استشهاد 19 فلسطينيًا في قصف إسرائيلي على دير البلح وحي الصبرة    عاجل.. غليان في تل أبيب.. اشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين واعتقالات بالجملة    الآلاف يتظاهرون في مدريد دعما للفلسطينيين ورفضا للحرب في غزة    إسلام البحيري: مؤسسة «تكوين» تحترم كل الأديان ولا تصطدم مع الأزهر    عمرو أديب ل إسلام بحيري: الناس تثق في كلام إبراهيم عيسى أم محمد حسان؟    الصحة تعلق على قرار أسترازينيكا بسحب لقاحاتها من مصر    أبو مسلم: العلاقة بين كولر وبيرسي تاو وصلت لطريق مسدود    تفاصيل جلسة حسين لبيب مع لاعبي الزمالك قبل مواجهة نهضة بركان    تفاصيل صادمة.. يكتشف أن عروسته رجلاً بعد 12 يوماً من الزواج    "حشيش وترامادول".. النيابة تأمر بضبط عصام صاصا بعد ظهور نتائج التحليل    عيار 21 ينخفض الآن.. أسعار الذهب اليوم الأحد 12 مايو 2024 بالصاغة (آخر تحديث)    "الأوقاف" تكشف أسباب قرار منع تصوير الجنازات    يسرا: عادل إمام أسطورة فنية.. وأشعر وأنا معه كأنني احتضن العالم    طلعت: كفاءة الشباب المصرى وقدرته على تطويع التكنولوجيا تمثل عنصرا جاذبا لاستثمارات الشركات العالمية في مجالات الاتصالات    موازنة النواب: سعر الدولار سينخفض تدريجيا الفترة المقبلة    وزير الخارجية التونسي يُشيد بتوفر فرص حقيقية لإرساء شراكات جديدة مع العراق    جهاز مدينة 6 أكتوبر ينفذ حملة إشغالات مكبرة بالحي السادس    هل يتأثر الزمالك بغياب شيكابالا أمام نهضة بركان؟.. حازم إمام يُجيب    ضياء السيد يكشف فرص تتويج بيراميدز بلقب الدوري المصري    أحمد عبد المنعم شعبان صاحب اللقطة الذهبية في مباراة الأهلي وبلدية المحلة    تأهل 8 مصريين للجولة الثالثة من بطولة CIB العالمية للإسكواش المقامة بنادي بالم هيلز    ملف رياضة مصراوي.. مذكرة احتجاج الأهلي.. تصريحات مدرب الزمالك.. وفوز الأحمر المثير    وزير الشباب والرياضة يفتتح البيت الريفي وحمام سباحة بالمدينة الشبابية في الأقصر    اعرف سعره في السوق السوداء والبنوك الرسمية.. بكم الدولار اليوم؟    أرخص السيارات العائلية في مصر 2024    أطول عطلة رسمية.. عدد أيام إجازة عيد الاضحى 2024 ووقفة عرفات للموظفين في مصر    حبس سائق السيارة النقل المتسبب في حادث الطريق الدائري 4 أيام على ذمة التحقيقات    "أشرب سوائل بكثرة" هيئة الأرصاد الجوية تحذر بشأن حالة الطقس غدا الأحد 12 مايو 2024    إصابة 7 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بمدينة 6 أكتوبر    تعرف على مواصفات التاكسي الطائر في موسم الحج 2024    رئيس بلدية رفح الفلسطينية يوجه رسالة للعالم    عاجل.. الرئيس الأمريكي: إطلاق سراح الأسرى مقابل وقف النار في غزة    محمد منير مفاجأة حفل زفاف ابنة مصطفى كامل    يا مرحب بالعيد.. كم يوم باقي على عيد الاضحى 2024    أستاذ لغات وترجمة: إسرائيل تستخدم أفكارا مثلية خلال الرسوم المتحركة للأطفال    على الدين هلال: مصر تحملت الكثير فى القضية الفلسطينية ولم تنسق مع الاحتلال    تفاصيل أكبر عاصفة جيومغناطيسية تضرب الأرض منذ 20 عامًا    خطأ هالة وهند.. إسلام بحيري: تصيد لا يؤثر فينا.. هل الحل نمشي وراء الغوغاء!    