حقيقة زيادة المصروفات الدراسية 100%.. رئيس جمعية أصحاب المدارس الخاصة يرد (فيديو)    تعديلات مواعيد القطارات الجديدة بدءا من السبت المقبل    عقد النسخة الرابعة من منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين يومي 2 و3 يوليو المقبل    أربعة وفيات على الأقل جراء الفيضانات في جنوب ألمانيا    تقديم الخدمة الطبية ل 652 مواطنا خلال قوافل جامعة قناة السويس بقرية "جلبانة"    وزير الصناعة: 16.9% زيادة في حجم التبادل التجاري بين مصر والمجر العام الماضي    رئيس الوزراء يتابع عدداً من ملفات عمل صندوق مصر السيادي    قبل عقد قرانه على جميلة عوض.. 9 معلومات عن المونتير أحمد حافظ    عضو "الفتوى الإلكترونية" ل قناة الناس: هذا وقت استجابة الدعاء يوم عرفة    قائد القوات الجوية يلتقي نظيره الصربي لبحث التعاون المشترك    وزير الأوقاف يوصي حجاج بيت الله بكثرة الدعاء لمصر    وظائف متاحة للمعلمين في المدارس المصرية اليابانية.. رابط التقديم    جولة لرئيس جامعة القاهرة للاطمئنان على سير الامتحانات وأعمال الكنترولات    رئيس جامعة العريش يناقش الخطط التنفيذية والإجرائية لتطوير تصنيف الجامعة    البابا تواضروس يستقبل السفير التركي    الرئاسة الأوكرانية: 107 دول ومنظمات دولية تشارك في قمة السلام المرتقبة بسويسرا    رودري: اعتزال كروس يلهم الجميع    روسيا :كشف عملاء للمخابرات الأوكرانية يعدون لهجمات ضد أسطول البحر الأسود    التحفظ على مدير حملة أحمد طنطاوي لتنفيذ حكم حبسه في تزوير توكيلات انتخابات الرئاسة    الحكومة تتقدم باستقالتها.. والرئيس السيسي يكلف مدبولي بتشكيل جديد    تحرير 94 محضر إنتاج خبز غير مطابق للمواصفات بالمنوفية    رئيس بعثة الحج الرسمية: الحالة الصحية العامة للحجاج المصريين جيدة.. ولا أمراض وبائية    دعاء لأمي المتوفية في عيد الأضحى.. «اللهم انزلها منزلا مباركا»    الكشف وتوفير العلاج ل 1600 حالة في قافلة للصحة بقرية النويرة ببني سويف    وزير الخارجية: الحرب في غزة لها تداعيات على حرية الملاحة بالبحر الأحمر وأضرار على الوضع الاقتصادي    بعد انسحاب قوات الاحتلال.. فلسطينيون يرون كيف أصبح حال مخيم جباليا    35 جنيها للمادة.. ما رسوم التظلم على نتيجة الشهادة الإعدادية بالجيزة؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قامُوس المَبسُوطين
نشر في الشروق الجديد يوم 19 - 04 - 2024

تكاثرت على مَدارِ شهر رمضان إعلاناتٌ دعائيةٌ تروّج لمأكولاتٍ مُستحدَثة غريبة، وقد صرنا نسمع في كل مناسبة وبغير مناسبة أيضًا، عن أسماء لحلوى هي مزيجٌ مما عرفنا ومما لم نعرف؛ المَكشوفة والمَكسوفة والمَدلعة والتمرانة، وغيرها مما يشي بتراجع بساطةِ المأكل لصالح تركيباتٍ مُتنوعة؛ تُفسِد المذاقَ وتشوّشه. عن نفسي لم أزل أفضّل الأكثر أصالة والأقلَ تعقيدًا؛ القطائف العادية التي لا تحملُ حشوًا عجيبًا على رأس القائمة، ومثلها الكنافة.
• • •
بَسَط أيّ مَدَّ، الباسط هو الفاعل والبَسْط مَصدر، أما المَبسوط فمفعول به والمعنى الدارج الذي نعنيه بكوننا مَبسوطين؛ فأن نفوسَنا تحملُ براحًا لا ضيقًا، وسِعةً لا انكماشًا، وقديمًا قال الشافعي: "الانقباض عن الناسِ مَكسبة للعداوة والانبساط إليهم مَجلبة لقرناء السُّوء؛ فكُن بين المُنقبض والمُنبسط". إن تحدَّث الناسُ عن هذا الذي أُعطيَ بَسطةً في الجَّسد؛ فالمراد ضخامة القامة، وإن ذكروا البَسيطة؛ فالقصد هو الأرض كونها ممدودة أمام السائرين عليها.
• • •
الأمر البسيط هو الواضح المكشوف ومن ثم يُفترَض أن يكون سهلًا لا معقدًا. يعمد المُعلمون المحترفون الذين يجمعون طلابهم في مراكز الدروس الخصوصية؛ إلى تبسيط المناهج وصياغة عبارات مقفاة تجعل الحفظَ أيسر والفهمَ أقرب؛ وإذ هم يُبسِّطون ما تعذَّر الإلمام به ويهونون على الأمهات والآباء مَهامًا شاقة عسيرة، فإنهم يغالون في أثمان الحِصص المُقرَّرة، ويبالغون في مقدار ما يتحصَّلون عليه؛ ورغم النتائج المُبهرة على مستوى الدرجات والتقديرات؛ فإن الحاصل في نهاية الأمر ليس سوى بشر متناسخين؛ لا يتميَّز أحدهم عن زميله بابتكار ولا بمهارة خاصة.
