يبدو من الواضح أن الإستراتيجية الأمريكية لمكافحة المخدرات تواجه الفشل. فأرقام الأممالمتحدة الصادرة هذا الأسبوع تظهر أن زراعة الكوكا، النبات الذى يستخرج منه الكوكايين، قد زادت فى منطقة جبال الأنديز. وكانت الزيادة الأكبر أثرا من نصيب كولومبيا، البلد الوحيد فى المنطقة الذى يسمح باستخدام المبيدات للقضاء على أوراق الكوكا وهى السياسة التى شجعت عليها الولاياتالمتحدة وتقوم بتمويلها. وقد تلقيت مؤخرا رسالة إلكترونية من جنوبى كولومبيا تحذر من أن التربة الأمازونية الهشة يمكن «أن تحترق وتتحول قريبا إلى صحراء». وكانت كلمات لقس كاثوليكى، لذلك اتصلت بإحدى العاملات بالكنيسة، تقع إبراشيتها فى قلب ولاية كاكيتا. وقالت لى إن الطائرات الحربية، الممولة من الولاياتالمتحدة، استهدفت مزارع الكولا، وأمطرتها بسحابة من المبيدات، طالت المحاصيل الزراعية والماشية التى كانت ترعى، ولم تستثن المنطقة التى كان يلعب فيها الأطفال. وقد شكا الأهالى من مشاكل فى التنفس والطفح الجلدى؛ وتقشر «جلود الأبقار»، وموت الدجاج؛ وذبل محصول الذرة، واليكة، وموز الجنة، والكاكاو. تقول «إننا نخشى من أن تعانى المنطقة فى القريب نقصا فى الغذاء». وقد وجهت الإبراشية نداء عاجلا للإنقاذ. وتمول الولاياتالمتحدة حملات الرش منذ أكثر من عقدين، لكن 70% من أوراق الكوكا فى العالم تزرع فى كولومبيا. وتعد مادة الجليفوسيت أكثر المبيدات استخداما؛ وأكثر تركيباتها التجارية انتشارا هو راوند آب الذى تنتجه شركة مونسانتو. والشركة تعترف بأن الجليفوسيت يسبب قدرا من التهييج فى العين أو الجلد. لكن الدراسات المستقلة تشير إلى مجموعة أكبر من الأعراض، ومن بينها تنميل الوجه وتورمه، وتسارع ضربات القلب، وارتفاع ضغط الدم، وآلام الصدر، والغثيان والاحتقان. وفى كولومبيا، يخلط الجليفوسيت بمواد كيميائية أخرى، ولأن التركيبة الفعلية غير معروفة فمن المستحيل فحص سميتها. وإحدى المواد المضافة تجعل السائل الآكل يلتصق بالسطح الذى ينزل عليه، ورقة نبات كانت أو جلد إنسان أو حيوانا. ويستخدم المبيد بتركيزات أعلى من تلك المستخدمة فى الولاياتالمتحدة، ويرش من مسافة أعلى من الأمتار العشرة الموصى بها. وينصح العاملون فى المزارع الأمريكية بالابتعاد عن قتلة العشب، لكن فى كولومبيا يتم الرش من الجو دون تنبيه، ويمطر البشر والحيوانات بالكيماويات. ويعارض كل جيران كولومبيا إكوادور، وبوليفيا، وبيرو، وفنزويلا، والبرازيل سياسة «التطهير بالرش». ودعا البرلمان الأنديزى والأوروبى إلى إلغائه، إلى جانب عدد كبير من دعاة حماة البيئة والعلماء والساسة فى كولومبيا. لكن الرش تكاثف منذ البدء فى خطة كولومبيا فى 2000، وإستراتيجية مكافحة المخدرات التى تمولها الولاياتالمتحدة. وعندما زرت كولومبيا، قابلت مزارعى الكوكا فى كاكيتا للمرة الأولى. وقد روت لى إحدى النساء قصة شائعة. كان والدا ساره بلا أرض، وتوجها جنوبا لتأسيس مزرعة. وفى تلك المنطقة النائية، وبدون طرق ممهدة، اكتشفا أن الكوكا هى المحصول الوحيد الذى يمكن أن يتعيشا منه. وأطلعتنى ساره على المضرب الخشبى الصلب الذى تطحن به أوراق الكوكا. فالفلاحون يحولون أوراق الكوكا إلى عجينة، تباع بعد ذلك لوسطاء، يحملونها إلى معامل الأدغال لاستخلاص الكوكايين منها. كما تزرع ساره الذرة، واليُكة، وقصب السكر، والفاكهة الاستوائية، لكن هذه المحاصيل لا تدر عائدا كبيرا. ويستغرق الأمر أياما لنقلها عن طريق الأنهار والطرق القذرة إلى أقرب الأسواق الكبيرة. وبالمقابل فإن عجينة الكوكا يسهل نقلها، والطلب عليها مضمون. لكن الفلاحين هنا ليسوا أغنياء. فهم يحصلون على 1% فقط من سعر بيع المنتج النهائى. وتركز الولاياتالمتحدة على عنصر واحد من عناصر سلسلة التجارة، أى الفلاح الذى يهدده الفقر. لكن السياسة لا تكون فعالة دوما. فعندما تتسمم أرضهم، يهاجر الفلاحون ثم يبدأون فى زراعة الكوكا من جديد. فلا بديل أمامهم. وكل ما يفعله الرش هو نقل المشكلة. وبرغم عقود من الرش، فقد زادت زراعة الكوكا فى كولومبيا منذ ثمانينيات القرن الماضى بنسبة 500%، حسبما تشير أرقام الخارجية الأمريكية. ويدعى الساسة الأمريكيون أن الزراعة قلت بعد بدء خطة كولومبيا، لكن المساحة المنزرعة بالكوكا الآن أكبر منها عند بدء تنفيذ الخطة. ولربما كان أوضح مؤشر على فشل هذه السياسة هو انخفاض أسعار الكوكايين، ما يعد علامة على زيادة المطروح من المخدر فى السوق الأمريكية، وليس العكس. وعندما عدت إلى كاكيتا، شرح لى شخص من الكنيسة كيف تذهب المبيدات إلى الأنهار وغيرها من المجارى المائية، لتقتل الأسماك. وينتظر الأهالى لأيام قبل أن يجرأوا على تناول مائها. وها هو واحد من أكثر النظم البيئية فى العالم هشاشة «عرضة للتسمم». Copyright: Guardian News & Media 2009