تقرير: إسرائيل تتوقع قرارا من محكمة العدل بوقف الحرب    بعيداً عن شربها.. تعرف على استخدامات القهوة المختلفة    تخلص منها فوراً.. علامة إذا وجدتها في البطيخ فلا تأكله    اليوم.. طلاب ثانية ثانوي بالقاهرة يؤدون امتحاني تطبيقات الرياضيات وجغرافيا    «التعليم» تعلن حاجتها لتعيين أكثر من 18 ألف معلم بجميع المحافظات (الشروط والمستندات المطلوبة)    علي الدين هلال: الحرب من أصعب القرارات وهي فكرة متأخرة نلجأ لها حال التهديد المباشر للأمن المصري    4 قضايا تلاحق "مجدي شطة".. ومحاميه: جاري التصالح (فيديو)    حظك اليوم برج العذراء الأحد 12-5-2024 مهنيا وعاطفيا    خلال تدشين كنيسة الرحاب.. البابا تواضروس يكرم هشام طلعت مصطفى    رئيس جامعة طنطا يهنىء عميد كلية الطب لاختياره طبيبا مثاليا من نقابة الأطباء    وزارة الأوقاف تقرر منع تصوير الجنازات داخل وخارج المساجد    "صحة أسوان" تنظم قافلة طبية مجانية بقريتى العتمور ودابود    تيسيرًا على الوافدين.. «الإسكندرية الأزهرية» تستحدث نظام الاستمارة الإلكترونية للطلاب    وزير الشباب: إنشاء حمام سباحة وملعب كرة قدم بمدينة الألعاب الرياضية بجامعة سوهاج    رمضان عبد المعز: لن يهلك مع الدعاء أحد والله لا يتخلى عن عباده    الرقابة الإدارية تستقبل وفد مفتشية الحكومة الفيتنامية    رئيس"المهندسين" بالإسكندرية يشارك في افتتاح الملتقى الهندسي للأعمال والوظائف لعام 2024    إلغاء جميع قرارات تعيين مساعدين لرئيس حزب الوفد    نقيب الأطباء يشكر السيسي لرعايته حفل يوم الطبيب: وجه بتحسين أحوال الأطباء عدة مرات    ما حكمُ من مات غنيًّا ولم يؤدِّ فريضةَ الحج؟ الإفتاء تُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوروبا والسير نحو «هاوية»...
نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 03 - 2024

ما الذى حدا بالرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون لكى يوقّع اتفاقا أمنيا مع أوكرانيا وليعلن أنه سيرسل قوات عسكرية للمشاركة فى الصراع؟ مهما يكن من أمر، لقد قامت قيامة الدول الأوروبية جميعها عليه. إنّ إعلانه يعنى الدخول فى حرب مباشرة مع روسيا. خاصة أن عجز الميزانية الفرنسية عاد إلى نسبة توازى النسبة التى رافقت جهد مواجهة تداعيات جائحة الكوفيد وأن الدين العام للبلاد أصبح بمستوى البلدان الأوروبية الأكثر هشاشة، ثم ليس هناك موازنة دفاع فرنسية حاليا تشابه ميزانية حرب.
هل المقصود هو المزايدة على اليمين المتطرف فى سياق انتخابات البرلمان الأوروبى القادمة؟ أم استباق لانتصار محتمل لدونالد ترامب فى الانتخابات الأمريكية؟ خاصة أن هذا الأخير قد صرح أن الولايات المتحدة لن تحمى الدول الأوروبية إذا لم تدفع الأموال لحلف الأطلسى وأنه «سيشجّع روسيا لتفعل بهم ما تشاء!»؟...
• • •
بكلّ الحالات، إنه تصريح سياسى لا أفق له مثل ذلك الذى أطلقه ماكرون عندما زار إسرائيل بعد 7 أكتوبر الماضى وأعلن عن تحالف دولى لمحاربة حماس! لينقلِب بعد ذلك ويطالب بالهدنة الإنسانية ففقد المصداقيّة والشعبية، داخليا وخارجيا.