•• •
إن تبسَّط المرء في حديثه كان القصد أنه ترك التكلف والادعاء، وإذا قيل قد تبسَّط الرجل دون تخصيص؛ فالمعنى أنه ترك أصول الاحتشام وقارب الخلاعة، والقصد هنا قَدح لا مَدح؛ إذ بعض الأفعال الملتبسة تؤخذ من باب الميع والليونة، ويوصم صاحبها بما يأنف العامة ممن يفضلون الخشونةَ والغلظة على النعومة.
• • •
قد يَبسِط المرءُ يدَه فيكون في أعين الناس كريمًا جوَّادًا، وقد يمسكها ويغلها إليه فيبدو شحيحًا مقترًا؛ والحق أن الظروف القاهرة قد أقعدت العديدين عن العطاء، وأرهقت كواهلهم بأعباء خارجة عن إرادتهم، ولإن اعتزم الواحد معاونة آخر في مثل هذه الأجواء العاصفة، وبسط له يدَّ المساعدة فانتشله من أزمة ثقيلة؛ لكان فعله طيبًا جميلًا.
• • •
العبوسُ سَمْتُ غالب المارة في الشوارع والطُّرقات خلال الآونة الأخيرة؛ يُرى الواحد وقد قطب ما بين حاجبيه وزمَّ شفتيه وارتسمت على ملامحه آيات البؤس تارة والغضب تارة أخرى، واليأس والإحباط ثالثة؛ فإن كان سعيدَ الحظ؛ وجد مَن يُخفّف عنه حاله، ومن يُهوّن عليه فيضَ الهمّ والكًّرب، ومن يداعبه بقولة: "ابسطها يا عم".
• • •
كثيرًا ما يقول الناس "يا باسط" استعانة بالرب على ما فيه شقاء ومكابدة للمصاعب.
• • •
إذا انبَسَط الواحد فقد انشرح قلبُه وسُرَّ، وإذا بَسُطَت أساريره فقد استرخت وشابها الارتياح، وإن بَسُطَ لسانه فالمعنى أنه انطلق بالكلام دون لعثمة أو ارتباك، أما إذا بَسُطَ المكان فقد اتسع وضم الجميع. تصفُ المعاجم الشَّخصَ البَسيطَ بأنه طيبٌ نقي السريرة، لا يقدر على التخابُث أو التلاعب؛ لكنه بتعريفاتنا المعاصرة ساذجٌ، يسهُل الإيقاع به وخداعه.
• • •
البَسطةُ هي المساحةُ الواسعةُ التي تفصِلُ أبواب الشقق في معظم البنايات عن بعضها البعض؛ كانت فيما مضى ملعبَ الطفولة، وحاضنةَ القفزات المُتهورة، والألعاب وفيرة الحركة التي تتطلَّب مكانًا خارج المنزل. أصبحت البَسطةُ بمرور الأيام مكانًا موحشًا، لا يتلاقى الصغار عنده إلا فيما ندر، ويفضلون عليه المكوثَ في بيوتهم؛ حاملين هواتفهم، مُتنقلين من موقع افتراضيّ لتطبيق لمحادثة؛ دون أن يتحركوا شبرًا عن مواضعهم، وكأن سيقانهم وأذرعهم قد خُلِقَت عبثًا.
• • •
إذا أحبَّ الواحد أن يستخدم أسلوبًا لبقًا في رده على طلب ما؛ لقال: بكل سرور وبكل ممنونية. السعادة والسرور والفرحة مرادفات للانبساط؛ لكن بينها فروقًا واختلافات. كتب إبراهيم ناجي في أحد أجمل أبيات قصيدة الأطلال: "ومشينا في طريق مقمر .. تثب الفرحة فيه قبلنا"، وقد تضافرت معه موسيقى السنباطي، ونبرات أم كلثوم لتعطي جميعها للكلمات حيوية لافتة، ولتوفي الفرحةَ حقَّها وتُضاعِف من روعتها. في الفَرحِ حركةٌ وصَخْبٌ، وفي السعادة والسرور وقارٌ واتزان، بينما في الانبساطِ استرخاءٌ وهدوء.
• • •
يقول المأثور الشهير: "خلّ البساط أحمدي"، والوصفُ مُستَمَد من صاحب المقام أحمد البدوي الذي امتلك بساطًا صغيرًا بمساحة مجلسه؛ لكنه كان يسع في الوقت ذاته من يبغي الانضمامَ إليه ولا يقصر عن استضافة المريدين. ثمَّة مجاز شبيه يمكن العثور عليه في المثل الشعبيّ الطريف: "البيت الضيق يسع من الحبايب ألف"؛ فالصحبة ما طابت وسعت الجميع، والعكس أيضًا صحيح؛ إذ تغدو المساحة الشاسعة قُمقُمًا ما انضم إليها شخصٌ واحد ثقيل الحضور.
• • •
تحدث الأقدمون عن بَساطة المظهر التي عادة ما تقترن بعُمق الجَّوهر؛ كلما كان باطن الشخص ثريًا خصبًا؛ تضاءل اهتمامُه بهيئته، وكلما كان فارغًا أجوفًا؛ تضاعَف تركيزُه على ما يرى الناسُ مِن مَلبسه وزينته، والحقُّ أننا صرنا نرى مظاهرَ لامعةً برَّاقة؛ لا تعكس الدواخل بل تُخفيها، وتخبئ ما بها من عطنٍ وعفونة، والحِكمةُ في ألا يقع الرائي فريسةً لما يتلألأ، وأن يُميّزَ القيّمَ من التافه والأصيلَ من الغَث.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.