يحتفظ شهر رمضان في مصر بخصوصية وتفرد عن غيره من أيام السنة؛ حيث تزخر به الطقوس والعادات المميزة التي تضفي أجواء فريدة من البهجة والسعادة. ووسط تلك الأجواء يأتي حضور القاهرة وشوارعها التي تشهد على سهرات وتجمعات العائلات والأصدقاء فيما يشبه المهرجانات المتصلة بلا انقطاع. ونشارك ونطل مع قراء"الشروق"على لقطات ساحرة من تاريخ القاهرة الذي يعود لأكثر من ألف عام، وصور إلهامها للمبدعين، وذلك في حلقات مسلسلة بعنوان" أيام القاهرة"على مدار النصف الثاني الثاني من شهر رمضان المبارك. الحلقة الأولى.. نبدأ تاريخ القاهرة من محطة مبكرة سبقت إعلان إنشائها بشكل رسمي على يد الفاطميين، وذلك عندما بنى أحمد بن طولون مدينة على أجزاء من القاهرة جعلها عاصمة لدولته وعرفت بالقطائع. * بن طولون وتجربة الحكم الذاتي المستقل، وفقا لمقال للدكتور طارق سويلم أستاذ العمارة الإسلامية. ويضيف: "عندما عُيّن أحمد بن طولون واليا على مصر، ركز جهوده على إقامة دولة قويّة ثابتة الأركان؛ فقام أوّلاً بالسيطرة على الخزانة المصرية، وأتبع ذلك بالسيطرة على نظام البريد بين مصر وبغداد حيث مكنته هاتان الخطوتان الاستراتيجيتان من السيطرة على المعلومات المرسلة إلى العاصمة، وبالتالي إقناع الخليفة بأنه جدير بالثقة. وقد كان قادرًا على جعل مصر مستقلة ماليا - وبالتالي سياسيا - عن الخلافة العباسية. وكانت هذه المرّة الأولى التي تتمتع فيها مصر بهذا المستوى من الاستقلال منذ عصر الرومان في عام 30 ق.م. وقبل ذلك، كانت مصر تعدّ مجرد مقاطعة من بين العديد من المناطق الأخرى، ولم يكن هناك تغيير يُذكر منذ الفتح الاسلامي لمصر على يد عمرو بن العاص في عام 640 -641م". * سامراء.. المدينة الملهمة وواصل سويلم: "نشأ أحمد بن طولون في مدينة سامراء. العاصمة الإمبراطورية الجديدة التي تأسست عام 836م، حيث كان يسكنها نخبة الأتراك. وكانت سامراء مدينة ساحرة، مليئة بالقصور والدور الفارهة وميادين السباق المتقنة والمساجد، وأماكن الترفيه الرائعة، وما من شك أنه أحب أسلوب حياته في سامراء، حتى إنه بمجرد تعيينه واليا لمصر، شرع في بناء مدينة الأحلام لنفسه مدينة تضاهي معشوقته مدينة سامراء. وبذلك أصبحت تلك المدينة تعرف بالقطائع". * ما أسباب بناء القطائع؟ يقدم سرد مؤرّخ القرن العاشر "البلوي"، سببًا عمليا لبناء هذه المدينة الجديدة، وذاك يتمثل في أنه عندما عاد ابن طولون منتصرا إلى مصر بعد هزيمته لابن الشيخ في بلاد الشام، وجد أن حاشيته من العبيد وجيشه المكون من 100,000 رجل قد ازداد عددهم بشكل كبير، مما أدى إلى اكتظاظ الثكنات المتوافرة فقرر ابن طولون بناء مدينة تستوعب جميع السكان. * تفاصيل المدينة وقسمت المدينة الجديدة إلى مناطق، وخصص كل منها لقبيلة أو لمجموعة عرقية أو الطبقة اجتماعية من السكان الذين رافقوا ابن طولون من سامراء إلى مصر، وشقيت المناطق على أسمائهم. ويُفسّر هذا التكوين الاجتماعي والمكاني سبب تسمية المدينة بالقطائع، التي تعني "حي". كما قسمت الأحياء إلى شوارع سكك"، و"أزقة ضيقة بها "مساجد"، ومطاحن طواحين"، وحقامات عاقة "حمامات"، ومخابز "أفران" أيضًا. وكانت بعض الأحياء مخصصة لخدم القصر "فراشين"، وللسودانيين، والنوبيين، والروم،بالإضافة لمنطقة معينة تُسمى هارون وكذلك، كان للعبيد "الغلمان" منطقتهم الخاصة. واليوم، من المستحيل تحديد مكان وجود هذه وفقًا لابن دقماق والمقريزي.