وبالتوازى ما الذى يدفع المستشار الألمانى أولاف شولتس لدعم إسرائيل إلى هذا الحد وحتى بعد موقف محكمة العدل الدولية من الإبادة الجماعية التى ترتكبها حكومتها وجيشها بحق الفلسطينيين والفلسطينيات واستمراره بإرسال السلاح إليها والاستهزاء بالدعوة التى رفعت ضده بتهمة التواطؤ فى جريمة هذه الإبادة؟ هل يتعلق الأمر بتكفير عن ذنوب «المحرقة» التى ارتكبها النازيون الألمان بحقّ اليهود خلال الحرب العالميّة الثانية؟ أم هو نتيجة ضغوط جماعات الضغط الصهيونيّة فى الولايات المتحدة وأوروبا؟ وهنا أيضا فقد شولتس المصداقية والشعبية، داخليا وخارجيا، خاصة عندما تأتى مقارنة مواقفه مع المواقف الشجاعة للمستشارة السابقة أنجيلا ميركل، خاصة حين حصلت موجة اللجوء الكبيرة إلى أوروبا.
• • •
كلا الزعيمين أخذا بلادهما بعيدا عن الدور التاريخى الذى كانا يلعبانه منذ بعيد منتصف القرن الماضى. ويأخذان بذلك البلدين اللذين يشكلان الثقل الأكبر فى الاتحاد الأوروبى إلى مواجهة مع جزء كبير من العالم المتعدد الأقطاب القائم اليوم... فهل يُمكن لهذا التحول الكبير أن يأتى فقط نتيجة لحسابات صغيرة قصيرة الأمد؟ أم أن هناك مشكلة فى الريادة السياسية على صعيد أوروبا كما على صعيد الولايات المتحدة اليوم؟
لم يكن الجنرال ديجول بعيدا عن الأفكار التى كانت سائدة فى عصره، خاصة من حيث الفخر بدور فرنسا الاستعمارى والتنافس العدائى بين فرنسا وكلّ من ألمانيا وبريطانيا. لكنّه عرف كيف يأخذ مواقف صلبة حيال وينستون تشرشل حتى حين كانت بلاده تخضع للاحتلال. وعرف كيف يخرُج من حلبة السياسات الحزبية الضيقة بعيد الحرب رغم أنه بطل التحرير. كما أخذ الجزائر إلى الاستقلال وأنهى تبعات العدوان الثلاثى على مصر والذى انخرطت فيه الحكومات الاشتراكية الفرنسية الموالية للصهيونية، وأوقف توريد السلاح إلى إسرائيل بعد حرب 1967 مطالبا إياها بإنهاء غطرستها والانسحاب من جميع الأراضى المحتلة، بما فيها القدس. ثم أبعد فرنسا عن حلف الأطلسى ومد يده إلى الاتحاد السوفيتى فى ظل الحرب الباردة كى يضَع فرنسا كمعادلة صعبة فى الجغرافيا السياسية العالمية. كما قام الجنرال بجرأة مشهود له بها بمصالحة تاريخية مع ألمانيا كانت الأساس فى صنع الاتحاد الأوروبى.
بسبب ذلك كله وغيره، من إنشاء صناعات الطيران والقدرة النووية المستقلة عن الولايات المتحدة إلى رحيله المشرّف عن السلطة، اعتبرت فرنسا واعتبر العالم أن الجنرال ديجول رجل سياسى بارز بحجم التحديات التى واجهتها بلاده. لكنّ الإرث السياسى الذى تركه تلاشى تدريجيا، خاصة بعد رحيل غريمه التاريخى فرنسوا ميتران، ليأتى رؤساء مثل نيكولا ساركوزى وفرانسوا هولاند وإيمانويل ماكرون فيفقدوا فرنسا مكانتها ودورها العالمى. وها هى ألمانيا تحذو حذو فرنسا مؤخرا.
• • •
السؤال الكبير على الصعيد الأوروبى هو حول كيفية إنهاء الحرب القائمة فى أوكرانيا اليوم إذا لم يكن هناك فى أوروبا، وبين إحدى دولتى الثقل، من يحتفظ ببعض الهامش للمساعدة على عقلنة طرفى الصراع للوصول إلى السلام. هذا خاصة أن ما يجرى هو نوع من «الحرب الأهلية» بين طرفين ينتميان إلى ذات الثقافة والتاريخ، ولا أفق لانتصار أحدهما على الآخر. كما أنه لا يُمكن تصور أن الصين ستسمح بهزيمة روسيا كى تهددها الولايات المتحدة وحلفاؤها مباشرة على حدودها البرية الشمالية، هذا بغض النظر عمن هو القائم على السلطة فى روسيا.
