تخيل أنك تعرضت يوما لموقف محرج للغاية. وكلما تذكرت هذا اليوم تشعر بذات الإحراج والألم من أثر هذا الموقف السخيف. بعد أن تتناول هذا الدواء فسيختفى شعورك بالإحراج، غير أنك لن تنسى تفاصيل الموقف الذى مررت به. الأمر يبدو وكأنه جملة من رواية خيال علمى تدور أحداثها فى المستقبل البعيد، إلا أن أبحاث المصرى الكندى د.كريم نادر تعد بأن يصبح الخيال أمرا ممكنا. د.كريم نادر 43 سنة هو أستاذ علم الأعصاب بجامعة ماكجيل الكندية. يتفق أساتذته أنه على أعتاب اختراع دواء مذهل سيؤرخ لمرحلة جديدة فى تاريخ الطب النفسى. مفهوم جديد للذاكرة يقول د. كريم: إن المفهود التقليدى للذاكرة يشير إلى أنه ما إن يمر الإنسان بحدث ما، فإنه يكون ذكرى «صلبة» لما مر به من أحداث ومشاعر وانفعالات، ولكن أبحاثه أثبتت غير ذلك. د. نادر أثبت أن تثبيت الذكريات فى المخ لا يحدث لحظيا، ولكنه يستغرق بضع ساعات حتى تستقر الخلايا العصبية التى تخزن هذه الذاكرة فى المخ، ولذا فإنه من الممكن إعادة تفكيك وبناء الذاكرة مرة أخرى. «الذاكرة تتشكل داخل العقل البشرى فى أماكن مختلفة، بعضها يختص بتسجيل الأحداث والآخر مختص بتسجيل المشاعر المصاحبة لهذه الأحداث». وتتركز جهود د. كريم فى منع استرجاع المشاعر المصاحبة للأحداث المؤلمة كالاغتصاب والحروب والحوادث وغيرها، فتبقى الذاكرة ولكن تختفى آثارها السيئة. لضحايا الصرع والمدمنين يعقد د.كريم أملا كبيرا على الدواء فى علاج مرضى الصدمات العصبية والمكتئبين من جراء التعرض لخبرات سيئة، خاصة ممن لا ينفع معهم العلاجات النفسية التقليدية، إلا أن فائدة الدواء لا تقف عند هذا الحد. «يمكن استخدام ذات التقنية فى عزل الخلايا العصبية المسببة للوسواس القهرى والصرع، إضافة إلى وجود نتائج معملية مبشرة للغاية بإمكانية التحكم فى الانفعالات العصبية المسببة للإدمان». هذا هو نتاج دراسات د. كريم الممتدة لأكثر من 20 عاما فى مجال ال Neuroscience Behavioral أو «علم السلوك العصبى» والذى ركز فيه على دراسة كيفية تكون واسترجاع الذكريات المختلفة، والعمليات الجسدية والعصبية التى تتحكم فى تذكر المشاعر المختلفة، خاصة الخوف. أجرى د. كريم نادر مئات التجارب فى مجال الذاكرة والألم على الفئران. وبعد نجاح دوائه على فئران التجارب، بدأ د. كريم فى تجريب دوائه على عينة من المرضى النفسيين، وأكد أن دواءه أدى إلى تحسن حالة المرضى، مع وجود آثار جانبية طفيفة، كما أن مرضى الربو لا يستطيعون تناول هذا الدواء. وقال د.كريم إن نزول الدواء بشكل نهائى إلى الأسواق والاستعمال التجارى سيستغرق وقتا. مخاوف أخلاقية أثارت تجارب د. نادر بعض المخاوف لدى الكثيرين بأن دواءه يمهد لمستقبل لا يتحمل فيه الإنسان نتائج عمله، وينسى به كل الذكريات السيئة والمهينة بحبة سحرية تحميه من الندم أو الشعور بالذنب. يستغرب د. نادر، «إذا تعرض إنسان لحادثة سيارة، ألن نعطيه مسكنات تخفف من كسوره وآلامه الجسدية؟ الألم النفسى أيضا يحتاج إلى علاج». ويشير د. نادر إلى أن بعض من مروا بحوادث مؤلمة، يظلون يتعذبون بوطأة ذكرياتها طوال حياتهم، دون أن ينفع معهم أى دواء أو علاج نفسى، وأن دواءه قد يكون الخلاص لهم. لا أفكر فى العودة لمصر د.نادر من مواليد القاهرة، وهاجر مع والديه إلى كندا عام 1970، وهو فى الرابعة من عمره. منذ ذلك الحين، يزور كريم مصر للقاء عائلة والديه، ويقول إنه يعشق جو مصر ويستمتع بلحظات الاسترخاء حين يدخن الشيشة ويلعب الطاولة مع أفراد عائلته. يفهم د.كريم العامية المصرية جيدا، ولكنه توقف عن الحديث بها منذ صغره رغم جهود والديه فى تعليمه إياها. ورغم حبه لمصر، يقول د. كريم إنه لا يفكر فى الاستقرار فيها، مشيرا إلى أن مصر ليس فيها اهتمام كبير بمجال «السلوك العصبى»، وأن مصر تحتاج لخطة بعيدة المدى لتطوير هذا العلم فى مصر، تبدأ بتدريس مناهج علمية متخصصة عن الذاكرة وعلم الأعصاب فى كليات الطب، وتخصيص ميزانيات تصل إلى مليارات الجنيهات على مجال البحث العلمى لكى تلحق مصر بركب أمريكا وأوروبا.