فى العقود الأخيرة، أفقد القائمون على «زعامة» أوروبا فرصة تاريخية تحقّق تصور الجنرال ديجول أن أوروبا هذه «من الأطلسى حتى جبال الأورال»، أى ما يعنى أن روسيا تمثل شريكا أساسيا فى صيغة الاستقرار والتقدم الاقتصادى الأوروبى، كدور منافس للولايات المتحدة كما للصين. وهم يأخذون أوروبا اليوم إلى المجهول فى ظل إنهاك لقدراتها...
على صعيد البلدان العربية، التى تتشارك البحر المتوسط مع أوروبا، تفتقِد هذه القارة القديمة أيضا أى دور له معنى. فها هى فرنسا على علاقة سيئة مع الجزائر والمغرب على السواء... ما هو لافت. وحده لبنان، أو بعض اللبنانيين، يقيم اعتبارا لفرنسا لدورها التاريخى فى إنشائه، مع استعراض مشهدى حول دورها فى مصالحة أمراء حربه لانتخاب رئيس، مع علم الجميع بمسئوليتها فى تأخير الإصلاح المالى منذ 2001 كى يصبح انهيارا بحجم الكارثة فى 2019، لتنتهى بنقل رسائل التهديد الإسرائيلية حول الصراع فى الجنوب، على غرار المسئولين الأمريكيين. وربما أيضا العراق، المحشور بين الولايات المتحدة وإيران حيث يدعو الرئيس الفرنسى لحضور مؤتمر جوار العراق!... هذا المؤتمر الذى أُجّل لأمد طويل بعد انطلاق «طوفان الأقصى»...
إن العالم العربى يغلى بالتحولات منذ أكثر من عقد. التحولات الداخلية منذ موجة «الربيع العربى» والتحولات فى السياسات الخارجية، خاصة لدول الخليج العربى، بين التوجه شرقا نحو آسيا بدافع المصلحة الاقتصادية وبين التطبيع مع إسرائيل. بالتوازى لم تستطِع أوروبا مساعدة تونس وخاصة ألمانيا ذات الحضور القوى فيها للخروج من أزمة تحولها السياسى الذى كان وحده دون عنف لترسيخ تجربة ديموقراطية عربية ناجِعة. وهكذا دخلت فى متاهات صراعات إقليمية ضيّقة فى ليبيا، فرنسا فى اتجاه وألمانيا فى اتجاه آخر. ونشطت أوروبا فى دفع الحرب الأهلية فى سوريا وسمحت بإرسال المقاتلين المتطرفين من أبنائها إلى «أرض الجهاد» هناك، فى حين ترفض اليوم استقبال زوجاتهم وأولادهم. وخسرت مجالات كبيرة فى التعاون الاقتصادى مع الخليج وغيره، من قطار الحج فى السعودية إلى مفاعلى الإمارات ومصر النووّيين.
وها هما زعماء فرنسا وألمانيا يقفان اليوم مع الجنون الإسرائيلى والإبادة الجماعية فى غزة، ويقمعان حرية التضامن مع الحد الأدنى من الإنسانية فى بلادهما... وهنا أيضا يأخذان بلديهما وأوروبا إلى المجهول...
• • •
إن فرنسا وألمانيا تتواجهان فى مواقفهما وتوجههما اليوم مع أغلبية دول العالم الأخرى... ومع أغلبية الجيل الشاب فيهما... فى تحول تاريخى نحو فقدان «الريادة السياسية» والتوجّه نحو اليمين المتطرّف. تحوّل سيكون له تداعياته... وفى فقدان صورتهما كمدافعين عن الإنسانية والحريات والعقلانية...
ومهما كانت نهايات الإبادة الجماعية التى تقوم بها إسرائيل، سيكون للمواقف الفرنسية والألمانية تداعياتها الطويلة الأمد لدى الشعوب العربية، حتى تلك المُبعَدة اليوم عن القضية الفلسطينية... مع فقدان المصداقية، كما هو الأمر بالنسبة لبريطانيا منذ أمد طويل...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.